19 نوفمبر 2024
الأردن بعد الإسلام السياسي
حصل حزب الشراكة والإنقاذ الأردني، نهاية الأسبوع الماضي، على الترخيص الرسمي، لينضم إلى حزب المؤتمر الوطني الأردني (زمزم)، في قائمة الأحزاب التي أسسها قياديون إسلاميون من جماعة الإخوان المسلمين سابقاً.
قد تكون الفروق بين "الشراكة والإنقاذ" و"زمزم"، من الزاوية الفكرية (الأيديولوجية) غير مرئية وصغيرة للغاية، ولا تظهر في خطابهما المعلن، بقدر ما إنّ المسألة مرتبطةٌ بالشخصيات القيادية أولاً (الشراكة والإنقاذ القيادي هو المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين، سالم الفلاحات. وزمزم القياديان هما نبيل الكوفحي ورحيل غرايبة القياديان أيضاً في الجماعة).
وساهم عامل الوقت في إفراز تجربتين، بدلاً من واحدة، فأعضاء "الشراكة والإنقاذ"، غالباً، هم أصحاب مبادرة الحكماء، ثم مبادرة الشراكة التي بقيت، إلى العام الماضي، تحاول إيجاد مخرج وحلول للأزمة الداخلية في "الإخوان المسلمين"، والتوسّط بين القيادة ومجموعة زمزم، حتى وصل أصحاب مبادرة الشراكة نفسها إلى قناعةٍ بصعوبة العمل من الداخل، وبالتالي ضرورة التفكير في عمل حزبي مستقل.
ومع أنّ مجموعة الشراكة والإنقاذ لم يتم فصلها من جماعة الإخوان المسلمين بعد، وتمّ تأجيل النظر في الموضوع ("زمزم" تمّ فصل أعضائها)، إلاّ أنّ المتوقع أن يتم فصل أعضاء "الشراكة والإنقاذ"، بعدما أصبحوا حزباً جديداً، في العام المقبل، ما يعني أنّ هنالك خروجاً آخر من جماعة الإخوان المسلمين، ومن الجناح المعتدل تحديداً الذي لن يبقى منه إلا عدد قليل.
هذا على صعيد الفواق الواقعية بين "زمزم" و"الإنقاذ". أما عن المشتركات، فهنالك أرضية صلبة واحدة يقفان عليها، وتمثّل ما يمكن أن يصطلح عليه اسم أحزاب ما بعد الإسلام السياسي في الأردن، فهما (زمزم والإنقاذ) خرجتا من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ومن الجناح المعتدل الإصلاحي فيها، وتقدّمان اليوم خطاباً أيديولوجياً لا يمت إلى مقولاتها التقليدية، أو إلى حقبة الإسلام السياسي.
فالحزبان اللذان يقودهما إسلاميون معروفون سابقاً يتحدّثان عن الدولة المدنية بدون أدنى قيود، وعن الديمقراطية والتعدّدية والمواطنة، ويتجاوزان تماماً أي مشكلاتٍ وهميةٍ في وصول غير المسلمين إلى مواقع المسؤولية والمرأة كذلك، ويعطيان موضوع الحرية قيمةً عليا في خطابهما، ويتحدّثان عن الشراكة الوطنية بصورة واسعة، وعن التعدّديات الدينية والسياسية والثقافية بصورة واضحة.
لا تجد في النظام الأساسي لزمزم ذكرٌ لموضوع المرجعية الدينية، بالاقتران مع الدولة المدنية. ويفسّر رحيل غرايبة (المفكر الإسلامي وأمين عام حزب زمزم) ذلك (في لقاء مع كاتب هذه السطور) بالقول إنّه لا حاجة لكلمة المرجعية الإسلامية، فالمرجعية للأمة أو الشعب، والشعب تجاوز أصلاً الإسلام السياسي في علاقته بالدين، ولا يقبل أن يُملي عليه أحدٌ ما يخالف قناعاته وثقافته، فلماذا نحمّل هذا العمل دوماً، أو نخلق سجالاً غير مطروح أصلاً. ويضيف سالم الفلاحات، أحد مؤسسي حزب الشراكة والإنقاذ وقيادييه، (في مقابلة مع الكاتب) إنّ جماعة الإخوان المسلمين ليست مقدّسة، ومشروع حسن البنا ليس محصّناً من الجمود، ولا بد اليوم من إعادة النظر في مسلماتٍ كثيرة قامت عليها جماعة الإخوان المسلمين، ومن التفكير بعقلية جديدة وتجديدية.
تجتمع الأحزاب الما بعد إسلامية الجديدة على أهمية المسألة الوطنية الإصلاحية، وتغليبها على هاجس الهوية الإسلامية والحفاظ عليها، الذي حكم تأسيس جماعة الإخوان في مصر وتمدّدها، في العقود السابقة، أو ما يسمّى الفكر الإحيائي الإسلامي (بتعبير رضوان السيد)، ما يعني أيديولوجياً الانتقال إلى نسق فكري وثقافي وسياسي مختلف.
لا ينفي غرايبة (في مقابلتي معه) أهمية بقاء جماعة الإخوان المسلمين (في الأردن جماعة مرخّصة جديدة أخذت الرخصة القانونية من الجماعة الأم التي ما تزال تملك الشعبية والجماهيرية، ومحظورة منذ تأسيس الجماعة الجديدة). على أن يعاد النظر في أهدافها ومشروعها، فيصبح موضوع الفصل بين الدعوي والسياسي رئيساً في منهجها، وتتفرّغ للجوانب الثقافية والدعوية والتربوية والتنويرية، وهذا كافٍ ومهم، ولا تتدخل نهائياً في العمل السياسي.
على الرغم من أنّ جماعة الإخوان الأم لم تخط هذه الخطوات النوعية بعد، إلاّ أنّها تسير ببطء في الطريق نفسه، مع تردّدٍ أكبر ونزاعاتٍ وصراعات داخلية، لكن من الواضح أنّها في المسار نفسه نحو "ما بعد الإسلام السياسي".
قد تكون الفروق بين "الشراكة والإنقاذ" و"زمزم"، من الزاوية الفكرية (الأيديولوجية) غير مرئية وصغيرة للغاية، ولا تظهر في خطابهما المعلن، بقدر ما إنّ المسألة مرتبطةٌ بالشخصيات القيادية أولاً (الشراكة والإنقاذ القيادي هو المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين، سالم الفلاحات. وزمزم القياديان هما نبيل الكوفحي ورحيل غرايبة القياديان أيضاً في الجماعة).
وساهم عامل الوقت في إفراز تجربتين، بدلاً من واحدة، فأعضاء "الشراكة والإنقاذ"، غالباً، هم أصحاب مبادرة الحكماء، ثم مبادرة الشراكة التي بقيت، إلى العام الماضي، تحاول إيجاد مخرج وحلول للأزمة الداخلية في "الإخوان المسلمين"، والتوسّط بين القيادة ومجموعة زمزم، حتى وصل أصحاب مبادرة الشراكة نفسها إلى قناعةٍ بصعوبة العمل من الداخل، وبالتالي ضرورة التفكير في عمل حزبي مستقل.
ومع أنّ مجموعة الشراكة والإنقاذ لم يتم فصلها من جماعة الإخوان المسلمين بعد، وتمّ تأجيل النظر في الموضوع ("زمزم" تمّ فصل أعضائها)، إلاّ أنّ المتوقع أن يتم فصل أعضاء "الشراكة والإنقاذ"، بعدما أصبحوا حزباً جديداً، في العام المقبل، ما يعني أنّ هنالك خروجاً آخر من جماعة الإخوان المسلمين، ومن الجناح المعتدل تحديداً الذي لن يبقى منه إلا عدد قليل.
هذا على صعيد الفواق الواقعية بين "زمزم" و"الإنقاذ". أما عن المشتركات، فهنالك أرضية صلبة واحدة يقفان عليها، وتمثّل ما يمكن أن يصطلح عليه اسم أحزاب ما بعد الإسلام السياسي في الأردن، فهما (زمزم والإنقاذ) خرجتا من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ومن الجناح المعتدل الإصلاحي فيها، وتقدّمان اليوم خطاباً أيديولوجياً لا يمت إلى مقولاتها التقليدية، أو إلى حقبة الإسلام السياسي.
فالحزبان اللذان يقودهما إسلاميون معروفون سابقاً يتحدّثان عن الدولة المدنية بدون أدنى قيود، وعن الديمقراطية والتعدّدية والمواطنة، ويتجاوزان تماماً أي مشكلاتٍ وهميةٍ في وصول غير المسلمين إلى مواقع المسؤولية والمرأة كذلك، ويعطيان موضوع الحرية قيمةً عليا في خطابهما، ويتحدّثان عن الشراكة الوطنية بصورة واسعة، وعن التعدّديات الدينية والسياسية والثقافية بصورة واضحة.
لا تجد في النظام الأساسي لزمزم ذكرٌ لموضوع المرجعية الدينية، بالاقتران مع الدولة المدنية. ويفسّر رحيل غرايبة (المفكر الإسلامي وأمين عام حزب زمزم) ذلك (في لقاء مع كاتب هذه السطور) بالقول إنّه لا حاجة لكلمة المرجعية الإسلامية، فالمرجعية للأمة أو الشعب، والشعب تجاوز أصلاً الإسلام السياسي في علاقته بالدين، ولا يقبل أن يُملي عليه أحدٌ ما يخالف قناعاته وثقافته، فلماذا نحمّل هذا العمل دوماً، أو نخلق سجالاً غير مطروح أصلاً. ويضيف سالم الفلاحات، أحد مؤسسي حزب الشراكة والإنقاذ وقيادييه، (في مقابلة مع الكاتب) إنّ جماعة الإخوان المسلمين ليست مقدّسة، ومشروع حسن البنا ليس محصّناً من الجمود، ولا بد اليوم من إعادة النظر في مسلماتٍ كثيرة قامت عليها جماعة الإخوان المسلمين، ومن التفكير بعقلية جديدة وتجديدية.
تجتمع الأحزاب الما بعد إسلامية الجديدة على أهمية المسألة الوطنية الإصلاحية، وتغليبها على هاجس الهوية الإسلامية والحفاظ عليها، الذي حكم تأسيس جماعة الإخوان في مصر وتمدّدها، في العقود السابقة، أو ما يسمّى الفكر الإحيائي الإسلامي (بتعبير رضوان السيد)، ما يعني أيديولوجياً الانتقال إلى نسق فكري وثقافي وسياسي مختلف.
لا ينفي غرايبة (في مقابلتي معه) أهمية بقاء جماعة الإخوان المسلمين (في الأردن جماعة مرخّصة جديدة أخذت الرخصة القانونية من الجماعة الأم التي ما تزال تملك الشعبية والجماهيرية، ومحظورة منذ تأسيس الجماعة الجديدة). على أن يعاد النظر في أهدافها ومشروعها، فيصبح موضوع الفصل بين الدعوي والسياسي رئيساً في منهجها، وتتفرّغ للجوانب الثقافية والدعوية والتربوية والتنويرية، وهذا كافٍ ومهم، ولا تتدخل نهائياً في العمل السياسي.
على الرغم من أنّ جماعة الإخوان الأم لم تخط هذه الخطوات النوعية بعد، إلاّ أنّها تسير ببطء في الطريق نفسه، مع تردّدٍ أكبر ونزاعاتٍ وصراعات داخلية، لكن من الواضح أنّها في المسار نفسه نحو "ما بعد الإسلام السياسي".