10 نوفمبر 2024
الأردن والسعودية.. "سوء تفاهم"
تأتي زيارة ملك الأردن، عبدالله الثاني، إلى السعودية، الأسبوع الماضي، لأداء العمرة ولقائه العاهل السعودي، لتبدّد "غمامة الصيف" التي علت العلاقة بين الدولتين، منذ المؤتمر الذي عقد، أخيرا، في الرياض بحضور الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وحشد من الحكام العرب والمسلمين وممثلي هذه الدول.
ما أثار الجدل في المؤتمر، وأحدث حالةً من "سوء التفاهم" بين الدولتين، استمرت أياماً، جرى في الأثناء تبادل رسائل غير رسمية في تفسير ما حدث، ويتلخص بتعقيب الملك السعودي على خطاب الملك الأردني الذي أشار فيه إلى النبي العربي الهاشمي، بينما كان تعقيب ملك السعودية بذكر صيغة الصلاة على الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) هو الذي أثار الجدل، وحمل تفسيراتٍ متباينة، حتى في أوساط "النخبة السياسية" المصغّرة المحيطة بمطبخ القرار في عمّان.
على أيّ حال، أُريد للزيارة الملكية للسعودية (التي جاءت بصورة تقليدية من خلال أداء العمرة) أن تطوي صفحة النقاشات التي تلت المؤتمر. لكن، هل اقتصر "سوء التفاهم"، فعلاً، على هذه الجملة اللغوية – بما تحمله من دلالات سياسية- أم أنّه يتجاوز ذلك إلى جملةٍ من المواقف السياسية والمقاربات الاستراتيجية لكلتا الدولتين تجاه الملفات الإقليمية، أو حتى في عدم وجود "وضوحٍ كاف" فيما تتوقعه كلّ منهما من الأخرى؟
بدايةً، من الضروري التذكير بأنّ هنالك أرضية تاريخية صلبة تجمع الدولتين على صعيد الخطوط العامة، للمصالح الاستراتيجية، ولتعريف مصادر التهديد الأمني، كما أنّهما تنسقان باستمرار، منذ أعوام، السياسات الإقليمية، بدايةً من معسكر الاعتدال العربي في مواجهة معسكر الممانعة الإيراني، منذ العام 2006، إلى الموقف من الربيع العربي، وصعود الإسلام السياسي المتحالف مع الأتراك، ما أدى إلى إعادة ترميم التكتل المحافظ العربي لدعم انقلاب الجيش على الإخوان المسلمين في مصر 3013، إلى بداية 2013، كانت الأمور أقرب إلى التناغم المطلق في سياسات الدولتين الخارجية.
لكن العام 2016 شهد رحيل الملك السعودي عبدالله ومجيء الملك سلمان بن عبد العزيز، ومعه نخبة سياسية جديدة، قامت باستدارات في السياسة السعودية، فدخلت في حرب اليمن، وأعادت ترميم العلاقات مع تركيا، وخفّفت موقفها من "الإسلام السياسي"، وأعادت الأولوية إلى مواجهة السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، وهي الاستدارات التي أخذ الأردن وقتاً ليتمكن من التكيّف معها، ووقتاً مماثلاً لتركيب المسنّنات مع القيادات الجديدة التي كانت تبدو أقل حماسة تجاه الأردن من الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز.
بعد انتظار طويل، زار ملك السعودية عمّان، قبل يومين من القمة العربية، وحظي باستقبال مهيب من الأردن، مؤشّراً على الاحترام والتقدير والحرص على العلاقات الثنائية، لكن سقف التوقعات من "الدعم السعودي" المنتظر للأردن، للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية الخانقة، بقي ضبابياً، وغير واضح، جرى الحديث عن أرقام كبيرة من الاستثمارات، لكن من دون معطياتٍ واقعيةٍ تدعمها.
ثم جاء مؤتمر الرياض المذكور ليعيد التذكير ببعض نقاط التباين بين الدولتين، وفي مقدمتها تأكيد الأردن على أهمية القضية الفلسطينية وأولويتها، بينما الأولوية السعودية تكمن في مواجهة إيران واستعادة التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة، وهو التحالف الذي اهتزّ كثيراً بعد صفقة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، مع الإيرانيين بخصوص البرنامج النووي، فجاء الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، لينعش الآمال السعودية بقلب الطاولة على إيران التي استقوت بالتحالف مع روسيا، وتكاد تبتلع العراق وسورية.
وعلى الرغم من أن الأردن يقف متشككاً من الأجندة الإيرانية، ويخشى من خطط طهران في المنطقة، إلاّ أنه، في الوقت نفسه، لا يريد أن تنجرّ المنطقة إلى سباق تسلحٍ ومئات المليارات تصرّف على عسكرة المنطقة، وتنتهي إلى حربٍ طائفيةٍ كارثية، فيما تحتاج شعوب المنطقة، ومنها الأردن، إلى كل دعم ممكن لمواجهة الأزمات العاصفة، واستيعاب عبء اللاجئين الخطير.
تنفّس الأردن الصعداء مع إعلان إدارة الرئيس ترامب عدم نقل السفارة الأميركية في تل أبيب حالياً إلى القدس، ما يقلل من الهواجس الأردنية تجاه صفقةٍ على حساب القدس والقضية الفلسطينية. لكن مع ذلك ما تزال هنالك "مساحة رمادية" موجودة، غير معترفٍ بها، بين الدولتين، وعدم وضوح في تعريف المصالح المشتركة والتوقعات المتبادلة بينهما.
ما أثار الجدل في المؤتمر، وأحدث حالةً من "سوء التفاهم" بين الدولتين، استمرت أياماً، جرى في الأثناء تبادل رسائل غير رسمية في تفسير ما حدث، ويتلخص بتعقيب الملك السعودي على خطاب الملك الأردني الذي أشار فيه إلى النبي العربي الهاشمي، بينما كان تعقيب ملك السعودية بذكر صيغة الصلاة على الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) هو الذي أثار الجدل، وحمل تفسيراتٍ متباينة، حتى في أوساط "النخبة السياسية" المصغّرة المحيطة بمطبخ القرار في عمّان.
على أيّ حال، أُريد للزيارة الملكية للسعودية (التي جاءت بصورة تقليدية من خلال أداء العمرة) أن تطوي صفحة النقاشات التي تلت المؤتمر. لكن، هل اقتصر "سوء التفاهم"، فعلاً، على هذه الجملة اللغوية – بما تحمله من دلالات سياسية- أم أنّه يتجاوز ذلك إلى جملةٍ من المواقف السياسية والمقاربات الاستراتيجية لكلتا الدولتين تجاه الملفات الإقليمية، أو حتى في عدم وجود "وضوحٍ كاف" فيما تتوقعه كلّ منهما من الأخرى؟
بدايةً، من الضروري التذكير بأنّ هنالك أرضية تاريخية صلبة تجمع الدولتين على صعيد الخطوط العامة، للمصالح الاستراتيجية، ولتعريف مصادر التهديد الأمني، كما أنّهما تنسقان باستمرار، منذ أعوام، السياسات الإقليمية، بدايةً من معسكر الاعتدال العربي في مواجهة معسكر الممانعة الإيراني، منذ العام 2006، إلى الموقف من الربيع العربي، وصعود الإسلام السياسي المتحالف مع الأتراك، ما أدى إلى إعادة ترميم التكتل المحافظ العربي لدعم انقلاب الجيش على الإخوان المسلمين في مصر 3013، إلى بداية 2013، كانت الأمور أقرب إلى التناغم المطلق في سياسات الدولتين الخارجية.
لكن العام 2016 شهد رحيل الملك السعودي عبدالله ومجيء الملك سلمان بن عبد العزيز، ومعه نخبة سياسية جديدة، قامت باستدارات في السياسة السعودية، فدخلت في حرب اليمن، وأعادت ترميم العلاقات مع تركيا، وخفّفت موقفها من "الإسلام السياسي"، وأعادت الأولوية إلى مواجهة السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، وهي الاستدارات التي أخذ الأردن وقتاً ليتمكن من التكيّف معها، ووقتاً مماثلاً لتركيب المسنّنات مع القيادات الجديدة التي كانت تبدو أقل حماسة تجاه الأردن من الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز.
بعد انتظار طويل، زار ملك السعودية عمّان، قبل يومين من القمة العربية، وحظي باستقبال مهيب من الأردن، مؤشّراً على الاحترام والتقدير والحرص على العلاقات الثنائية، لكن سقف التوقعات من "الدعم السعودي" المنتظر للأردن، للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية الخانقة، بقي ضبابياً، وغير واضح، جرى الحديث عن أرقام كبيرة من الاستثمارات، لكن من دون معطياتٍ واقعيةٍ تدعمها.
ثم جاء مؤتمر الرياض المذكور ليعيد التذكير ببعض نقاط التباين بين الدولتين، وفي مقدمتها تأكيد الأردن على أهمية القضية الفلسطينية وأولويتها، بينما الأولوية السعودية تكمن في مواجهة إيران واستعادة التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة، وهو التحالف الذي اهتزّ كثيراً بعد صفقة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، مع الإيرانيين بخصوص البرنامج النووي، فجاء الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، لينعش الآمال السعودية بقلب الطاولة على إيران التي استقوت بالتحالف مع روسيا، وتكاد تبتلع العراق وسورية.
وعلى الرغم من أن الأردن يقف متشككاً من الأجندة الإيرانية، ويخشى من خطط طهران في المنطقة، إلاّ أنه، في الوقت نفسه، لا يريد أن تنجرّ المنطقة إلى سباق تسلحٍ ومئات المليارات تصرّف على عسكرة المنطقة، وتنتهي إلى حربٍ طائفيةٍ كارثية، فيما تحتاج شعوب المنطقة، ومنها الأردن، إلى كل دعم ممكن لمواجهة الأزمات العاصفة، واستيعاب عبء اللاجئين الخطير.
تنفّس الأردن الصعداء مع إعلان إدارة الرئيس ترامب عدم نقل السفارة الأميركية في تل أبيب حالياً إلى القدس، ما يقلل من الهواجس الأردنية تجاه صفقةٍ على حساب القدس والقضية الفلسطينية. لكن مع ذلك ما تزال هنالك "مساحة رمادية" موجودة، غير معترفٍ بها، بين الدولتين، وعدم وضوح في تعريف المصالح المشتركة والتوقعات المتبادلة بينهما.