19 أكتوبر 2019
الأمن في الساحل.. أين وصلت برخان؟
أدت الأزمات الأمنية المتفاقمة في منطقة الساحل الأفريقي إلى إطلاق عدد من الأطر للتعاون الإقليمي، إما بمبادرةٍ من دول المنطقة أو بإيعاز من شركائها الدوليين، إلا أن هذه المسارات الإقليمية لم تحسّن الوضع الأمني في المنطقة التي تتصاعد فيها التهديدات اللادولتية. صحيحٌ أن التدخل الفرنسي جنّب المنطقة قيام إمارة إرهابية في مالي، أي في قلب منطقة الساحل، إلا أن إتقان الجماعات الإرهابية الكرّ والفرّ وقدرتها العالية على التنقل، بل وحتى الانصهار في أوساط السكان، حتى يحين موعد الاقتناص لتضرب مجدّداً، أبقى على حالة عدم الاستقرار في الإقليم الساحلي. والدليل على ذلك قدرتها على ضرب الأهداف التي تختارها، وفي الوقت الذي تشاء، كاستهدافها مرتين مقر القوة المشتركة لمجموعة الساحل الخماسية في العاصمة البوركينية واغادوغو. وتضم المجموعة موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافسو وتشاد، وتلقى دعماً كبيراً من فرنسا.
لا تزال القوات الفرنسية منتشرةً في منطقة الساحل في إطار عملية بُرخان (منذ 1/8/ 2014)، التي حلت محل عملية سرفال (11 /1 /2013 - 31 /8 /2014). انتهت مهمة الأخير بتحرير شمال مالي من قبضة الجماعات الإرهابية. وتعد بُرخان التي يبلغ قوامها 4500 جندي، أهم عملية عسكرية فرنسية لمحاربة الإرهاب، وتنتشر قواتها في دول الساحل، مركّزة عملياتها على المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو. وعلى الرغم من تعدادها، فإن قواتها كثيراً ما تتعرّض لعملياتٍ تنفذها جماعات إرهابية، جديدها الهجوم على دورية مدرعات في مالي في مطلع شهر يوليو/ تموز الجاري. لكن إلى أين وصلت عملية برخان، وما هي الدروس المستخلصة من قتالها الجماعات الإرهابية في الساحل، وماذا عن الوضع في مالي؟
ربما يكون الجواب الأنسب بالاعتماد على شهادة شاهد من أهلها، وأي شاهد؛ قائد عملية برخان الفرنسية الجنرال برونو غِيبار، والذي يسلم قيادتها للجنرال فريديرك بلاشون. في حوار أدلى
به لصحيفة لوموند الفرنسية، في عددها يوم 25/7/2018، تحدّث قائد برخان عن هذه العملية العسكرية وعن الوضع في مالي.
يقول غيبار إن الهجمات الإرهابية التي تركز أخيرا على وسط مالي وشمالها، والتي تستهدف المدنيين بالأساس، دلالة على سياسة الهروب إلى الأمام التي تتبعها الجماعات الإرهابية، فالأخيرة كانت تهدف إلى السيطرة على المنطقة والاستقرار فيها، وإذا بها تجد نفسها تكتفي بعملياتٍ متفرقةٍ ومحدودة المدى. وعن تطور عمليات برخان وتحولاتها، يقول إن البراغماتية جعلت برخان تركز نشاطها على ليباكو (منطقة المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو)، التي أصبحت النقطة الأولى لتطبيق إستراتيجية فرنسا الشاملة"، وأن التحرّك يتم بالعمل بجملةٍ من المقاربات لإعادة الحياة اليومية إلى مسارها الطبيعي، لكن هذا لا يتسنّى إلا بالعمل "مدةً كافيةً وفي منطقة محدودة". ويضيف "إن حضورنا الدائم في الميدان إلى جانب القوات المالية سمح بالحد من القدرة القتالية للجماعات الإرهابية، وذلك من خلال عمليات متتالية". وبالموازاة مع ذلك، نعمل على تطوير "كفاءة القوة المسلحة الشريكة"، ما يمكّنها من مواصلة القتال باستقلاليةٍ مع انقلاب موازين القوى التدريجي. أما على المستوى التكتيكي، فيقول إن عمل برخان يتم على أساس معلوماتٍ، تزداد دقةً، ويلعب السكان في هذه العملية دوراً أساسياً، موضحاً أن أعمال برخان اليوم أكثر استهدافاً، وأكثر قدرةً على الرد السريع وأقل توقعاً (من الجماعات الإرهابية). لم يفسر هذه النقطة، لكن يبدو لنا أن قوله يشير إلى تدارك "برخان" وشركائها بعض النقائص الميدانية، لأن الجماعات الإرهابية كانت قد تأقلمت مع عملياتها وطريقة عملها.
فيما يتعلق بالعلاقة بين السكان والجماعات الإرهابية، يقول قائد "برخان" إن العناصر الإرهابية تسعى إلى الانصهار في أوساط السكان، وغالباً ما يكون ذلك على الرغم من أنفهم. والمشكلة أن السكان خائفون، وأن "تهديدات الإرهابيين تكون لها، في غالب الأحيان، الغلبة
على وعود القوات النظامية". ومن ثم يرى أنه بدون عودة دولة القانون، سيبحث السكان عمن يضمن لهم حياتهم. ويقرّ الجنرال الفرنسي بأنه "في بعض أجزاء التراب (المالي)، الأمن بل وحتى العدالة تتولاهما عملياً الجماعات الجهادية"، معتبراً أن عودةً دائمة للسلطة المالية عاملٌ وحده الكفيل باستعادة ثقة السكان، فبعض الشباب يلتحق بالجماعات الإرهابية للدفاع عن نفسه ضد الجماعات العرقية/ الدينية الأخرى. لكن "هذا لا يعني أن السكان يدعمون الجماعات الجهادية".. يرى أنه يجب إيجاد الاتساق "بين الإستراتيجيات العسكرية والتنموية لإحداث قطيعة وقطع الروابط بين السكان والجماعات الجهادية، إنها نقطة أساسية. هذا ما سيتطلب الوقت (...) إنها قضية إرادة سياسية". ويختتم قائلاً إن جزءاً من التراب المالي يجب إعادة بسط السيطرة عليه، وإعادة الوحدة الترابية للبلاد.
يؤكد كلام قائد عملية برخان، ولكن من تجربته الميدانية، ما هو معروفٌ بشأن الأزمة المالية، وهو أن الخيار العسكري ليس حلاً واقعياً، بل يأتي لمساعدة وضع الخيار السلمي على مساره الصحيح، فهو أداة وليس هدفاً بحد ذاته. المعالجة السياسية العميقة والجدية، وبعيدة الأمد، وحدها الكفيلة بعزل الجماعات الإرهابية، وإيجاد برزخ بينها وبين السكان، لأنه من دون الحامل الاجتماعي، لا يمكن أن يستقر أمر هذه الجماعات. والمهمة طبعاً في غايةٍ من التعقيد لأن السياق السياسي - الاجتماعي المالي يتطلب التحرّك على صعيدين في الوقت نفسه: صعيدي العلاقة بين الجماعات العرقي/ الدينية في البلاد والعلاقة بين الدولة والسكان كافة. فضلاً عن معادلة أخرى لا تقل أهمية، وهي العمل بالمقاربة الأمنية والتنموية بالتوازي، وعلى الدرجة نفسها من الاهتمام، لأن التنمية أيضاً من صميم الأمن، فهي تحدّ من الانكشافات السياسية والاجتماعية. من هنا يأتي بعدها الوقائي الإستراتيجي.
لا تزال القوات الفرنسية منتشرةً في منطقة الساحل في إطار عملية بُرخان (منذ 1/8/ 2014)، التي حلت محل عملية سرفال (11 /1 /2013 - 31 /8 /2014). انتهت مهمة الأخير بتحرير شمال مالي من قبضة الجماعات الإرهابية. وتعد بُرخان التي يبلغ قوامها 4500 جندي، أهم عملية عسكرية فرنسية لمحاربة الإرهاب، وتنتشر قواتها في دول الساحل، مركّزة عملياتها على المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو. وعلى الرغم من تعدادها، فإن قواتها كثيراً ما تتعرّض لعملياتٍ تنفذها جماعات إرهابية، جديدها الهجوم على دورية مدرعات في مالي في مطلع شهر يوليو/ تموز الجاري. لكن إلى أين وصلت عملية برخان، وما هي الدروس المستخلصة من قتالها الجماعات الإرهابية في الساحل، وماذا عن الوضع في مالي؟
ربما يكون الجواب الأنسب بالاعتماد على شهادة شاهد من أهلها، وأي شاهد؛ قائد عملية برخان الفرنسية الجنرال برونو غِيبار، والذي يسلم قيادتها للجنرال فريديرك بلاشون. في حوار أدلى
يقول غيبار إن الهجمات الإرهابية التي تركز أخيرا على وسط مالي وشمالها، والتي تستهدف المدنيين بالأساس، دلالة على سياسة الهروب إلى الأمام التي تتبعها الجماعات الإرهابية، فالأخيرة كانت تهدف إلى السيطرة على المنطقة والاستقرار فيها، وإذا بها تجد نفسها تكتفي بعملياتٍ متفرقةٍ ومحدودة المدى. وعن تطور عمليات برخان وتحولاتها، يقول إن البراغماتية جعلت برخان تركز نشاطها على ليباكو (منطقة المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو)، التي أصبحت النقطة الأولى لتطبيق إستراتيجية فرنسا الشاملة"، وأن التحرّك يتم بالعمل بجملةٍ من المقاربات لإعادة الحياة اليومية إلى مسارها الطبيعي، لكن هذا لا يتسنّى إلا بالعمل "مدةً كافيةً وفي منطقة محدودة". ويضيف "إن حضورنا الدائم في الميدان إلى جانب القوات المالية سمح بالحد من القدرة القتالية للجماعات الإرهابية، وذلك من خلال عمليات متتالية". وبالموازاة مع ذلك، نعمل على تطوير "كفاءة القوة المسلحة الشريكة"، ما يمكّنها من مواصلة القتال باستقلاليةٍ مع انقلاب موازين القوى التدريجي. أما على المستوى التكتيكي، فيقول إن عمل برخان يتم على أساس معلوماتٍ، تزداد دقةً، ويلعب السكان في هذه العملية دوراً أساسياً، موضحاً أن أعمال برخان اليوم أكثر استهدافاً، وأكثر قدرةً على الرد السريع وأقل توقعاً (من الجماعات الإرهابية). لم يفسر هذه النقطة، لكن يبدو لنا أن قوله يشير إلى تدارك "برخان" وشركائها بعض النقائص الميدانية، لأن الجماعات الإرهابية كانت قد تأقلمت مع عملياتها وطريقة عملها.
فيما يتعلق بالعلاقة بين السكان والجماعات الإرهابية، يقول قائد "برخان" إن العناصر الإرهابية تسعى إلى الانصهار في أوساط السكان، وغالباً ما يكون ذلك على الرغم من أنفهم. والمشكلة أن السكان خائفون، وأن "تهديدات الإرهابيين تكون لها، في غالب الأحيان، الغلبة
يؤكد كلام قائد عملية برخان، ولكن من تجربته الميدانية، ما هو معروفٌ بشأن الأزمة المالية، وهو أن الخيار العسكري ليس حلاً واقعياً، بل يأتي لمساعدة وضع الخيار السلمي على مساره الصحيح، فهو أداة وليس هدفاً بحد ذاته. المعالجة السياسية العميقة والجدية، وبعيدة الأمد، وحدها الكفيلة بعزل الجماعات الإرهابية، وإيجاد برزخ بينها وبين السكان، لأنه من دون الحامل الاجتماعي، لا يمكن أن يستقر أمر هذه الجماعات. والمهمة طبعاً في غايةٍ من التعقيد لأن السياق السياسي - الاجتماعي المالي يتطلب التحرّك على صعيدين في الوقت نفسه: صعيدي العلاقة بين الجماعات العرقي/ الدينية في البلاد والعلاقة بين الدولة والسكان كافة. فضلاً عن معادلة أخرى لا تقل أهمية، وهي العمل بالمقاربة الأمنية والتنموية بالتوازي، وعلى الدرجة نفسها من الاهتمام، لأن التنمية أيضاً من صميم الأمن، فهي تحدّ من الانكشافات السياسية والاجتماعية. من هنا يأتي بعدها الوقائي الإستراتيجي.