عادت السلطات البحرينية من جديد لتنفذ أحكام الإعدام بحق المعارضين لها، متجاهلة جميع الدعوات الحقوقية بالتوقف عن تنفيذ الإعدامات، نظراً لأن المحاكمات والإدانات تشوبها مزاعم التعذيب وانتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية الواجبة.
الدور أتى هذه المرة على الشابين أحمد الملالي وعلي العرب، اللذين أعدما يوم السبت الماضي، على خلفية اتهامات بانتمائهما لتنظيم إرهابي وتورطهما في قتل عنصر في الشرطة في عام 2017 خارج وقت عمله. لكن المتهمين قالا لأهاليهما، بحسب موقع "مرآة البحرين" أحد المواقع الإخبارية الناطقة باسم المعارضة، إنهما لا يعرفان عنصر الشرطة المقتول هشام الحمادي، ولم يسبق لهما أن التقياه، وإن الاعترافات انتزعت منهما تحت التعذيب. كما أن مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في "هيومن رايتس ووتش" لما فقيه قالت، عقب صدور أنباء عن التوجه لتنفيذ حكمي الإعدام بالشابين، "إذا كان الإعدامان وشيكين بالفعل، سيكون الملك قد ارتكب ظلماً كبيراً بتصديقه على أحكام الإعدام بحق الرجلين، رغم مزاعم التعذيب وغيرها من بواعث القلق بشأن الإجراءات القانونية الواجبة. ينبغي له تصحيح الخطأ عن طريق إلغاء حكمَي الإعدام فورا".
ومنذ 1996، وهو العام الذي نفذت فيه السلطات حكم الإعدام بالمعارض البحريني عيسى قمبر، أثناء ما عرف بـ"انتفاضة التسعينيات" في البحرين، وهي احتجاجات عنيفة اشتعلت ضد حكم والد الملك الحالي، لم تنفذ السلطات أي حكم للإعدام بحق أي مواطن بحريني حتى تنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة أشخاص في عام 2017، ومن ثم أصدرت أحكاماً بالإعدام بحق أكثر من 20 متهماً بقضايا سياسية حتى الآن. وتصنف البحرين على أنها أكثر الدول قمعية في الوطن العربي، إذ تحكم أسرة آل خليفة البلاد بالحديد والنار، وسط اضطهاد ممنهج للأغلبية الشيعية من السكان الأصليين، ومشاكل اقتصادية تعانيها البلاد بسبب سوء الإدارة ونقص في مصادر الدخل، وعمليات فساد سياسي واقتصادي تقوم بها النخبة الحاكمة منذ استقلال البلاد في عام 1971. وبعد صعود العاهل البحريني الحالي الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى سدة الحكم في 1999، أعلن عن سلسلة إصلاحات، منها إلغاء حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ 1975، وإعادة الحياة البرلمانية في البلاد، ما أدى إلى دخول الأحزاب الشيعية المعارضة الانتخابات، وفوزها بأغلبية مقاعد آخر انتخابات برلمانية قبل احتجاجات عام 2011. لكن هذه الإصلاحات كانت مجرد محاولة من النظام لذر الرماد في العيون، وإطالة أمد القمع، بحسب ما يقول ناشطون بحرينيون.
انفجرت احتجاجات فبراير/ شباط 2011 بوجه النظام الملكي، حيث طالبت المعارضة البحرينية، في البداية، بتطبيق ما تم التوافق عليه من إصلاحات قام النظام الملكي بالنكوص عنها. لكن تعامل السلطات الأمنية الوحشي مع التظاهرات أدى للمطالبة بإسقاط النظام. وجاءت التحركات الشعبية في البحرين في خضم موجة الربيع العربي، وهو ما عزز من مخاوف النظام البحريني، وكذلك أبرز داعميه السعودية والإمارات. وأمام الخشية من تصاعد احتجاجات المعارضة، خصوصاً بعد نجاح اعتصام دوار اللؤلؤة (وهو مقر الاعتصام الرئيسي في قلب العاصمة)، اتخذ القرار بالتدخل المباشر من قبل القوات السعودية والإماراتية لقمع الاحتجاجات. ودخلت القوات حدود البحرين في منتصف مارس/آذار 2011، وقامت بإعادة فض اعتصام دوار اللؤلؤة مرة جديدة (المرة الأولى كانت على أيدي القوات البحرينية في 17 فبراير) وهدم الدوار بالكامل. كما تورطت في قتل عشرات المتظاهرين ودهسهم بالآليات العسكرية، السعودية والإماراتية. وأعلنت حالة الطوارئ من جديد، وبدأت السلطات البحرينية، بمعاونة فرق أمنية وقانونية سعودية وإماراتية، اعتقال الآلاف من المعارضين البحرينيين، بينهم أطفال وكبار في السن، واتهمتهم بالولاء لإيران ومحاولة تغيير نظام البلاد عسكرياً وإشعال الطائفية في البلاد. واعتقلت السلطات البحرينية جميع المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، ومنهم عضو المجلس الاستشاري في منظمة "هيومن رايتس ووتش" نبيل رجب، الذي حكم عليه بالسجن قبل أن يحصل على عفو ملكي، ومن ثم حكم عليه في عام 2018 بالسجن مرة أخرى لمدة 5 سنوات.
وتقوم السلطات البحرينية في محاولتها لتغيير ديمغرافية البلاد بعمليات تجنيس سياسي كبيرة لوافدين من الهند وباكستان، إضافة إلى تجنيس قبليين محسوبين عليها من السعودية أو بادية سورية، وهو ما يراه معارضون بحرينيون عملية استهداف للسكان الأصليين المنتمين لما يعرف بـ"البحارنة"، والذين يعيشون في البلاد قبل قدوم الأسرة الحاكمة وسيطرتهم عليها. ويرى نشطاء بحرينيون أن المجتمع الدولي لم يتخذ إجراءات كافية حتى الآن لوقف عمليات القمع التي تقوم بها السلطات البحرينية بشكل كبير منذ 2011، وهو ما أعطى الحكومة فرصة لأن تقوم بمزيد من عمليات الإعدام والاعتقال والتهجير الممنهج.