تواصل الإمارات عرقلة طرح بعض فئات العملة الورقية الجديدة للتداول في اليمن لتغطية احتياجات السوق المحلية في ظل أزمة سيولة خانقة تمر بها البلاد، إذ ساهمت أبو ظبي في تأخير دخول دفعة الفئة الجديدة المطبوعة من الـ100 ريال الورقية المقدرة بأكثر من ملياري ريال من ميناء عدن منذ أكثر من عامين، قبل السماح بدخول جزء منها منتصف عام 2019، كما تؤكد مصادر حكومية لـ "العربي الجديد".
وجاء تأخر مرور الفئة الجديدة من ميناء عدن إلى البنك المركزي بسبب شكل العملة من هذه الفئة المرسوم على واجهتها شجرة دم الأخوين لجزيرة سقطرى الشهيرة التي تخوض الحكومة اليمنية صراعا متواصلا للحد من نفوذ الإمارات التي تسعى لاحتلالها، حسب المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها.
وخطّطت الحكومة اليمنية لاستيعاب العملة المطبوعة وإنزالها إلى الأسواق منتصف عام 2017، بشكل تدريجي مع تأخر واضح أثار شكوكا عديدة لأهم فئة تحتاجها الأسواق، وهي الـ100 ريال حتى منتصف 2019 التي وزع منها كمية محدودة للغاية في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية.
وتعاني اليمن أزمة سيولة نقدية حادة في العملة المحلية في ظل تواصل الصراع العسكري بين الحكومة اليمنية والحوثيين الذين ينفذون حملات مصادرة ومنع للعملة الجديدة في مناطق سيطرتهم، وسط اندثار أربع فئات ورقية من العملة القديمة، وهي 50 و100 و200 و250 ريالا، بينما لم تستطع العملة المطبوعة حديثا حل هذه الأزمة وتغطية حاجة الأسواق من السيولة وخاصة من هذه الفئات.
وأبدى خبراء مال مخاوفهم من استمرار اضطراب العملة اليمنية وتدهورها منذ بداية الحرب قبل نحو 5 أعوام.
وبينما تعتمد صنعاء والمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون على العملة التالفة في المعاملات اليومية، تقوم الحكومة اليمنية بصرف مرتبات الوزراء ونواب الوزراء بالدولار، وبقية المسؤولين وأغلب التشكيلات العسكرية بالريال السعودي.
ويقول الباحث الاقتصادي، أحمد السلامي، إن العملة الجديدة المطبوعة تختلف بشكل كبير عن العملة الوطنية الأساسية، وكأن هناك تعمد في طباعتها بهذا الشكل المختلف لأسباب مرسومة مسبقاً.
ويؤكد السلامي لـ "العربي الجديد"، أن الإمارات تلهث خلف جزيرة سقطرى منذ خمسة أعوام، وكانت سببا رئيسيا في تحالفها مع السعودية في حرب اليمن، وتقوم بعملية ضغط متواصل على الرئاسة اليمنية لتسليمها الجزيرة وفق أي صيغة قانونية تضمن لها إدارتها والبسط عليها، وبالتالي اعترضت على العملة الجديدة.
ويكمل: "لكن هناك رفضا شديدا من قبل القيادة اليمنية للتجاوب مع محاولات احتلال الجزيرة، ما أدى إلى هذا الصراع المحتدم بين الطرفين".
وإلى جانب الصراع الحاصل في جزيرة سقطرى مع الإمارات على أكثر من صعيد التي تسيطر على عديد المواقع الاقتصادية في اليمن، يتصاعد صراع العملة الجديدة بين الحكومة اليمنية والحوثيين وسط تداعيات خطيرة نتيجة لاستمراره بوتيرة متصاعدة وعدم وجود أي حلول للخروج من هذه الأزمة.
في هذا الصدد، حذرت جمعية البنوك اليمنية من استمرار الصراع الراهن في العملة اليمنية نتيجة للانقسام في المؤسسات النقدية والمالية في البلاد.
ويقول رئيس الجمعية، محمود ناجي، إن الضرورة تقتضي توحيد المؤسسات المالية والنقدية ووضع حد للانقسام الحاصل لإيجاد حل لمشكلة العملة الحاصلة حاليا، أو على الأقل يكون هناك تنسيق مشترك لإدارة هذا الملف بعيدا عن الصراع الراهن.
ويؤكد ناجي لـ "العربي الجديد" أن طبع النقود بشكل عام يجب أن يكون وفق ضوابط محددة بحيث لا يؤثر على سعر العملة، موضحاً أن مزيدا من التهاوي وانحدار العملة سيؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين، إذ تعتمد اليمن على الاستيراد بشكل كبير في تغطية الاحتياجات من السلع الغذائية والاستهلاكية.
وحسب ناجي، فإن هناك صعوبات تواجهها البنوك اليمنية في تدبير السيولة النقدية لعملائها، إضافة إلى بعض الصعوبات المتعلقة بالعلاقة مع مراسليها الخارجيين.
ويقول إن البنوك اليمنية تعاني أزمة سيولة، الأمر الذي أدى إلى سحب كثير من العملاء لودائعهم وانتقالهم من التعامل مع البنوك إلى قطاع وشركات الصرافة، إذ أصبحت شركات ومحال الصرافة تقوم بمهام البنوك وتمارس دورا أكبر من حجمها والمصرح لها بها وفق القوانين المصرفية المعمول بها وهذا كان على حساب القطاع المصرفي بشكل عام.
ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن تم إفراغ البنك المركزي اليمني من الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو 5 مليارات دولار، وأكثر من 2.5 تريليون من العملة الوطنية، الأمر الذي هز السوق المصرفية.
وتسببت أزمة السيولة الحادة في ارتفاع التضخّم في اليمن لأكثر من 40 في المائة، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة سلة الغذاء 60 في المائة، حسب تقارير رسمية.
ويشير الباحث في مركز الدراسات المصرفية جمال علي، إلى أهمية إيجاد تنسيق مشترك لإدارة الملف النقدي والمالي بعيداً عن الصراع، مشددا على التعامل مع مختلف القضايا الاقتصادية بمعايير مهنية.
ويضيف في حديثة لـ "العربي الجديد"، أن استقرار السياسة المصرفية المضطربة يتطلب توحيد المؤسسات المالية وتحييدها عن الصراع الراهن.