ويبدو الجانب الأوروبي في حال من العجز والحرج، بعدما عمدت إيران، ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعلى مرحلتين، إلى زيادة احتياطاتها من اليورانيوم من 300 إلى 357 كيلوغراماً، ورفع التخصيب من 3,67%، المسموح به وفق الاتفاق، إلى 4,5%.
أما الأخطر، فهو ما تنوي إيران القيام به في المرحلة الثالثة، بغض النظر عما ينص عليه الاتفاق، وهو العمل بشكل خاص على أجهزة الطرد المركزي الأكثر حداثة، للسماح بتخصيب اليورانيوم بشكل أسرع وطويل الأمد؛ وهذا ما يوحي بأنّ إيران تريد زيادة الضغط على الشريك الأوروبي في الاتفاق، في وقت يحاول الأخير الكفاح من أجل الإبقاء على الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، منذ مايو/أيار 2018، وحيث تسعى الأخيرة، وتحت أقصى الضغوط لإجبار طهران على القبول باتفاق جديد بشروط أكثر صرامة، فيما السعي الأوروبي هو للالتفاف على العقوبات التجارية المفروضة على طهران.
الأوروبيون: لا نستطيع وحدنا التوصل إلى حل
في خضم ذلك، يُستنتج أنّ ما يمكن أن يحفظ الاتفاق فقط، هو قدرة النظام الإيراني على جني المكاسب الاقتصادية التي فاوض من أجل تحقيقها لسنوات، إلا أنّ ما يصعّب الأمر هو تشديد العقوبات الأميركية، ما يترجم بانسحاب تدريجي لإيران من التزاماتها، لتكرّس الخوف الأوروبي من سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو السيناريو غير المرغوب فيه.
وقال ماس، لمجموعة "فونكه" الإعلامية، إنّ "تصرّف إيران سيكون إشارة خاطئة تماماً، إذا لم تعد ترغب في الامتثال لالتزامات إضافية بموجب اتفاق فيينا للطاقة الذرية عام 2015"، وحثها على العودة للامتثال الكامل بالاتفاق النووي، معرباً عن أمله بإمكانية التوصل إلى حل، قبل أن يوضح بالقول: "نحن الأوروبيين لا نستطيع فعل ذلك وحدنا، بينما الآخرون يتمادون في لعب البوكر أكثر فأكثر".
في المقابل، تتهم طهران الأوروبيين بالتقاعس أو بعدم قدرتهم على تزويدها بتسهيلات تجارية على النحو المتوخى في الاتفاق النووي، وهو ما عبّر عنه رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، قائلاً إنّ "الاتفاق لا يعمل باتجاه واحد، فإذا لم يلتزم الشركاء من الدول الخمس (ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا، والصين، وروسيا) بالاتفاق، فإنّ طهران لن تضطر إلى ذلك".
وفي هذا السياق، يعتبر المحللون أنّ هناك قوى أخرى، بينها روسيا واليابان والصين ودول عدة في العالم، عليها تقديم المساعدة أيضاً، على أن يتعهد الإيرانيون بالاستمرار بالوفاء بمسؤولياتهم، وهم المطلوب منهم خلق التبريرات لشعبهم بأنّهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام العقوبات الأميركية التي تضيق الخناق على حياة مواطنيهم، وفي سعي منهم للحصول من الطرف الآخر على تنازلات.
ويبرز هؤلاء التكتيك الإيراني، سيما وأنّه نجح في استدعائها إلى طاولة قمة مجموعة السبع الصناعية التي انعقدت أخيراً في فرنسا، وبعدما بات واضحاً أنّ الولايات المتحدة لا تريد الحرب والتصعيد العسكري، إنّما إبقاء الوضع على ما هو عليه خلال الحملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، أي العمل على أقصى قدر من الضغط على قادة طهران.
تحايل غير فعّال
من جهة ثانية، يبدو أنّ التحايل على العقوبات الأميركية باعتماد الأوروبيين على آلية "إنستكس" لتسهيل المقايضة مع إيران، غير فعال، وهي الأداة التي تم إنشاؤها في يناير/كانون الثاني من هذا العام، من قبل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، لتحرير أنفسها من هذا المأزق، في ظل تشدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتحذيراته من أنّ الدول أو الشركات التي ستواصل التعامل مع ايران، ستتعرض لعقوبات من الولايات المتحدة.
هذه الخدعة، بحسب وصف المراقبين، لتقويض الحصار الأميركي، ضاع تأثيرها الإيجابي لحينه، لأنّها لا يمكن أن تكون قادرة على تعويض المليارات من خسائر الاقتصاد الإيراني، والسبب أنّ الشركات الأوروبية تخشى الغضب اللاحق للولايات المتحدة، وعلاوة على ذلك فإنّ الآلية مناسبة فقط للصفقات الصغيرة وتوصيل البضائع مثل الدواء والأغذية، وحجمها لا يكفي لحل مشاكل ايران والتضييق الاقتصادي المفروض عليها، وأنّ مشكلة "إنستكس" تقنية، مع ضرورة إيجاد الشركات التي من الممكن أن تنضم إليها بطريقة أو بأخرى، وأن تكون لها مصالح اقتصادية خاصة بها، مع عدم تجاهل العقبات البيروقراطية الممكنة.
الصين لتغيير المعادلة
أما بالنسبة للأداة الثانية أو المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في قمة مجموعة السبع وقوامها حدّ ائتمان بقيمة 15 مليار دولار لمساعدة إيران على تمويل السلع المستوردة التي هي بأمسّ الحاجة إليها، والتي يمكنها تسديدها مستقبلاً من خلال صفقات النفط، فإنّه، وإذا ما نجحت الخطة، يمكن تحويلها من قبل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على ثلاث دفعات، وفق ما بينت التقارير، إلا أنّ المبادرة ما زالت قيد المتابعة، ويعمل الخبراء والمستشارون على تطويرها ووضع تفاصيلها.
ويبقى السؤال المطروح حالياً حول مدى إمكانية ترسيخ الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما بات صعباً للغاية، مع ما يحاول الإيرانيون فعله الآن، وهو خلق قوة مساومة، في ظل الاهتمام بالناحية القانونية على الأقل، وحيث لا يزال أمامهم مخرج للعودة إلى طاولة المفاوضات.