البحر طريق هروب شباب ليبيا

14 نوفمبر 2019
مستقبل قاتم يواجه الشباب (جيانلويجي غيرسيا/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت مآسي الحرب في ليبيا تلقي بظلالها على البلاد، وتمتد لتفتك بأهم شرائح المجتمع، وهي شريحة الشباب. وبالتزامن مع جرها آلافاً منهم إلى أتون المعارك، دفعت آخرين إلى الفرار طلباً للأمان، وإن كان ذلك الهرب عبر مجاهل البحر.

نقلت صحيفة "لا بروفانس" الفرنسية، السبت الماضي، أنّ السلطات الفرنسية لم تقرر بعد إرجاع ستة مهاجرين سريين عثر عليهم بحارة، وهم على متن سفينة شحن انطلقت من تونس باتجاه مدينة مرسيليا الفرنسية، قبل أن يجري احتجازهم من قبل السلطات الفرنسية. وقالت الصحيفة إنّ أربعة من هؤلاء ليبيون قصّر، بالإضافة إلى تونسيين، وتتراوح أعمار الجميع بما بين 15 عاماً و17، وقد حشروا طوال ثلاثة أيام داخل حاوية فوق سفينة شحن وصلت إلى ميناء مرسيليا من تونس. أضافت أنّه تم نقلهم إلى مركز احتجاز، ومن المقرر أن ينظر قاضٍ فرنسي في طلب لجوئهم أو الحكم بوضعهم ضمن قوانين حماية القصّر قبل النظر في إعادتهم إلى بلدهم.

وبينما لم تتبين الدوافع والأسباب المباشرة لهجرة هؤلاء المراهقين، فإنّ واقعة هجرة صلاح وخليل وإبراهيم، في منتصف أغسطس/ آب الماضي، تبيّن أنّ دوافعها محاولة الهرب لأسباب تتعلق بالحرب الدائرة في ليبيا. وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، فإنّ الشبان الثلاثة من الجنسية الليبية تتراوح أعمارهم بين 19 عاماً و22، وقد عثر عليهم في إحدى زوايا سفينة إنقاذ تابعة لمنظمة إنسانية تقل 356 مهاجراً سرياً جرى إنقاذهم في عرض البحر قبالة شواطئ ليبيا، وما زالت السفينة تبحث عن مرفأ لإنزال المهاجرين. تشير وكالة "فرانس برس" التي التقت بالشبان الثلاثة وهم على متن سفينة الإنقاذ إلى أنّ أسباب هجرتهم عن طريق البحر كانت متشابهة جداً، مشيرة إلى أنّهم اضطروا إلى اعتلاء سفينة متهالكة انطلقت من أحد مراكز تهريب البشر على شاطئ ليبي. وضمت السفينة مهاجرين سودانيين وصوماليين وإريتريين. ونقلت الوكالة عن خليل قوله إنّه اكتشف أنّ البحر خطير "لكنّه ليس أكثر خطراً من ليبيا، فلم يعد في وسعي العيش فيها" مشيراً إلى أنّه كان يعمل سائقاً لسيارة أجرة. وبينما كان خليل يكشف عن ندوب في وجهه وعلى شفته، أوضح أنّها كانت بسبب تعذيب قاسٍ تعرض له في معتقل تابع لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مضيفاً أنّه اعتقل من قبل قوة تابعة لحفتر أثناء عمله على سيارته، فأودع في مقر للمهاجرين لمدة ثلاثة أشهر تعرض خلالها للضرب يومياً، قبل أن يجازف رفقة 15 مهاجراً آخرين بالهرب وينجو بنفسه تحت رصاص حرس المقر، فعاد إلى بيت أسرته في مدينة سبها، جنوبي البلاد. أضاف أنّه عند سيطرة قوات حفتر على سبها لم يعد له من ملجأ سوى الهرب، بالرغم من أنّه كان يبحث عن سبيل للعيش بشكل طبيعي. وختم بقوله: "إذا بقيت في سبها فسألقى حتفي أو أقاتل" معرباً عن ارتياحه لوجوده في أيدٍ أمينة، وإن وصل بصفة سرية عبر البحر".

ظروف مشابهة دفعت رفيقه صلاح، البالغ من العمر 19 عاماً، الذي أجبر على الالتحاق بقوات حكومة الوفاق، جنوبي طرابلس، قبل أن يجد فرصة ليهرب من محاور القتال. قال صلاح لـ"فرانس برس": "لو بقيت، كنت سأتعرض للقتل فأنا مطلوب للوفاق لأني تخليت عنهم كما أنّي الآن مطلوب لقوات حفتر لأنّني قاتلت ضدهم". أضاف أنّه تسلل بعدما التقط صورة تذكارية مع أسرته، إلى إحدى نقاط تجمع المهاجرين ليعتلي المركب المتهالك نفسه. وبالرغم من خطر الغرق قبل وصول سفينة الإنقاذ، فهو يعبر عن سروره بالنجاة من خطر بلاده.




يعلق رمضان الشيباني، المسؤول بفرع جهاز مكافحة الهجرة بالقربولي، شرقي طرابلس، بالقول إنّ "الوضع خطر ويستوجب أن تكون تلك الأسباب التي دفعت بشبابنا للهرب من الموت إلى الموت كافية لوقف القتال" مشيراً إلى أنّ "أمثلة مشابهة وأسباباً مثلها دفعت بغيرهم من الشباب الليبي للهرب عبر البحر". ويؤكد أنّ "طول أمد الحرب جعل مقاتلي الطرفين من الشباب يعيشون ظروفاً ضاغطة بشأن مصيرهم". وبحسب معلومات الشيبان لـ"العربي الجديد" فإنّ "عشرات من جرحى الحرب الذين يصلون إلى تونس للعلاج، لا يعودون خوفاً من مصير غامض ينتظرهم، فقد تلاشت آمال السيطرة والنفوذ الذي وعدوا به، مع طول أمد الحرب، فإما أن تكون قاتلاً أو قتيلاً". ويذكر الشيباني أنّ السلطات الليبية لا تمتلك دراسات خاصة لأسباب الهرب، لكنّ هناك قوائم بأعداد طالبي اللجوء، كاشفاً أنّ المنظمات الدولية أكدت وجود أكثر من 10 آلاف ليبي طلبوا اللجوء منذ مطلع إبريل/ نيسان الماضي، تزامناً مع اندلاع الحرب في جنوب طرابلس. يضيف: "من غير شك، فإنّ من بينهم عشرات من الهاربين من مخاطر الحرب والمجبرين على الالتحاق بها".