على الرغم من مرور أكثر من أسبوع على زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى مدينة البصرة، جنوب البلاد، وتعهده بالقبض على المتورطين بسلسلة الاغتيالات التي طاولت ناشطين مدنيين في المدينة، وإنهاء حالة تفلت السلاح وفوضى الجماعات المسلحة في المحافظة النفطية المطلة على مياه الخليج العربي، إلا أن أياً من تلك التعهدات لم يتحقق لغاية الآن. ويأتي ذلك وسط استمرار هجرة الناشطين من البصرة إلى مناطق أخرى، وتواصل
حملات التحريض ضدهم في وسائل إعلام ومن قبل جيوش إلكترونية تتبع جهات سياسية وفصائل مسلحة، تصنف عادة على أنها مرتبطة بإيران.
وتحدث مسؤولون في المحافظة، لـ"العربي الجديد"، عن عدد كبير جداً من مذكرات الاعتقال تنتظر من ينفذها منذ أيام، وأن اللجنة المكلفة بالتحقيق في اغتيال الناشطين التي تم تشكيلها أخيراً توصلت إلى أسماء كثيرة مشتبه في تورطها، لكن حسابات سياسية وأخرى أمنية تتعلق بالجهة التي ينتمي إليها المتهمون تعيق عمل الشرطة لاعتقالهم، خصوصاً أن من بينهم عناصر ينتمون لمليشيا "كتائب حزب الله".
تستمر هجرة الناشطين من البصرة إلى مناطق أخرى، وتتواصل حملات التحريض ضدهم في وسائل إعلام
وفي 20 أغسطس/آب الحالي، وجّه وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي، بإرسال لجنة لمتابعة أوامر إلقاء القبض بحق المطلوبين وتنفيذها خلال أسبوع. وعلى الرغم من انقضاء هذه المدة، إلا أنه لم يتم اعتقال أكثر من 30 شخصاً، أطلق سراح بعضهم بكفالة، كما اعتقل آخرون تبين أنهم متهمون بجرائم لا علاقة لها بحوادث القتل، وتصنف ضمن الدرجة الثانية من الحوادث الأمنية في المحافظة، كالسرقة والشجار والديون وغيرها، لكن الشرطة حاولت رفع عدد من جرى اعتقالهم، عبر وضع الجميع في خانة واحدة.
وخلال الأيام الماضية، استهدفت مجموعات مسلحة ناشطين ومحتجين بارزين في محافظة البصرة، أسفرت عن مقتل العديد منهم، أبرزهم تحسين أسامة ورهام يعقوب وفلاح الحساني، فيما فشلت محاولات اغتيال أخرى أصيب فيها ناشطون بارزون، مثل الناشطة لوديا ريمون والناشطين عباس صبحي وفهد الزيدي.
في المجمل، ووفق تأكيدات مسؤولين في قيادة شرطة البصرة وتقارير محلية عراقية، فإن هناك أكثر من ألفي أمر اعتقال قضائي، أغلبها بحق متهمين بتنفيذ جرائم بالمحافظة، لكن لم يتم تنفيذها من قبل الشرطة بسبب الضغوط السياسية أو تهديدات الفصائل المسلحة والعشائر بحق القيادات الأمنية في المنطقة.
وأكد عميد في قيادة شرطة البصرة لـ"العربي الجديد"، في اتصال هاتفي من منطقة شطّ العرب وسط البصرة، إحدى المناطق التي شهدت اعتداءات على الناشطين خلال الفترة الأخيرة، أن ما بين 1800 إلى 2100 مذكرة قبض بجرائم أغلبها تتعلق بقتل أو محاولة قتل وسطو مسلح وتهريب نفط وتجارة مخدرات وابتزاز وخطف، صدرت عن القضاء خلال السنوات الأخيرة، لم تنفذ أي منها، متحدثاً عن وضع الشرطة بأنها "مكبلة، وتحتاج دعماً يعيد ثقة الشرطي بنفسه أمام عناصر المليشيات وأعضاء الأحزاب السياسية".
وقال المصدر إن "المليشيات والأحزاب والعشائر تكبّل عمل الشرطة وحتى قوات الجيش، ويتعرض الكثير من الضباط لتهديدات تصل إلى التعرض لأسرهم"، مستغرباً "تصريحات وزير الداخلية وحديثه عن أسبوع أو اثنين (لإلقاء القبض على المطلوبين)، وهو يعلم أن الوضع ليس على ما يرام".
ولفت العميد في قيادة شرطة البصرة إلى أن "التهديدات والضغوط تعدت عناصر الأمن إلى القضاة في المدينة، لمنع إصدار أوامر قبض بحق بعض الشخصيات المتورطة بجرائم مختلفة، بسبب انتمائهم إلى فصائل مسلحة وأحزاب سياسية متنفذة في المحافظة"، معتبراً أن "عدم تنفيذ أوامر القبض هذه زاد من معدل الجريمة وحالة الفلتان الأمني". ولفت كذلك إلى أن "التغييرات الأخيرة في صفّ القيادات الأمنية، يجب أن تمتد إلى عناصر الأمن أنفسهم، وأن يتم إشراك الجيش في تنفيذ المهام المتعلقة بالاعتقالات أيضاً".
هناك أكثر من ألفي أمر اعتقال قضائي، أغلبها بحق متهمين بتنفيذ جرائم بالمحافظة، لكن لم تنفذها الشرطة
بدوره، اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، بدر الزيادي، أن عدم تنفيذ مذكرات القبض "دليل واضح على ضعف بالقيادات الأمنية، بسبب الضغوط والتهديدات التي تتعرض لها من قبل بعض الجهات السياسية والمسلحة، او حتى العشائرية". وشدد الزيادي في حديث لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة إجراء تغييرات شاملة في القيادات الأمنية في المحافظة، واختيار شخصيات شجاعة تستطيع تنفيذ واجباتها، بعيداً عن أي ضغوط وتهديدات، فعدم تنفيذ تلك المذكرات يعني استمرار الجرائم في المحافظة، بمختلف أنواعها، كون الفاعل لا يزال حرّاً ويجوب شوارع المحافظة، كما ومتى يشاء". وتابع أنه "حتى الآن، لم نر من وعود رئيس الوزراء، بإجراء تغييرات أمنية وتفعيل مذكرات القبض، ما يترجم على أرض الواقع، إذ لم يتبدل أي شيء منذ زيارته للمحافظة، ما يمنح مزيداً من القوة للجماعات الاجرامية، وضعفاً للقوات الأمنية".
من جهته، اتهم رئيس المجلس العشائري في محافظة البصرة، الشيخ رائد الفريجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، قيادات أمنية في المحافظة بأنها السبب وراء عدم اعتقال من يأمر القضاء بالقبض عليهم، مبيناً أن هناك مسؤولين محليين وشيوخ عشائر وشخصيات مختلفة في البصرة صدرت بحقهم أوامر قبض لم تنفذ حتى الساعة بسبب التدخلات السياسية أو علاقات تربط بين القيادات وبعض الجهات السياسية، بالإضافة إلى التهديدات التي تتعرض لها عناصر الأمن من قبل بعض الجماعات المسلحة، محذراً من أن عدم تنفيذ مذكرات القبض يعني استمرار الفلتان الأمني والجرائم.
وحول ذلك، رأى الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، محمد التميمي، أن "أسباب عدم تنفيذ مذكرات القبض في محافظة البصرة غير خافية على الجميع، وهي وجود جماعات مسلحة وعشائرية متنفذة، تمنع الاقتراب من أي شخصية تابعة لها أو تعمل معها، وهذه الجماعات تعمل على تهديد قادة أمنيين لمنعهم من التحرك نحو اعتقال أي من الشخصيات المتهمة بجرائم مختلفة". ولفت التميمي في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "السبب الآخر غياب التغطية والحماية الحقيقية للعنصر الأمني الذي يقوم بواجبه، فالكثير من هؤلاء العناصر تعرضوا إلى عمليات تصفية جسدية أو حتى عقوبات، كونهم نفذوا ما يترتب عليهم واجب ومن أوامر القبض، فالنفوذ السياسي والمسلح، هو المتحكم بالقرارات الأمنية، وحتى القضائية"