التصحر مشكلة عالمية، لكن أن تسمع به في بلد كالعراق، المعروف بأنّه بلاد الرافدين، أي نهري الفرات ودجلة العظيمين، فهو ما يثير الاستغراب، ويستدعي خططاً كبيرة لإدارة المياه، والعمل على تشجير المساحات
لا يتراجع حجم التصحر في العراق، فالقطاع الزراعي في تدهور مستمر منذ تسعينيات القرن الماضي، بعد الحصار الاقتصادي الذي فُرض والحروب التي مرَّت بها البلاد، وازدياد تدمير قشرة الأرض، وتأثرها بالتعرية والعواصف الرملية. ولم تتمكن وزارات الزراعة والموارد المائية والنقل والصحة، المعنية بهذا الجانب، تحسين الأوضاع بذريعة مستمرة، هي ضعف المخصصات المالية.
تتحدث المراكز المتخصصة بالتصحر والتلوث البيئي عن ارتفاع واضح في نسبة ما يتعرض له العراق على هذا الصعيد، وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (يو إن دي بي) إنّ أكثر من 150 منطقة ساخنة بيئياً تتطلب الإصلاح وإعادة التأهيل، من بينها أكثر من عشرين منطقة تحتاج إلى التدخل الفوري، منها مناطق في الأنبار ومحافظتي المثنى وذي قار، بسبب تكرار مواسم الجفاف مع انخفاض تدفق المياه في دجلة والفرات، إلى جانب سوء إدارة الموارد المائية، الذي أثر كثيراً على الأراضي الزراعية وعرّضها للتملّح.
وبحسب مسؤولين عراقيين، فإنّ الحلول الناجعة لمجابهة توسع التصحر، ممكنة عبر عمليات التشجير، وقد أعلنت وزارة الزراعة في وقت سابق، عن إطلاق مبادرة البنك المركزي لدعم الوزارة من خلال تنفيذ حملات تشجير واسعة في بغداد والمحافظات لمكافحة التصحر، موضحة في بيان أنّ "المبادرة تستهدف إنتاج وزراعة 200 مليون شجرة ضمن حملات القضاء على التصحر والتكيف مع التغيرات المناخية والتقليل من الآثار السلبية للعواصف الغبارية والرملية". وكشف المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة حميد النايف، عن تخصيص مليار دينار عراقي (836 مليون دولار أميركي) لزراعة هذه الأشجار قبل نهاية عام 2019، ضمن خطط مكافحة ظاهرة التصحر في العراق، موضحاً أن "الحكومة العراقية تعتزم زراعة مليار شجرة خلال السنتين القادمتين، وعبر أكثر من مرحلة".
النايف يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "السنوات السابقة شهدت جفافاً كبيراً وتوسعاً في نسب التصحر، بسبب نقص كميات المياه، وأدى ذلك إلى زيادة المساحات المتصحرة، بل وزحف المناطق الجافة على المناطق الصالحة للزراعة". يتابع: "حاولت الحكومة اتخاذ تدابير واسعة لكنّ ضعف السيولة المالية نتيجة انخفاض أسعار النفط والحرب على تنظيم "داعش" حال دون البدء بمشاريع منع أو الحدّ من التصحر، والأموال التي وصلت إلينا من الموازنة الاتحادية كانت قليلة قياساً بحجم التصحر". يشير إلى أنّه "مع تعاقب السنوات ازدادت المساحات المتصحرة، وحتى الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة خرجت عن الخدمة".
يلفت النايف إلى أنّ "المناطق التي تأثرت بشكلٍ كبير من التصحر كثيرة، لكنّ أبرزها تابع للرمادي بمحافظة الأنبار، والموصل والمحافظات الجنوبية مثل المثنى والوسطى، وأكثرها بابل، لكنّ الفيضانات الأخيرة والسيول ساعدت في تعويض الخسائر ونقص المياه، وحالياً نعمل على استغلالها وإزاحة المناطق المتصحرة، وتحديداً دائرة الحدود ما بين العراق والسعودية، عبر زرع النباتات الدائمة (المعمّرة) وهي قادرة على مواجهة التصحر".
من جانبه، يقول مسؤول عراقي يعمل في وزارة الموارد المائية، إنّ "من ضمن أهداف الوزارة خلال المرحلة الحالية، محاربة التصحر ومحاولة محاصرته، عبر توفير المياه في مناطق حوض نهر الفرات، وتحويل الفائض من مياه نهر دجلة إلى الفرات، من خلال قناة بين النهرين، وستخدم هذه القناة مناطق ديالى وواسط والعمارة بالاعتماد على بحيرة الثرثار". يشير في اتصالٍ هاتفي مع "العربي الجديد" إلى أنّ "وزارة الموارد بالتعاون مع الزراعة تعمل باستمرار على مواجهة التصحر من خلال الآبار الارتوازية والري بالتنقيط، ولدى الوزارة مشاريع كثيرة لكنّها مرهونة بالتمويل والمبالغ التي تخصصها الحكومة".
عبد الله العارضي، وهو مسؤول محلي من محافظة المثنى، يشير إلى أنّ "أكثر المناطق العراقية المتضررة من التصحر هي المثنى وبابل، وعلى العموم كلّ المناطق المستفيدة من نهر الفرات تضرّرت أكثر من غيرها، خصوصاً مع توقف مشاريع التشجير، وزراعة النباتات التي تمنع زحف الكثبان الرملية إلى المدن، لأنّ الفرات يعاني أكثر من دجلة من التدهور المائي". يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "معظم محافظات حوض الفرات مثل ذي قار والمثنى وجهة الرمادي، لديها مبادرات كثيرة للحدّ من التصحر، لكنّ ما يجعل هذه المبادرات ضعيفة، هو تداخل الصلاحيات الممنوحة من قبل الحكومة المركزية لمجالس المحافظات، فالحكومة لا تعرف دورها والمجلس أحياناً لا يعرف دوره أيضاً في ما يتعلق بأزمة التصحر والحلول المطلوبة لها".