ربما تكون الشراكة النفطية بين منظمة "أوبك" التي تقودها الرياض وبين المنتجين خارجها وعلى رأسهم روسيا التي تقضي بخفض الإنتاج بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية يونيو/ حزيران المقبل، على وشك الانفضاض.
ويلاحظ ومنذ أكثر من شهر، تواتر تصريحات المسؤولين الروس التي يقولون فيها إنهم لا يوافقون على تمديد خفض الإنتاج الذي أقرته (أوبك +) في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ومصطلح (أوبك +)، يعني الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط، (أوبك)، والدول المنتجة للنفط غير الأعضاء والتي تعاونت مع المنظمة على خفض الإنتاج ورفع أسعار النفط منذ العام 2016.
في هذا الصدد، قال وزير المالية الروسي أنطون سيليانوف، لوكالة تاس الروسية، يوم السبت الماضي، إن روسيا ستعمل كل ما بوسعها لمنافسة أميركا على حصتها في السوق النفطي، حتى ولو أدى ذلك إلى إنهاء اتفاقية التعاون مع "أوبك" وخفض أسعار النفط.
وتتزايد مخاوف روسيا على أسواقها، خاصة السوق الصيني المهم، بعد تسوية النزاع التجاري بين واشنطن وبكين، الذي أصبح قاب قوسين من التوقيع النهائي.
ولم تخف أميركا أنها تفاوضت مع الصين على زيادة صادراتها النفطية إلى السوق الصيني، وأن بكين قبلت ذلك في سبيل خفض العجز التجاري المتزايد مع واشنطن. وبالتالي، فإن زيادة صادرات أميركا للنفط ستكون على حساب حصة الصادرات النفطية الروسية إلى الصين.
ومعروف أن صادرات الطاقة الروسية إلى الصين تعد من أهم روابط التحالف بين موسكو وبكين، وأن أي تلاعب في تفكيك هذه الرابطة يدخل في صميم الأمن الاستراتيجي لروسيا.
وبحسب المنظور الروسي الذي شرحه وزير المالية الروسي سيليانوف، في تصريحاته لوكالة تاس، فإن التخلي عن اتفاقية خفض الإنتاج مع "أوبك" سيؤدي تلقائياً إلى خفض أسعار النفط، وبالتالي ستنعدم الجدوى الاقتصادية للاستثمارات الجديدة في النفط الصخري، وتبعاً لذلك سيقل إنتاجه. ومعروف أن كلفة إنتاج النفط الصخري أعلى من كلفة إنتاج النفط التقليدي.
ولم يستبعد سيليانوف أن تنخفض أسعار النفط إلى 40 دولاراً للبرميل في حال تخلي روسيا عن الاتفاق المبرم مع أوبك. وفي حال حدث ذلك، فإن إنتاج النفط الصخري سينخفض بمعدلات كبيرة ويتوقف تمدد تصدير النفط الأميركي في السوق الصيني والآسيوي.
وفي المقابل، فإن الرياض التي تعيش ضغوطاً مالية تسعى لرفع أسعار النفط في سبيل العمل على زيادة الدخل، وخاصة أنها بنت ميزانيتها على 70 دولاراً للبرميل. لكن توقعات معهد التمويل الدولي في واشنطن تشير إلى أن الرياض ربما تحتاج إلى سعر يصل إلى 84 دولاراً للبرميل حتى تتمكن من تلبية الإنفاق في ميزانية العام المالي الجاري.
وبالتالي، فهنالك تضارب في المصالح بين الرياض وموسكو، ربما ينهي الشراكة النفطية في مايو/ أيار المقبل أو في يونيو/ حزيران، حيث موعد اجتماع أعضاء منظمة أوبك.
وفي هذا الصدد، وبشأن خلاف المصالح النفطية بين البلدين، لمح كيريل ديمترييف، أحد كبار المسؤولين الروس الذين تبنوا الاتفاق مع "أوبك"، إلى أن بلاده تريد أن تزيد إنتاجها عندما تجتمع مع "أوبك" في يونيو/ حزيران، نظراً إلى تحسن الأوضاع في السوق وانخفاض المخزونات.
من جانبه، أوضح ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، أن إنتاج بلاده النفطي قد يرتفع مجدداً هذا العام، إذا لم يتم تمديد اتفاق عالمي لخفض الإنتاج فور أن ينتهي سريانه قبل أول يوليو/ تموز المقبل. ويذكر أن روسيا رفعت إنتاجها في العام الماضي إلى نحو 11.16 مليون برميل يومياً.
ومن المتوقع أن يزيد إلحاح ترامب على "أوبك"، بخفض أسعار النفط خلال الأشهر المقبلة، بسبب المخاوف التي تعتريه من احتمال دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة ركود أو حتى تباطؤ يقود تدريجياً إلى هروب المستثمرين من سوق "وول ستريت" التي ترتفع مؤشراتها حالياً.
ويبدو أن ترامب حريص كل الحرص على خوض انتخابات الرئاسة الثانية في العام المقبل وهو يحمل في يده شعاره أميركا أولا الذي رفع سوق المال إلى مستويات قياسية وأنعش الاقتصاد وخفض معدل البطالة في بلاده. وبالتالي سيضغط بكل ما يملك لإبقاء أسعار النفط منخفضة عن مستوياتها الحالية.
وتراجع خام برنت في تعاملات الثلاثاء، إلى حوالي 71 دولارا للبرميل، تحت ضغط توقعات تنامي المخزونات الأميركية وبواعث القلق حيال مدى استعداد روسيا لمواصلة الالتزام بتخفيضات المعروض التي تقودها أوبك.
ويتوقع محللون في المتوسط أن تكون مخزونات الخام الأميركية قد ارتفعت 1.9 مليون برميل يومياً الأسبوع الماضي، فيما ستكون هذه الزيادة الرابعة على التوالي.