وفي ظرف 24 ساعة تهاوى سعر العملة الأوروبية الموحدة من 212 دينارا لليورو إلى 188 دينارا ليلة أول من أمس، فيما تراجع سعر الدولار من 185 إلى 170 دينارا، أرقام لم تسجلها سوق الصرف الموازية منذ بداية الأزمة المالية التي تعيشها الجزائر لقرابة 5 سنوات. ويبلغ سعر العملة المحلية رسميا نحو 119 دينارا مقابل الدولار.
في ساحة "بور سعيد" أو "سكوار" سابقا توجد بورصة أسواق الصرف الموازية، على بعد عشرة أمتار فقط من محكمة سيدي امحمد، حيث يُحقق مع رموز الفساد سواء مسؤولين ورجال أعمال، إذ خرج باعة العملات إلى العلن، وفضلوا الوقوف على قارعة الطرق، للتسابق على الظفر بزبون ينقذ "يومهم" من الخسارة.
يقول الشاب محمد أحد باعة العملات إنه "لم يمر بحالة مماثلة لما تعيشه السوق في اليومين الأخيرين، غياب تام للمشترين، وانخفاض قياسي للعملات المعروضة".
وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز يعتبران في العادة من أكثر الأشهر نشاطا مع عودة المغتربين وارتفاع الطلب بسبب العطل الصيفية والحج، إلا أن هذه السنة تبدو استثنائية".
وتعيش الجزائر على وقع حراك شعبي منذ عدة شهور دفع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى تقديم استقالته، ورغم ذلك تواصلت الاحتجاجات المطالبة بمحاسبة المتورطين في عمليات فساد ونهب الأموال، وتحسين الأوضاع المعيشية وتسليم السلطة لحكومة مدنية.
وإذا كان هناك إجماع وسط الباعة حول مرور سوق الصرف الموازية بحالة ركود غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، إلا أنهم يفضلون عدم الخوض في الأسباب، حماية لنشاطهم وللجهة التي تمولهم، إذ يرفضون الكشف عن الأسباب الحقيقية التي أدخلت الأسواق الموازية للعملة "الإنعاش"، مكتفين بتقديم الأسباب "الروتينية" المتعلقة بالعرض والطلب، في وقت يؤكد الخبراء أن السوق تخضع لقوى مؤثرة أخرى، كرجال الأعمال وبارونات الاستيراد.
وإلى ذلك يقول البائع عمر لـ "العربي الجديد" إن "ما تعيشه الأسواق الموازية لصرف العملة ناتج ربما عن ارتفاع العرض وتراجع الطلب، ويصعب ربط ما تعيشه الجزائر من تطورات بما يقع في سوق الصرف، في العادة الأمور تكون مستقرة، ولكن ربما القدرة الشرائية للمواطن وتخوفه من المستقبل يدفعان الجزائريين للاحتفاظ بما يدخرونه من أموال".
وكانت أسواق صرف العملات الموازية قد عاشت سيناريو معاكسا مع بداية الحراك الشعبي، نهاية فبراير/ شباط الماضي، حيث انتعشت بفعل ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية، ما أذكى المخاوف من احتمال وقوع أزمة سيولة خانقة في حال تفجر الأوضاع وهروب مسؤولين ورجال أعمال بأموالهم.
وتأثرت الأسعار بالضغط الذي خلفه ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية، حيث ارتفع سعر صرف العملة الأميركية من 185 دينارا للدولار مطلع فبراير/ شباط الماضي إلى 192 دينارا في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، أما بالنسبة للعملة الأوربية الموحدة (اليورو) فقد قفزت من 205 دنانير إلى 214 دينارا، أما الجنيه الإسترليني فقد استقر عند 224 دينارا بعدما كان عند 218 دينارا.
وحسب الخبير الاقتصادي فرحات علي لـ"العربي الجديد" فإنه "لا يمكن عزل السوق الموازية لصرف العملات عما تعيشه البلاد من تطورات، فإذا تأثرت الأسواق قبل أشهر بالحراك الشعبي وتفاعلت مع ارتفاع المخاوف من انفجار الوضع في البلاد، فاليوم أسعار صرف العملات خاصة اليورو والدولار تتفاعل مع الحدث، وهو إيداع ما يُعرف اليوم بـ "العصابة" السجن.
وأضاف أنه من المؤكد أن رجال الأعمال كانوا يتحكمون في العرض والطلب بضخ أموال كثيرة في السوق أو العكس، وبالتالي اليوم أغلب رجال الأعمال في السجن، ومن ظل خارجه يفضل البقاء بعيدا عن الأضواء، ما جعل الطلب يتراجع".
ويضيف الخبير الجزائري لـ"العربي الجديد" أن "هناك قضية أخرى وهي أن أصحاب رؤوس الأموال المودعة في البنوك، خاصة بالعملة الصعبة، يفضلون إخراجها خوفا من وقوعها بين فكي كماشة التحقيقات في ملفات الفساد، إلا أن بقاء الحال لأسابيع يبدو مستبعدا، وتحرير الاستيراد مطلع السنة جعل الطلب على العملة مستمرا، خاصة من طرف صغار المستوردين".