شهدت جبهات القتال في اليمن اندلاع اشتباكات بشكل قاسٍ، حتى في تلك الجبهات المجمّدة منذ شهرين، تزامناً مع قرب انعقاد مشاورات جنيف بين وفد الحكومة المعترف بها دولياً، ووفد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وبينما كان المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، يعقد الأربعاء مؤتمراً صحافياً حول تلك المشاورات، كان القتال في منطقة دوار مطار الحديدة المتوقف منذ يوليو/تموز الماضي، يدور بضراوة، وكانت مديرية الحالي شرق مدينة الحديدة تتعرض لقصف طائرات التحالف بقيادة السعودية.
وجرت العادة سابقاً أن يتم الإعلان عن هدنة في جبهات القتال عند بدء مشاورات السلام بين الطرفين، مثلما حصل خلال مفاوضات الكويت وجنيف وبييل، لكن هذه المرة حدث العكس وارتفعت حدة القتال حتى في الجبهات الهادئة بناء على ترتيبات أممية كالحديدة، ليكون ذلك مؤشراً إضافياً على هامشية مشاورات جنيف، مع ما يترافق من عدم تعويل الشارع اليمني على أي نتائج إيجابية تعود بالسلام، وتعالج مشاكل المعيشة اليومية التي تزداد حدة بعد تدهور العملة الوطنية إلى مستوى غير مسبوق، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفي منطقة حيفان بمحافظة تعز، وعلى خلاف ما يجري داخل المدينة من اشتباكات مسلحة بين أطراف تعمل تحت مظلة الشرعية، كانت الجبهة تشهد اشتباكات بين قوات الحوثيين وقوات الشرعية، وتدخّلت طائرات التحالف فيها لدعم المقاتلين الموالين للشرعية.
وعلى وقع أصوات القذائف في تلك الجبهات، كان أعضاء الوفد الممثل للشرعية في مشاورات جنيف يلتقطون صورة جماعية في مقر إقامتهم هناك، وفي الوقت نفسه كان الوفد الممثل لجماعة الحوثيين في صنعاء يتحدث عن عدم منح الطائرة العمانية ترخيصاً لنقلهم إلى جنيف للمشاركة في المشاورات. هذه المقدّمات غير الودية التي سبقت المشاورات غير المباشرة بين وفدي أطراف الصراع في اليمن، ناجمة في جزء منها عن فهم كل طرف لما يُفترض أن يُطرح في المشاورات من ملفات، أو على الأقل ما يريد نقله لجماهيره حول طبيعة القضايا التي ستُطرح للنقاش. وقال عبدالله العليمي، عضو وفد الحكومة ومدير مكتب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، إن مشاورات جنيف كما سبقها من جولات حوار مع الحوثيين تهدف إلى بحث تطبيق قرار مجلس الأمن 2216 وإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، ونزع سلاح المليشيات وفقاً للمرجعيات المقرة، وإلا لن يكون هناك سلام ولا استقرار، حسب تعبيره.
في الوقت نفسه، فإن رئيس "اللجنة الثورية العليا" في صنعاء، محمد علي الحوثي، والذي يُعتبر الشخصية الثانية في قيادة جماعة "أنصار الله"، دعا وفد صنعاء إلى التوقف احتجاجاً عند بدء المشاورات حتى تلتزم الأمم المتحدة بوضع المعالجات لمواجهة تدهور الريال اليمني، إذا سُمح لهم بالوصول إلى جنيف، حسب تعبيره. وترافق ذلك مع تصريحات لعضو وفد الحوثيين، عبدالملك العجري، بأن الأمم المتحدة لا تمتلك القدرة على حماية طائراتها، وأن التحالف سبق أن أوقف طائرة المبعوث الأممي في مطار صنعاء لمدة أربع ساعات، وأنه لا توجد أي ضمانات للسماح بعودة الوفد من جنيف. وفي منشور مطوّل له على صفحته الرسمية في "فيسبوك" بعنوان "إلى الأشقاء الألداء قبل جنيف"، خاطب العجري السعودية بأن اليمن لن يكون حديقة خلفية لها، مضيفاً أن اليمن في المقابل لن يكون حديقة لإيران.
من جهته، أشار المتحدث باسم "أنصار الله"، ورئيس وفد الحوثيين إلى مشاورات جنيف، محمد عبدالسلام، إلى "مماطلة الأمم المتحدة في الوفاء بوعودها التي قطعتها بتسهيل عودة الجرحى والعالقين في الخارج، وهذه هي نقطة الخلاف التي أدت بالتحالف إلى عدم منح الطائرة العمانية المكلفة بنقل وفد صنعاء ترخيصاً بالهبوط في مطار صنعاء".
وحسب ما هو مقرر، ستقتصر مشاورات جنيف على طرفين اثنين فقط هما حكومة هادي والحوثيون، بينما تم استبعاد مشاركة ممثلين لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، كما أنه تم الإعلان مسبقاً عن عدم تمثيل حزب "المؤتمر الشعبي العام" باعتباره طرفاً في المشاورات، ولذلك شمل وفدا الحكومة والحوثيين للمشاورات في عضويتهما أسماء من "المؤتمر". وكان الأمين العام المساعد لـ"المؤتمر" سلطان البركاني قد خاطب في تغريدات على حسابه في "تويتر"، صادق أمين أبو رأس باعتباره قائماً بأعمال رئيس "المؤتمر" بعد مقتل علي عبدالله صالح، وخالد الديني عضو وفد صنعاء والقيادي في الحزب، وطلب منهما دعم طلب وفد الشرعية بإدراج تسليم جثة صالح والإفراج عن أقاربه والصحافيين المعتقلين لدى الحوثيين، ضمن نقاط المشاورات في جنيف، بناء على دعوة وجّهها هادي، الذي دعا أيضاً لتقديم ما يريده الحوثيون مقابل ذلك، حسب تغريدات البركاني، ووزير الإعلام في الحكومة الشرعية، معمر الإرياني.
وخلال أغسطس، تبادل الطرفان الاتهامات بعدم الجدية بالسعي إلى السلام، كما وجّها سهامهما معاً نحو الأمم المتحدة ودورها غير المرضي عنه منهما معاً، خصوصاً بعد إصدار تقرير الخبراء التابعين لمجلس حقوق الإنسان، بشأن اليمن قبل أيام، الذي انتقدته الشرعية بقوة، بينما كان موقف الحوثيين منه أقل حدّة لأنه تضمّن اتهام التحالف بانتهاكات خطيرة.
ويتضح من خلال أسماء وفدي الطرفين في مشاورات جنيف، أن قضاياها لن تتجاوز الإطار الفني، ضمن محددات مسبقة، تهدف إلى كسر الحواجز التي أقامتها حروب وصراعات الطرفين، إذ سيقوم غريفيث بتسهيل نقاشات الوفدين ونقلها من وفد للآخر، لأن لقاءهما لن يكون مباشراً إلا في الجلسة الافتتاحية، وهذا يعني أنه مجرد أداء صوري لاتفاقات تم إقرارها مسبقاً مع المبعوث الأممي، ولن يتطرق للقضايا السياسية الجوهرية حالياً.