نشأ السوريون على كلمة "خصوصية"، لحد إصابتهم بالـ"فوبيا" من ذكر هذه الكلمة. إذ كان الرد الرسمي على كل طلب ومطلب زيادة الرواتب وتحسين الدخول، يبدأ بكلمة "الخصوصية"، لتصبح بالمرصاد لمن يسعى إلى العدالة في منح الفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
فمن خصوصية الموارد التي راكمت ثروات محدثي النعمة من برجوازية الجيش وحزب البعث، إلى خصوصية الجغرافيا وجوار العدو الاستراتيجي الذي لم تضرب نحوه طلقة منذ أربعين سنة، مروراً بخصوصية التاريخ الذي خطه الأسد الأب، والذي بدأ بحكمه والذي لا بد أن يدفن وتحرق البلد إذا تنحى ولده عن السلطة، وصولاً إلى الخصوصية الاقتصادية، التي لم تعرف يوماً قانوناً ولم تقس حقبة على منهج أو حاجة.
عانى السوريون ثم احتقنوا قبل أن ينفجروا على الخصوصيين والخصوصية
ولأن الخصوصية تعني الاستثناء، ولأن السوريين حكموا لعقود بقوانين الطوارئ الاستثنائية، غدا الاستثناء في سورية قاعدة، وليس من قواعد وقوانين إلا ما يراه القادة الملهمون.
وتولدت ذهنيات، بحكم التراكم والاستثناءات، تصيب أي دارس للحالة السورية بلوث. فنسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في سورية تتألف من خمسة أرقام مختلفة، يقال كل منها على حسب الموقف والموقع والخصوصية، ولا رقم يتكئ عليه باحث في سورية، إلا ويكون صادراً من خمس سنوات فائتة من موعد بحثه، وهكذا لجهة نسب البطالة والتضخم وعجز الموازنة ونسب التصدير وحجمه.
ولعل ذهنية التخوين التي ولدت مع انتفاضة الإخوان المسلمين نهاية سبعينيات القرن المنصرم، وترعرعت إبان توريث بشار الأسد وقت تصفية بعض الحرس القديم، واستفحلت لحدود الكفر، بعد ثورة 2011، هي أخطر منتجات الخصوصية السورية.
فرغم أن شعار الأسد الأب، وقت "التعددية الاقتصادية" وإصدار قانون الاستثمار مطلع تسعينيات القرن الفائت كان: "ليس لأحد أن يدعي ملكية الوطن منفرداً"، إلا أن الخصوصية، أتت حتى على شعار "القائد الخالد".
إذ أكدت مجريات الثورة، أن البلد مزرعة ومن فيها أجراء وليسوا مرابعين، وكل من يفكر بالتحرر من العبودية، تطاوله عصا الخصوصية ممهورة بالتخوين.
أخيراً، ومن منطلق خصوصية المرحلة والحرب الكونية التي يواجهها النظام السوري، تمت مصادرة ممتلكات معارضين سوريين، هذه المرة مصادرة لصالح الجمهورية السورية، وليس حجزاً احتياطياً، قابلا للإلغاء، فيما لو تاب المعارض وموّل الحرب وقدم ما عليه من إتاوة، كما حدث مع من ندم وعاد إلى حضن الوطن.
ومن البلاهة ربما السؤال عن الأسباب الموجبة للمصادرة، فثمة تهم معلبة في بلد الخصوصية، إن بدأت من التخابر مع دول استعمارية، لا تنتهي في محاولة زعزعة السلم الأهلي... أجل السلم الأهلي، في بلد ناف قتلاه على 200 ألف، وكذا معتقلوه، وزاد المهجرون منه على التسعة ملايين. سلم، زعزعته في سورية جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن المؤبد ومصادرة الأملاك.
أما آخر موجات الخصوصية السورية، فهي التحضير لرفع سعر الخبز، وأيضاً المبررات هي خصوصية المرحلة وخصوصية الاقتصاد. لأن دولة الخصوصية تتكبد خسائر من جراء دعم الرغيف، والخصوصية تقتضي دعم الحرب ولو بالتمويل بالعجز ودعم مستوردات الـ"موبايل" والعطور، لأن الوكلاء من آل البيت.
فالخصوصية التي قتلت وهجرّت نصف سكان سورية، كرمى المطالبة بالحرية والعدالة في توزيع الثروات، لم تسمع بأن الاقتصاد علم البدائل والخيارات، وأن فقدان الأمل الذي تراكم لاعتبارات اقتصادية، هو من دفع السوريين لتغيير الخصوصية ولو عبر دمائهم.