تتغزل السلطة في الأردن بالمنظومة التشريعية التي تعلي من قيمة الحريات، لكنها تتفنن في الوقت ذاته بسلبها، وأحياناً بمعاقبة من يدافع عن حقه فيها. قرر سائقو سيارات الأجرة، قبل أيام، تنفيذ اعتصام سلمي لتحقيق جملة من المطالب، واختاروا لاعتصامهم ساحة عامة لا يؤدي وقوفهم فيها بسياراتهم إلى إغلاق الطرق أو تعطيل حركة السير في العاصمة، لكن المفاجآت أن تقوم جهات مجهولة بإغلاق الساحة عبر تجريفها وإلقاء الأنقاض داخلها.
ولتلك الساحة تاريخ حافل مع عمليات التخريب التي تقوم بها جهات مجهولة كلما تقرر جهة استعمالها لتنفيذ اعتصام أو فعالية احتجاجية، ودائما ما تتحرك الجهة المجهولة لتصب غضبها على الساحة في الليلة التي تسبق الفعاليات التي يعلن عن تنفيذها فيها. فوّت السائقون على الجهة المجهولة، أو بالأحرى الجهة المسؤولة، فرصة شيطنتهم، عندما أعادوا فتح الساحة وتهيئتها والاعتصام داخلها، وهم الذين كان يجري جرهم إلى الاعتصام في الطرق الرئيسية، التي تعتبرها السلطة خطاً أحمر، ليكون المعتصمون أكثر حرصاً من الجهة المجهولة أو المسؤولة، على عدم إثارة الفوضى.
الخط الأحمر، الذي يمتلك كل مسؤول في البلد تحديده وفقاً لتقديراته الخاصة، والتي تخالف بالعادة الدستور والقوانين المعمول فيها، كان المبرر المعلن لاستخدام القوة في فض اعتصام ضد استيراد الغاز من إسرائيل أمام دائرة رئاسة الوزراء في العاصمة عمان قبل أسبوع، وانتهى باعتقال أكثر من خمسين مشاركاً، أفرج عنهم لاحقاً. وهو الذي منع زوجة الصحافي الأردني، المعتقل في الإمارات منذ ما يقرب من العام، تيسير النجار، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي من الوصول إلى مقر السفارة الإماراتية في عمّان لتسليم نداء موجه إلى السلطات الإماراتية، ترجو فيه الإفراج عن زوجها، بعد أن قال لها الشرطي "السفارة خط أحمر". لم ترد عبارة "خط أحمر" في الدستور أو القوانين والتشريعات الأردنية، لكنها مبرر السلطة عندما تقرر سلب المواطنين حريتهم وحقوقهم التي كفلها الدستور ونظمتها القوانين، لتصبح الحقوق والحريات رهن خطوط حمراء يقررها المسؤولون، مخالفين بذلك قسمهم يوم استلموا مناصبهم بالحفاظ على الدستور وتطبيق القوانين.