ربما يصبح الدولار نقطة الضعف الأساسية في قطع الشطرنج التي تحارب بها واشنطن بكين في النزاع التجاري الذي يتحوّل تدريجياً إلى "حرب باردة". ولا يستبعد أن تمتدّ "الحرب التجارية" إلى العملات والتقنية والصناعات العسكرية والنفوذ السياسي بين الولايات المتحدة التي تسعى لاستعادة هيمنتها كـ"قوة عظمى منفردة" في العالم، وبين الصين التي تحاول بناء نظام عالمي جديد موازٍ للنفوذ الأميركي.
ويواصل الدولار ارتفاعه بقوة منذ إبريل/ نيسان الماضي، إذ كسب قرابة 5.0% حسب بيانات بلومبيرغ. وارتفع الدولار للجلسة الرابعة على التوالي اليوم الجمعة، مستفيداً من الاضطراب الناجم عن تصاعد النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة.
وحسب رويترز، انخفض اليوان الصيني مجدداً في الأسواق الخارجية وبنسبة 0.4% إلى 6.9064 يوان للدولار، وهو أدنى مستوياته منذ مايو/ أيار 2017. كذلك تراجع اليورو لأدنى مستوى في خمسة أسابيع عند 1.1577 دولار مع ارتفاع العملة الأميركية. وقد يبدو للبعض أن قوة العملة كلها خير وبركة للدولة، ولكنها ليست كذلك بالنسبة للاقتصادات الكبرى.
فالدولار القوي سلاح ذو حدين بالنسبة للنفوذ الأميركي، فمن الناحية الإيجابية يزيد من جاذبية أدوات المال الأميركية، وعلى رأسها سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل التي تعتبر من الأكثر مبيعاً في مزادات وزارة الخزانة الأميركية. ويعدّ الإقبال على هذه السندات مهماً جداً لواشنطن التي تفوق ديونها السيادية 20 ترليون دولار وتعتمد بقوة على الاستدانة لتمويل العجز في ميزانية 2019 الذي يقدّر بقرابة ترليون دولار.
ومن ناحية ثانية فإن الدولار القوي يشكّل أزمة بالنسبة للصادرات الأميركية، إذ إنه يضعف من تنافسيتها في أسواق العالم، إذ يجعل البضائع الأميركية التي تباع بالدولار أغلى من منافساتها الأوروبية التي تباع باليورو الرخيص أو الصينية التي تباع باليوان الذي يتدهور يوماً بعد يوم، في وقت يمتنع فيه البنك المركزي الصيني عن دعمه.
وعلى صعيد النفوذ السياسي، فإنه يضعف النفوذ الأميركي عالمياً ويزيد من التمدد الجيوسياسي الصيني، خاصة في دول الاقتصادات الفقيرة والاقتصادات الناشئة. فالدولار القوي يشكّل أزمة مالية في هذه الدول، ثم احتجاجات شعبية على الغلاء لتتحوّل تدريجياً إلى أزمة سياسية. وبالتالي فإن الدولار القوي يرفع من معدل التضخم ويزيد من خدمة الديون السيادية في العديد من اقتصادات العالم، ثم يدفع تدريجياً العديد من هذه الدول إلى الارتماء في أحضان الصين ضمن رحلة البحث عن طوق للنجاة من الاضطرابات الشعبية.
وكان مصرف "غولدمان ساكس" قد حذر في الشهر الماضي من مخاطر الدولار القوي على الاستقرار في الدول الناشئة. كذلك قال استراتيجي العملات بمصرف نومورا الياباني في تحليل اليوم الجمعة، إن البنك المركزي الصيني قرر رفع نسبة مخاطر احتياطي العملات إلى 20%، تحسباً للتدخل من أجل استقرار عملته.
وما يزيد من خطورة الدولار القوي على الاستقرار السياسي في الاقتصادات الناشئة والدول الفقيرة أن قوته تتزامن مع صعود أسعار النفط. وبالتالي فإن العديد من الدول تواجه دولاراً قوياً مقابل عملاتها الضعيفة وحاجة إلى مزيد من الدولارات لتغطية فاتورة الوقود وتسديد أقساط الديون.
وبالتالي، فإن الدولار القوي يزيد من النفوذ الجيوسياسي للصين على حساب أميركا، كما هو ملاحظ في التمدد الصيني في أفريقيا ودول أميركا الجنوبية، إذ تستثمر الصين بكثافة في كل من البرازيل وجنوب أفريقيا وفنزويلا وغانا.
وحسب تقرير لمعهد التمويل الدولي نشرته رويترز اليوم الجمعة، فإن حوالى 24 مليار دولار هربت من الأسواق الناشئة في يونيو/ حزيران، تخوفاً من مؤشرات على زيادة تشديد السياسة النقدية الأميركية، التي عادة ترفع من سعر صرف الدولار.
أما العامل السلبي الثالث لقوة الدولار، فإنه يرفع من استثمار البنوك الأميركية التي تملك الدولار القوي في شراء اليورو وأدواته وكذلك اليوان وأدواته، لأنها عملات ضعيفة جداً في الوقت الراهن واحتمالات تحقيق أرباح كبرى فيها في المستقبل أكبر كثيراً من أدوات المال والأسهم الأميركية التي شارفت على الذروة.
يذكر أن الدولار لا يزالالعملة المهيمنة عالمياً، إذ يحتل نسبة 62% من الاحتياطي النقدي في المصارف العالمية، حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي في نهاية عام 2017، كما أنه يشكل نسبة 80% من تسوية التجارة العالمية.
يذكر أن الدولار لا يزالالعملة المهيمنة عالمياً، إذ يحتل نسبة 62% من الاحتياطي النقدي في المصارف العالمية، حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي في نهاية عام 2017، كما أنه يشكل نسبة 80% من تسوية التجارة العالمية.