الروهينغا الأقلية المسحوقة: تاريخ من الاضطهاد والعنف المضاد

avata
زياد سعاده
صحافي لبناني، من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".
02 سبتمبر 2017
79ED0B7B-129E-4380-BB46-2CC0C4D9CA95
+ الخط -


لا يمكن لأي توصيف أن يعبّر عن وضع الروهينغا في ميانمار إلا أنهم أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، فهم منبوذون من بلدهم، بلا جنسية، ويفرون منذ عقود، ليصبح الخوف خبزهم اليومي. هذه الأقلية المسلمة التي يبلغ عدد أفرادها نحو مليون، محرومة من حق المواطنة في ميانمار، وهي تعرضت لسلسلة طويلة من المجازر وعمليات التهجير، ليتحول أبناؤها إلى أقلية مضطهدة بين أكثرية بوذية وسلطة غير محايدة. وتعتبرهم الحكومة في ميانمار، أنهم "مهاجرون غير شرعيين من بنغلادش"، بينما تصنفهم الأمم المتحدة بـ"الأقلية الدينية الأكثر تعرضاً للاضطهاد". أمام هذا الوضع البائس، كان من الطبيعي ربما أن يلجأ البعض من هذه الأقلية إلى السلاح مع ما يتبع ذلك من "إرهاب مضاد" أحياناً.


من هم الروهينغا؟
يعيش نحو مليون من الروهينغا منذ عقود في غرب ميانمار، بعضهم في مخيمات لاجئين، خصوصاً في ولاية راخين. هؤلاء المسلمون السنّة يتحدثون شكلاً من أشكال الشيتاغونية، وهي لهجة بنغالية مستخدمة في جنوب شرق بنغلادش. بدأت معاناة هؤلاء خصوصاً مع رفض نظام ميانمار منحهم الجنسية، معتمداً على قانون الجنسية الصادر في العام 1982 الذي ينصّ على أنه وحدها المجموعات الإثنية التي تثبت وجودها على أراضي ميانمار قبل 1823 (قبل الحرب الأولى الانكليزية - البورمية التي أدت إلى الاستعمار) يمكنها الحصول على الجنسية. لذلك حرم هذا القانون الروهينغا من الحصول على الجنسية. لكن ممثلي الروهينغا يؤكدون أنهم كانوا في ميانمار قبل هذا التاريخ بكثير.

يُعتبر أفراد أقلية الروهينغا أجانب في ميانمار وهم ضحايا العديد من أنواع التمييز، مثل العمل القسري والابتزاز والتضييق على حرية التنقل وقواعد زواج ظالمة وانتزاع أراضيهم. كما يتم التضييق عليهم في مجال الدراسة وباقي الخدمات الاجتماعية العامة. ومنذ العام 2011 مع حل المجلس العسكري الذي حكم ميانمار لنحو نصف قرن، تزايد التوتر بين الطوائف الدينية في البلاد. وما انفكت حركة رهبان بوذيين قوميين في السنوات الأخيرة تؤجج الكراهية، معتبرة أن الروهينغا المسلمين يشكّلون تهديداً لميانمار، البلد البوذي بنسبة 90 في المائة.


تاريخ من الاضطهاد
أطلقت مسيرة ميانمار نحو الديمقراطية التي بدأت عام 2011، العنان للتوترات المكبوتة، العرقية والدينية، بين البوذيين والروهينغا في ولاية راخين. في العام 2012 اندلعت أعمال عنف كبيرة في البلاد بين البوذيين وأقلية الروهينغا، أوقعت ما لا يقل عن 192 قتيلاً، وأدت إلى نزوح 140 ألفاً من بيوتهم، أغلبهم من الروهينغا، إلى دول مجاورة، خصوصاً بنغلادش، ما أوقع بعضهم في قبضة متاجرين بالبشر. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016، سُجلت حملة عنف جديدة، حين شن الجيش عملية عسكرية إثر مهاجمة مسلحين مراكز حدودية في شمال ولاية راخين. واتُهمت قوات الأمن بارتكاب الكثير من الفظاعات، بينها عمليات اغتصاب، وفر عشرات آلاف المدنيين من قراهم.

بدأ الجيش "عملية تطهير" في راخين بعد أن هاجم مسلحون من الروهينغا مواقع حدودية في المنطقة في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2016. وعلى مدى شهر حاول الجيش من دون جدوى، الضغط على أهل القرى لتسليم المتمردين. تغيّر هذا النهج يومي 12 و13 نوفمبر/ تشرين الثاني في قرية دار جي زار، وقرية ياي خات تشاونج جوا سون المجاورة لها، حين شنّ الجيش عملية كبيرة استهدفت المدنيين، وقدّر أعيان الروهينغا سقوط حوالي 600 قتيل حينها. كما رجح تقرير للأمم المتحدة في فبراير/ شباط أن عدد القتلى بالمئات.

أعمال العنف تجددت يوم الجمعة قبل الماضي، موقعة قرابة 400 قتيل على مدى أسبوع، في واحدة من أسوأ موجات العنف التي تطاول أقلية الروهينغا. ويقول الجيش إنه ينفذ عمليات تطهير ضد "إرهابيين متطرفين"، وإن قوات الأمن تلقت تعليمات بحماية المدنيين. لكن الروهينغا الفارين إلى بنغلادش يقولون إن حملة إحراق وقتل تهدف إلى طردهم. وقال الجيش في ميانمار، الخميس، إن الاشتباكات والحملة العسكرية التي أعقبت ذلك أسفرت عن مقتل نحو 370 من المقاتلين الروهينغا بالإضافة إلى 13 من قوات الأمن واثنين من مسؤولي الحكومة و14 مدنياً. وقالت مصادر من الأمم المتحدة، وفق وكالة "رويترز"، إن نحو 38 ألفاً من الروهينغا فروا من ميانمار إلى بنغلادش بعد مرور أسبوع على بدء هذه الموجة من أعمال العنف. وتستضيف بنغلادش في الأصل أكثر من 400 ألف من اللاجئين الروهينغا الذين يعيشون في مخيمات بائسة قريبة من الحدود مع ميانمار، وطلبت تكراراً من ميانمار استعادة اللاجئين الروهينغا ومعالجة أسباب المشكلة. وعرضت بنغلادش، الثلاثاء الماضي، تنظيم عمليات عسكرية مشتركة مع قوات ميانمار في مواجهة المقاتلين الروهينغا في ولاية راخين.

ولاقت هذه الحملة من الجيش انتقادات دولية، إذ دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، السلطات في ميانمار إلى ضمان عدم استخدام قوات الأمن القوة المفرطة ضد الروهينغا في ولاية راخين. كما ندد بـ"الهجمات المنسقة" التي شنها مسلحون على قوات الأمن، يوم الجمعة ما قبل الماضي، لكنه قال إن واجب القيادة السياسية أن تحمي كل المدنيين "من دون تمييز".
من جهتها، حثّت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، قوات الأمن في ميانمار على تفادي مهاجمة المدنيين الأبرياء. ونددت هيلي بالهجمات التي نفذتها جماعة "جيش أركان لإنقاذ الروهينغا" في الآونة الأخيرة، لكنها قالت "في الوقت الذي تتحرك فيه قوات أمن ميانمار لمنع وقوع مزيد من العنف، فإن عليها مسؤولية الالتزام بالقانون الإنساني الدولي الذي يتضمن عدم مهاجمة المدنيين الأبرياء وعمال الإغاثة".


لجوء إلى السلاح
بعد سنوات من الاضطهاد، بدأ بعض الروهينغا يلجأون إلى الكفاح المسلح. وتقول مجموعة الأزمات الدولية إن مجموعة من الروهينغا يعيشون في السعودية كوّنوا جماعة مسلحة اسمها "حركة اليقين" عام 2012. وقال زعيمها عطا الله إن مئات من الشبان الروهينغا انضموا للجماعة التي باتت الآن تُعرف باسم "جيش أراكان لإنقاذ الروهينغا". تُقدّر حكومة ميانمار عدد أفراد الجماعة حالياً بنحو 400 مقاتل. وقال عطا الله متحدثاً عبر رابط فيديو من موقع لم يكشف عنه في ميانمار "في عام 2012 كانوا يقتلوننا، وفهمنا في ذلك الوقت أنهم لن يعطونا حقوقنا".

حاول الجيش مع بداية ظهور الحركة الضغط على الأهالي لتسليم المتمردين، وقبل فجر التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2016 شن مسلحو الروهينغا هجمات على شرطة الحدود. وبدأ الجيش عملية لمحاولة القبض على المتمردين. وكانت قرية كيت يوي بيين، الواقعة شمال غرب راخين، من أوائل القرى التي جذبت انتباه الجيش في 13 أكتوبر/ تشرين الأول. وكان المتمردون قد استخدموا الأخشاب في إقامة حواجز على الطرق، بالقرب من القرية المكونة من 1300 بيت، الأمر الذي سد الطريق أمام عربات الجيش. ورداً على ذلك أحرق حوالي 400 جندي جزءاً من القرية وأطلقوا النار على عدد من الناس. تكرر هذا المشهد في قرى أخرى في الأسابيع التي سبقت الأحداث التي وقعت في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني. في ذلك اليوم تصاعدت حدة العنف عندما اشتبك الجيش مع متمردين إلى الشمال من قريتين في شمال غرب راخين. كانت تلك هي بداية الهجوم عبر قطاع من شمال غرب راخين الذي استمر نحو أسبوعين، وفقاً لما رواه أهالي القرى وعاملون في مجال المساعدات الإنسانية ومراقبو حقوق الإنسان. وفرّت أعداد غفيرة شمالاً باتجاه قرى أكبر ثم غرباً إلى بنغلادش.


دفع نحو التطرف
لم يلجأ الروهينغا إلى حمل السلاح على الرغم من عقود من الاضطهاد والتهميش والتضييق، إلا أن هجوم 2016 دفع بعضهم إلى المقاومة المسلحة. ومع تصاعد أعمال العنف في الأيام الأخيرة، بدأ رجال من الروهينغا بالانضمام لـ"جيش أراكان لإنقاذ الروهينغا". ولوحظ أن آلاف الروهينغا الفارين أخيراً إلى بنغلادش كان معظمهم من النساء والأطفال. وأثار عدم وجود رجال بين الفارين استغراب سلطات بنغلادش. وقال مسؤول في حرس الحدود لوكالة "فرانس برس": "سألناهم ما الذي حل بالرجال، فقالوا لنا إنهم ظلوا هناك للقتال". على الحدود، قال شاه علام، وهو أحد وجهاء قريته، إن نحو ثلاثين من شبان ثلاث قرى في منطقته انضموا إلى "جيش إنقاذ أراكان" للقتال "من أجل حريتنا". وأضاف لـ"فرانس برس": "هل كان لديهم أي خيار؟ لقد اختاروا القتال والموت بدلاً من أن يُذبحوا مثل النعاج".

وكانت لجنة دولية يترأسها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، قد دعت ميانمار إلى إلغاء القيود على منح الجنسية لأقلية الروهينغا وتخفيف تقييد حركتها لتجنّب "تطرفها" وإحلال السلام في ولاية راخين. وكانت رئيسة الحكومة، أونغ سان سو تشي، قد عيّنت عنان على رأس لجنة مهمتها إصلاح الانقسامات الطويلة بين الروهينغا والبوذيين. ونشرت اللجنة قبل أيام تقريرها، محذرة من أن عدم تطبيق توصياتها يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التطرف والعنف. وقال التقرير إنه "ما لم يتم إيجاد حلول للمشاكل بسرعة، هناك خطر تطرف داخل المجموعتين" المسلمة والبوذية، واصفاً الروهينغا بأنهم "أكبر أقلية من دون جنسية في العالم". ومن بين التوصيات الرئيسية للجنة إنهاء جميع القيود المفروضة على حركة الروهينغا وغيرها من المجموعات السكانية في راخين، وإغلاق مخيمات اللاجئين التي تأوي أكثر من 120 ألف شخص في ظروف سيئة. ودعت اللجنة ميانمار إلى مراجعة قانون 1982 الذي يحظر منح الجنسية إلى نحو مليون من الروهينغا. كما دعتها إلى الاستثمار بشكل كبير في الولاية والسماح للإعلام بالوصول إلى تلك المنطقة من دون إعاقة.


حكومات بلا حل
كان كثيرون يأملون بأن تفتح أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، عهداً جديداً من التسامح مع وصولها إلى الحكم وتسلمها رئاسة الحكومة أواخر عام 2015، بعد خمسة عقود من الحكم العسكري. جاءت سو تشي إلى السلطة بعد نصف قرن من حكم مجلس عسكري للبلاد، اعتمد بشكل كبير على القومية وديانة تيرافادا البوذية لتعزيز حكمه، واتُهم بالتمييز العنصري ضد الأقليات مثل الروهينغا وغيرها. وعلى الرغم من أن الجنرالات ما زالوا مسيطرين على شق كبير من الحكومة، أصبحت سو تشي تواجه الآن اتهامات بالتقاعس عن الاعتراض على انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد وخصوصاً بحق أقلية الروهينغا.

قبيل وصولها إلى الحكم، كانت سو تشي قد وعدت "بحماية كل الذين يعيشون في هذا البلد" طبقاً لحقوق الإنسان، إلا أنها دعت إلى "عدم المبالغة" في توصيف المأساة، قائلة إن "البلد برمته في وضع خطير وليس ولاية راخين وحدها". وواجهت سو تشي في الأشهر الأخيرة انتقادات في الخارج لصمتها حيال أعمال العنف والقوانين التمييزية ضد الروهينغا. سو تشي التي تُتهم بأخذ جانب الجيش، حاولت دفع السلام في البلاد عبر محادثات مع بعض الجماعات العرقية في البلاد، إلا أن النزاع في ولاية راخين كان غائباً عنها.
لكن المدافعين عن سو تشي، وبعضهم من الدبلوماسيين الغربيين، يشيرون إلى أن الدستور الذي صاغه العسكريون يعوقها ويجعل الجيش مسيطراً على الوزارات الأمنية الرئيسية وجانب كبير من جهاز الدولة. ويقول هؤلاء الدبلوماسيون إن سو تشي ربما تنظر للمستقبل البعيد وتؤيد الجيش في الوقت الحالي وتوجّه جنرالاته نحو قبول إعادة صياغة الدستور بما يقلص صلاحياتهم.

ذات صلة

الصورة
غوتيريس خلال المقابلة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، 16 سبتمبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

وقعت أكثر من 100 دولة عضو في الأمم المتحدة على رسالة لدعم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس رداً على إعلان إسرائيل أنه "شخص غير مرغوب فيه".
الصورة
جنود إسبان من "يونيفيل" قرب الخيام، 23 أغسطس 2024 (أنور عمرو/فرانس برس)

سياسة

تُظهر الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" وكأن القوة الأممية باتت في آخر أيامها في لبنان.
الصورة
المرض في غزة

اقتصاد

مع دخول حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة عامها الأول، حولت آلة الحرب الإسرائيلية مناطق وأحياء سكنية كاملة إلى كومة من الركام بعد تدمير 75% من المباني.
الصورة
خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، 18 سبتمبر 2024 (الأناضول)

سياسة

تبّنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهراً، بعد تصويت 124 دولة لصالحه