لم تكتمل فرحة إلين هذا الصيف، كما كانت تتمنى، بعدما أمضت مع خطيبها أياماً وهما يحسبان تكاليف حفل زفافهما، فقد اتخذا قراراً بتأجيله إلى الصيف المقبل، بحسب ما تقول لـ"العربي الجديد"، مبينة أنّ تكاليف الزواج التي وضعاها في بداية العام الجاري، وعلى أساسها حددا موعد زفافهما، تضاعفت. تضيف: "فستان الزفاف ارتفع إيجاره من 300 ألف ليرة سورية (نحو 600 دولار أميركي)، إلى 500 ألف (نحو 1000 دولار)، حتى مصفف الشعر أخبرني بأنّ الحجز المسبق لموعد أصبح بـ100 ألف (نحو 200 دولار)، بدلاً من 70 ألفاً (نحو 140 دولاراً)، وقس على ذلك بقية التكاليف". تتابع: "كذلك الضيافة ارتفع ثمنها، بالرغم من أنّنا كنا قد قررنا إلغاء الطعام، والاكتفاء بالكيك ونوع من الحلويات، كلّ ذلك أصبح بحاجة إلى مضاعفة ميزانية العرس".
من جانبه، يشكو حمد العفيف (35 عاماً)، الذي يعمل في محل لبيع الملابس، وكان يستعد لتجهيز منزله للزواج هذا العام، من ارتفاع أسعار الأثاث المنزلي، قائلاً: "بعد جهد، استطعت أن أجمع ثمن عرض شعبي، مكون من غسالة وغاز منزلي وغرفة نوم وطقم جلوس، حتى الشهر الماضي كان ثمنه 750 ألف ليرة (نحو 1500 دولار)، لكنّني سألت عن ثمنه قبل أيام، فأخبروني بأنّ سعره بات مليوناً ومائة ألف ليرة (2150 دولاراً)، ما يعني أنّني بحاجة إلى عدة أشهر حتى أجمع المبلغ المتبقي، إذا تحرك السوق". يضيف: "هذا هو العام الثالث الذي أؤجل زفافي فيه، بسبب ارتفاع الأسعار وعدم قدرتي على تأمين تكاليفه". يلفت إلى أنّ شقيقه الأكبر تزوج عام 2011، وكلفه العرض نفسه من الأدوات المنزلية وحفل الزفاف 250 ألف ليرة (نحو 500 دولار) لا أكثر.
أما جمال كمال الدين (29 عاماً)، فزواجه متوقف على تأمين 100 غرام من الذهب، كانت شرط والد خطيبته لإتمام الزفاف، قائلاً: لقد "اشترط والد خطيبتي عليّ أن أشتري قبل الزفاف 100 غرام من الذهب، كمقدم للعروس، وكان سعر غرام الذهب عندما تقدمت للخطبة قبل عام، نحو 18 ألف ليرة (35 دولاراً)، أي يبلغ ثمن الـ100 غرام نحو مليون و800 ألف ليرة (نحو 3500 دولار)، أما اليوم فغرام الذهب بـ70 ألف ليرة (نحو 140 دولاراً)، أي أصبح المطلوب سبعة ملايين ليرة (نحو 14 ألف دولار)، وهذا المبلغ لا أعتقد أنّي قادر على جمعه في ظلّ الوضع الاقتصادي الحالي". يضيف: "حالياً، أحاول أن أقنع عمي بأن نسجل قيمة الـ100 غرام في المحكمة، وإلّا قد يؤجل الزواج لسنوات، فشراء الذهب أصبح حلماً بالنسبة لغالبية أفراد الشعب السوري". ويلفت إلى أنّ "الإقبال اليوم على الزواج ليس بالأمر اليسير، وكثير من الشباب تخلوا عن الفكرة بشكل نهائي، فليس الأمر متعلقاً فقط بكلفة الزواج بل أيضاً بتكاليف الحياة ما بعد الزواج، فأنا بعد الزواج، وإذا رزقني الله بطفل، أحتاج على الأقل لتأمين احتياجات المنزل الأساسية التي تقدر بنحو 300 ألف ليرة (نحو 600 دولار) شهرياً، وأنا حالياً أعمل في وظيفتين وبالكاد أحصل على 125 ألف ليرة (نحو 250 دولاراً)، فمن أين سأحصل على باقي احتياجاتي؟".
أما لجين بركة، فتعرب عن اعتقادها بأنّ الزواج لكي يكون ناجحاً يجب أن تتوفر له مقوماته المادية. تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزواج وتكوين عائلة هما حلم كلّ فتاة، لكن في المقابل يجب أن تكون لدى الشاب والفتاة القدرة على تأمين احتياجات المنزل والمعيشة اليومية، وإلا فليبقَ كلّ منهما في منزل عائلته أفضل من أن يشكلا مأساة جديدة". تضيف: "اليوم كلّ شيء مكلف، وقد تستغني الفتاة عن حفل زفاف كبير، لكن لا أتصور، إذا كنت سأتزوج، أن أتنازل عن فستان العرس أو مصفف الشعر أو التصوير، فهذه فرحة العمر، فأيّ حياة ستبدأها الفتاة إذا كانت بدايتها حرماناً وتقشفاً؟". تتابع أنّ كثيرات من صديقاتها أصبحت فكرة الزواج مستبعدة لديهن: "في الماضي، كانت الفتيات في معظمهن يرتبطن قبل أن يبلغن العشرين، إذا لم يكملن تعليمهن، ومن يكملن تعليمهن يتزوجن قبل بلوغ الـ25 عاماً، أما اليوم فتجده أمراً طبيعياً جداً أن تتزوج بعمر 30 عاماً".
بدوره، يقول فراس أبو محمود، وهو ناشط مجتمعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أكبر تحديات الزواج أمام شباب اليوم هو الوضع الاقتصادي المتردي، فالرواتب متدنية جداً، وهي لا تكفي الفرد كمصروف شخصي، ومن المستحيل أن يستطيع الموظف تكوين عائلة أو تجهيز منزل، فإيجار منزل متواضع في ضواحي دمشق العشوائية يعادل 50 ألف ليرة (نحو 100 دولار)". ويلفت إلى أنّ "هناك مبادرات محدودة لإقامة حفلات زواج جماعية، لكنّ عدد الشباب المستفيدين من هذه المبادرات يكاد لا يذكر، خصوصاً أنّ المشكلة الأكبر هي في أعقاب الزواج، إذ تزداد الالتزامات يوماً بعد آخر، خصوصاً أنّ تكاليف المعيشة ترتفع يشكل يومي".