19 نوفمبر 2023
السوري.. وتجذّر معاناته
أغلب المدن السورية دُمّرت أبنيتها وسوّيت بالأرض ولم ينفع معها الترميم، وبحاجة إلى هدمها وإزالتها وبنائها من جديد، وهذا ما يعني أنها بحاجة إلى مبالغ طائلة تتجاوز مئات المليارات من الدولارات للعودة بها إلى ما كانت عليه قبل اشتعال الثورة!
العدوان سلّط سيفه على أعناق أهلها البسطاء فقتل من قتل، وشرّد من شرد، وهاجر أكثريتهم إلى وجهات مختلفة! عدوان غريب، لم يبق ولم يذر. الناس اليوم لم يعد أغلبهم، ظلّ أكثرهم يعيش في بلاد النعيم، وغيرهم كثير في بلاد أخرى أكثر مأساويةً. ما الحل؟
وبعدما سيطر "داعش" بأفكاره الشيطانية، وحقده البغيض، وقتل الناس لأسباب تافهة، على بعض المدن، فرض سيطرته على أهلها بالقوّة، ومثالها الرّقَّة، دُحر أخيراً بفضل قوّات التحالف الدولي بقيادة الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة الأميركية، وبمساعدة (قوات سورية الديمقراطية) "قسد"، التي أعادت الكرّة في السيطرة على المدينة وعلى أهلها الذين لا حول لهم ولا قوّة.
الأهالي اليوم في حال يرثى لها. فقر مدقع، وحاجة لا بعدها ولا قبلها، وغياب للأمن والخدمات. سطو مسلح، ترهيب وخطف، فضلاً عن الغلاء الفاحش في أسعار المواد الاستهلاكية إلى حد الجنون رفقةً بارتفاع أسعار الدولار!
تغيرت ملامح مدينة الرَّقّة كليةً، وصار حالها مثل حال مدينة الموصل العراقية التي دمرت بشكل مخيف، كما تغيّرت ملامح الكثير من المدن السورية وقراها، ولم يعد بالإمكان معرفتها، أو الاستدلال على أي شيء يمكن أن يشير إلى أنَّ الرّقّة وغيرها كانت هنا، نتيجة الدمار الذي نال قسماً كبيراً منها! هذا الواقع المأساوي الذي لم يخلص منه أحد، من المستفيد منه؟
إنّ العودة إلى تذكُّر أيام النزوح القسرية الأولى، واستعادة صورها المخيفة، التي تمادت مفرداتها مع أصوات المدافع، وهدير طائرات سوخوي الحربية، وصواريخ سكود المرعبة، والبراميل المتفجّرة التي بدت تتساقط تباعاً على أسطحة الأبنية السكنية التي يقطنها مئات الآلاف من الناس الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة كانت تثير الرعب في قلوب أهلها البسطاء. الله وحده القادر على حمايتهم من وابل حمم الموت المباشرة، التي، ولمجرد أن تصطدم بالأبنية، تحوّلها إلى كتل من الركام، وخوف الأهالي الذين بدوا، بدون وعي منهم، كل واحد منهم صار يركض باتجاه، مذعورين، مذهولين... وأخذ كل واحد منهم مكانه في زاوية قصية من بيته باحثاً عن مخبأ يُحاول أن يصدّ عنه لهب النار، وأكوام الحجارة المتناثرة من الأبنية المشادة المتلاصقة بعضها ببعض، التي أخذت بالتصدّع والتساقط على رؤوس أصحابها!
وحدها أصوات الطائرات تُسمع ويسكن قلب المتدثّرين بالأغطية خوف مريب أصابهم في الصميم، ولم تعد البراميل المتفجّرة، التي ترمي بها الطائرات المروحية من ارتفاعات منخفضة مرئية للناظرين، تميّز بين الصغير أو الكبير، ولا الشيخ المسن من الطفل الرضيع!
وابل البارود لم يترك أحداً من شرّه، أو متنفساً لأحد لأن يختار الطريق الآمن في الهرب إلى حيث يريد، فضلاً عن الكتل البيتونية، وبقايا البناء الطائش هو الآخر الذي نسف كل شيء، وأحال كل ما هو جميل في نظرهم إلى شظايا محرقة! شرّها المستطير أحرق كل من وقف في وجهها، بل ساهمت في قتل الناس الأبرياء الضعفاء، بعد أن كانوا في مأمن من معيشتهم رغم الفقر المدقع الذي كانوا يعيشونه قبل الفتك الذي لحق بهم، وأحال سكنهم ومحالهم التجارية -مورد رزقهم الوحيد، الذي كانوا يتكسّبون منه قوت يومهم - إلى فاجعة فيها من الأسى ما يكفي!
من عاش الواقع، واستحمَّ بمائه في تلك الفترة، أدرك تماماً مرارة المعاناة، والحرب اللعينة التي طوّقت أعناق الأهالي، وأرغمتهم على ترك كل شيء والفرار بجلودهم، وحوّلت حياتهم البائسة إلى كآبة مطلقة مع انطلاق شرارتها، وقبل أن تأخذ الهجرة والهرب متنفساً لأغلب الناس الذين فرّوا بريشهم من خوف لم يدركوا بعد خطره بالنسبة إليهم، أخذ اليأس يتدارك خطورة ما يحدث، ولكن بدون فائدة ترتجى من كل ما حدث فأخذوا "يُلمْلِمُون" ما أمكن من أغراض، وأدوات منزلية بسيطة، عسى أن تساعدهم في خدمتهم في ملجأهم الجديد الذي فرض عليهم، واللحاق بركب المهاجرين وترك ممتلكاتهم وتعب وشقاء السنين، ما اضطرتهم ظروفهم القاسية ملزمين إلى الهروب حفاظاً على حياتهم، وخوفاً من تعرّضهم إلى أذى إن لم يكن إلى الموت الزؤام الذي كان يتربص بهم في كل لحظة وفي كل حين، في تلك الساعة أخذ الجيران كل منهم يدعو إخوانه إلى الرحيل والهروب الذي لا مفرّ منه... وهذا ما كان من صورة عشنا بداياتها واستمرت!
إلى أهلنا الصامدين في سورية نقول:
بوركتم. تحملتم وعلى مضض، الحال الأليم والقتل الممنهج، وقساوة العيش والفقر والفاقة والجوع والإهانة، ولا زلتم متشبّثين فيها كرمى لبقائكم في وطنكم والاستئناس به والموت على ثراه الطيّب، وفضل أغلبكم ذلك على الهرب والنزوح والذل والإهانة التي تعرّض لها من هُجّر واستبعد عن أهله وأرضه!
أهلنا.. بكم نكبر، وبكم نُباهي العالم بمدى حبكم للأرض وتشبثكم بها برغم المعاناة التي عانيتم والآلام التي تعرضتم لها، واستمريتم في العيش بها رغم أنف الجميع.
العدوان سلّط سيفه على أعناق أهلها البسطاء فقتل من قتل، وشرّد من شرد، وهاجر أكثريتهم إلى وجهات مختلفة! عدوان غريب، لم يبق ولم يذر. الناس اليوم لم يعد أغلبهم، ظلّ أكثرهم يعيش في بلاد النعيم، وغيرهم كثير في بلاد أخرى أكثر مأساويةً. ما الحل؟
وبعدما سيطر "داعش" بأفكاره الشيطانية، وحقده البغيض، وقتل الناس لأسباب تافهة، على بعض المدن، فرض سيطرته على أهلها بالقوّة، ومثالها الرّقَّة، دُحر أخيراً بفضل قوّات التحالف الدولي بقيادة الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة الأميركية، وبمساعدة (قوات سورية الديمقراطية) "قسد"، التي أعادت الكرّة في السيطرة على المدينة وعلى أهلها الذين لا حول لهم ولا قوّة.
الأهالي اليوم في حال يرثى لها. فقر مدقع، وحاجة لا بعدها ولا قبلها، وغياب للأمن والخدمات. سطو مسلح، ترهيب وخطف، فضلاً عن الغلاء الفاحش في أسعار المواد الاستهلاكية إلى حد الجنون رفقةً بارتفاع أسعار الدولار!
تغيرت ملامح مدينة الرَّقّة كليةً، وصار حالها مثل حال مدينة الموصل العراقية التي دمرت بشكل مخيف، كما تغيّرت ملامح الكثير من المدن السورية وقراها، ولم يعد بالإمكان معرفتها، أو الاستدلال على أي شيء يمكن أن يشير إلى أنَّ الرّقّة وغيرها كانت هنا، نتيجة الدمار الذي نال قسماً كبيراً منها! هذا الواقع المأساوي الذي لم يخلص منه أحد، من المستفيد منه؟
إنّ العودة إلى تذكُّر أيام النزوح القسرية الأولى، واستعادة صورها المخيفة، التي تمادت مفرداتها مع أصوات المدافع، وهدير طائرات سوخوي الحربية، وصواريخ سكود المرعبة، والبراميل المتفجّرة التي بدت تتساقط تباعاً على أسطحة الأبنية السكنية التي يقطنها مئات الآلاف من الناس الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة كانت تثير الرعب في قلوب أهلها البسطاء. الله وحده القادر على حمايتهم من وابل حمم الموت المباشرة، التي، ولمجرد أن تصطدم بالأبنية، تحوّلها إلى كتل من الركام، وخوف الأهالي الذين بدوا، بدون وعي منهم، كل واحد منهم صار يركض باتجاه، مذعورين، مذهولين... وأخذ كل واحد منهم مكانه في زاوية قصية من بيته باحثاً عن مخبأ يُحاول أن يصدّ عنه لهب النار، وأكوام الحجارة المتناثرة من الأبنية المشادة المتلاصقة بعضها ببعض، التي أخذت بالتصدّع والتساقط على رؤوس أصحابها!
وحدها أصوات الطائرات تُسمع ويسكن قلب المتدثّرين بالأغطية خوف مريب أصابهم في الصميم، ولم تعد البراميل المتفجّرة، التي ترمي بها الطائرات المروحية من ارتفاعات منخفضة مرئية للناظرين، تميّز بين الصغير أو الكبير، ولا الشيخ المسن من الطفل الرضيع!
وابل البارود لم يترك أحداً من شرّه، أو متنفساً لأحد لأن يختار الطريق الآمن في الهرب إلى حيث يريد، فضلاً عن الكتل البيتونية، وبقايا البناء الطائش هو الآخر الذي نسف كل شيء، وأحال كل ما هو جميل في نظرهم إلى شظايا محرقة! شرّها المستطير أحرق كل من وقف في وجهها، بل ساهمت في قتل الناس الأبرياء الضعفاء، بعد أن كانوا في مأمن من معيشتهم رغم الفقر المدقع الذي كانوا يعيشونه قبل الفتك الذي لحق بهم، وأحال سكنهم ومحالهم التجارية -مورد رزقهم الوحيد، الذي كانوا يتكسّبون منه قوت يومهم - إلى فاجعة فيها من الأسى ما يكفي!
من عاش الواقع، واستحمَّ بمائه في تلك الفترة، أدرك تماماً مرارة المعاناة، والحرب اللعينة التي طوّقت أعناق الأهالي، وأرغمتهم على ترك كل شيء والفرار بجلودهم، وحوّلت حياتهم البائسة إلى كآبة مطلقة مع انطلاق شرارتها، وقبل أن تأخذ الهجرة والهرب متنفساً لأغلب الناس الذين فرّوا بريشهم من خوف لم يدركوا بعد خطره بالنسبة إليهم، أخذ اليأس يتدارك خطورة ما يحدث، ولكن بدون فائدة ترتجى من كل ما حدث فأخذوا "يُلمْلِمُون" ما أمكن من أغراض، وأدوات منزلية بسيطة، عسى أن تساعدهم في خدمتهم في ملجأهم الجديد الذي فرض عليهم، واللحاق بركب المهاجرين وترك ممتلكاتهم وتعب وشقاء السنين، ما اضطرتهم ظروفهم القاسية ملزمين إلى الهروب حفاظاً على حياتهم، وخوفاً من تعرّضهم إلى أذى إن لم يكن إلى الموت الزؤام الذي كان يتربص بهم في كل لحظة وفي كل حين، في تلك الساعة أخذ الجيران كل منهم يدعو إخوانه إلى الرحيل والهروب الذي لا مفرّ منه... وهذا ما كان من صورة عشنا بداياتها واستمرت!
إلى أهلنا الصامدين في سورية نقول:
بوركتم. تحملتم وعلى مضض، الحال الأليم والقتل الممنهج، وقساوة العيش والفقر والفاقة والجوع والإهانة، ولا زلتم متشبّثين فيها كرمى لبقائكم في وطنكم والاستئناس به والموت على ثراه الطيّب، وفضل أغلبكم ذلك على الهرب والنزوح والذل والإهانة التي تعرّض لها من هُجّر واستبعد عن أهله وأرضه!
أهلنا.. بكم نكبر، وبكم نُباهي العالم بمدى حبكم للأرض وتشبثكم بها برغم المعاناة التي عانيتم والآلام التي تعرضتم لها، واستمريتم في العيش بها رغم أنف الجميع.