03 نوفمبر 2024
السياسة... الملعونة
ستكون حكومة الحبيب الصيد، يوم الثلاثين من شهر يوليو/ تموز الجاري، أول حكومةٍ في تونس يسحب الثقة منها برلمانٌ منتخب ديمقراطياً. كما ستكون لحظة التصويت مؤلمة للرجل، وهو الذي بذل أقصى ما يستطيع لإخراج البلاد من مأزقها الاقتصادي، لأنه يعلم أن الكتل البرلمانية لا تريده أن يستمرّ رئيساً للحكومة، ومع ذلك، يصر على الذهاب إلى الآخر، اعتقادا منه أن احترامه الدستور وحرصه على إنجاح الانتقال الديمقراطي يفرضان عليه أن يقبل بهذه النهاية غير السعيدة.
ربما كان الرجل محقاً عندما اعتبر أن إقدامه على ما وصفه أحد المختصين في القانون الدستوري "الانتحار السياسي" ترسيخا لتقاليد جديدة لهذه الديمقراطية الناشئة. فكما اكتسب شرعيته عن طريق البرلمان، يريد أن تنتهي مهامه بقرار من الأغلبية البرلمانية، حتى وإن كانت هذه الأغلبية انقلبت عليه، وقرّرت التخلي عنه. ولعله بهذه الطريقة يكون قد وضع الجميع أمام مسؤولياتهم. وعندما سيغادر الصيد قصر الحكومة، سيكون أحد أبرز ضحايا نظام الحكم الجديد الذي صاغته الطبقة السياسية وفق حساباتها المتضاربة، فرئيس الحكومة، مهما كانت درجة إخلاصه ونظافة يده وقدراته الشخصية، ومهما ارتفعت نسب الشعبية التي يتمتع بها، قد يصبح، في لحظةٍ ما، لا يساوي شيئاً إذا لم يكن مسنوداً بأغلبية حزبية في البرلمان.
ما يحزّ في نفس هذا الرجل الذي لا يحب السياسة، وليس صديقاً للسياسيين، أنه غير مقتنع بأنه فشل في مهمته، كما يزعم الذين قرّروا استبداله "من دون تقييم موضوعي لأدائه"، ومن دون مراعاة للسياق الصعب الذي تولى فيه هذه المسؤولية. ولهذا السبب، يقوم حاليا بحملة إعلامية للدفاع عن نفسه وسجله، وذلك بأن قلب الآية، وكشف عن ممارساتٍ صدمت الرأي العام. من ذلك حديثه عن الضغوط التي مارسها بعضهم من أجل دفعه إلى الاستقالة، والتي بلغت حد التهديد بالتنكيل به!. كما تحدّث عن أحزابٍ كانت تتدخّل من أجل أن تفرض عليه تعيين مسؤولين في مواقع حكومية، لكنه رفض الرضوخ لابتزازها. وأكّد، في أكثر من مناسبة، أنه لم يفشل، وأنه "لو كان رئيس حكومة فاشلا لقرّر الاستقالة من منصبه".
المؤكد أن انتهاء دور هذه الشخصية الإدارية التي دخلت حلبة السياسة من دون سابق إنذار، سيترك طعماً مالحاً في حلاقيم كثيرين. ومن أكثر المتضرّرين من ذلك الرئيس الباجي السبسي من جهة، وحزب نداء تونس من جهة ثانية، فالسبسي هو الذي اختار الحبيب الصيد، ودافع عنه كثيراً، لكنه لم يتوقع أن يعترض عندما سيطلب منه مغادرة سفينة الحكومة.
أما حزب النداء الذي لم يتجاوز أزمته الهيكلية، فيحاول، بفارغ الصبر، أن يتخلص من الصيد، بعد أن اضطر للدفاع عنه من دون أن يكون مقتنعاً به. فقادة هذا الحزب تغمرهم رغبة جارفة لممارسة السلطة، بحجة كونهم الحزب الفائز في الانتخابات. ولهذا السبب، يمارسون حالياً ضغوطا شديدة على رئيس الجمهورية، حتى يختار من بين كوادرهم من يتولى رئاسة الحكومة المقبلة، ويلتزم بتنفيذ اختياراتهم، ويوزع المناصب الأساسية على أعضائهم وأنصارهم، وهو ما رفض الصيد القيام به، حرصا منه على حماية استقلالية قراره.
سيختفي الصيد بعد أيام من المشهد السياسي، وسيتوجه إلى ضيعته التي اشتراها قبل توليه رئاسة الحكومة، عساها تبعده عن الأجواء الملوثة للطبقة السياسية. وسينشغل التونسيون في المقابل برئيس حكومة جديد، لن يعرفوا إمكاناته وقدراته الحقيقية إلا بعد حين، لكن الأهم هو عدم اقتناع الجميع بأن المرض الذي تعاني منه البلاد يتعلق برئيس حكومة سابق حكم عليه بالفشل، وأن الرئيس المقبل سيكون بمثابة "المنقذ من الضلال"؟.
على الرغم من أنها من الضرورات، إلا أن السياسة في مجتمعاتنا غالباً ما تبدأ بطموح مشروع، ووعود سخية، لكنها قد تنتهي في أجواء مفعمة بالخديعة والتنكّر.
ربما كان الرجل محقاً عندما اعتبر أن إقدامه على ما وصفه أحد المختصين في القانون الدستوري "الانتحار السياسي" ترسيخا لتقاليد جديدة لهذه الديمقراطية الناشئة. فكما اكتسب شرعيته عن طريق البرلمان، يريد أن تنتهي مهامه بقرار من الأغلبية البرلمانية، حتى وإن كانت هذه الأغلبية انقلبت عليه، وقرّرت التخلي عنه. ولعله بهذه الطريقة يكون قد وضع الجميع أمام مسؤولياتهم. وعندما سيغادر الصيد قصر الحكومة، سيكون أحد أبرز ضحايا نظام الحكم الجديد الذي صاغته الطبقة السياسية وفق حساباتها المتضاربة، فرئيس الحكومة، مهما كانت درجة إخلاصه ونظافة يده وقدراته الشخصية، ومهما ارتفعت نسب الشعبية التي يتمتع بها، قد يصبح، في لحظةٍ ما، لا يساوي شيئاً إذا لم يكن مسنوداً بأغلبية حزبية في البرلمان.
ما يحزّ في نفس هذا الرجل الذي لا يحب السياسة، وليس صديقاً للسياسيين، أنه غير مقتنع بأنه فشل في مهمته، كما يزعم الذين قرّروا استبداله "من دون تقييم موضوعي لأدائه"، ومن دون مراعاة للسياق الصعب الذي تولى فيه هذه المسؤولية. ولهذا السبب، يقوم حاليا بحملة إعلامية للدفاع عن نفسه وسجله، وذلك بأن قلب الآية، وكشف عن ممارساتٍ صدمت الرأي العام. من ذلك حديثه عن الضغوط التي مارسها بعضهم من أجل دفعه إلى الاستقالة، والتي بلغت حد التهديد بالتنكيل به!. كما تحدّث عن أحزابٍ كانت تتدخّل من أجل أن تفرض عليه تعيين مسؤولين في مواقع حكومية، لكنه رفض الرضوخ لابتزازها. وأكّد، في أكثر من مناسبة، أنه لم يفشل، وأنه "لو كان رئيس حكومة فاشلا لقرّر الاستقالة من منصبه".
المؤكد أن انتهاء دور هذه الشخصية الإدارية التي دخلت حلبة السياسة من دون سابق إنذار، سيترك طعماً مالحاً في حلاقيم كثيرين. ومن أكثر المتضرّرين من ذلك الرئيس الباجي السبسي من جهة، وحزب نداء تونس من جهة ثانية، فالسبسي هو الذي اختار الحبيب الصيد، ودافع عنه كثيراً، لكنه لم يتوقع أن يعترض عندما سيطلب منه مغادرة سفينة الحكومة.
أما حزب النداء الذي لم يتجاوز أزمته الهيكلية، فيحاول، بفارغ الصبر، أن يتخلص من الصيد، بعد أن اضطر للدفاع عنه من دون أن يكون مقتنعاً به. فقادة هذا الحزب تغمرهم رغبة جارفة لممارسة السلطة، بحجة كونهم الحزب الفائز في الانتخابات. ولهذا السبب، يمارسون حالياً ضغوطا شديدة على رئيس الجمهورية، حتى يختار من بين كوادرهم من يتولى رئاسة الحكومة المقبلة، ويلتزم بتنفيذ اختياراتهم، ويوزع المناصب الأساسية على أعضائهم وأنصارهم، وهو ما رفض الصيد القيام به، حرصا منه على حماية استقلالية قراره.
سيختفي الصيد بعد أيام من المشهد السياسي، وسيتوجه إلى ضيعته التي اشتراها قبل توليه رئاسة الحكومة، عساها تبعده عن الأجواء الملوثة للطبقة السياسية. وسينشغل التونسيون في المقابل برئيس حكومة جديد، لن يعرفوا إمكاناته وقدراته الحقيقية إلا بعد حين، لكن الأهم هو عدم اقتناع الجميع بأن المرض الذي تعاني منه البلاد يتعلق برئيس حكومة سابق حكم عليه بالفشل، وأن الرئيس المقبل سيكون بمثابة "المنقذ من الضلال"؟.
على الرغم من أنها من الضرورات، إلا أن السياسة في مجتمعاتنا غالباً ما تبدأ بطموح مشروع، ووعود سخية، لكنها قد تنتهي في أجواء مفعمة بالخديعة والتنكّر.