السيدة الفاضلة وثيابها الفاضحة

18 ابريل 2015

ازدحام مروري في أحد شوارع عمان (2 إبريل/2015/Getty)

+ الخط -

مسكينة، وحكايتها تدعو للرثاء، السيدة الأوروبية الثلاثينية الجميلة، العاثرة الحظ، المقيمة حديثا في عمان، التي توهمت أنها كانت محظوظة، حين جاءت وأفراد عائلتها الصغيرة في مغامرة صوب الشرق الأوسط، على الرغم من سمعته السيئة المخيفة في بلادها، حيث يسود الاعتقاد، هناك، بأننا شعوب متخلفة جاهلة غوغائية، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالمرأة. وصلت السيدة الفاضلة إلى البلاد، محتشدة بالخوف والهواجس والارتياب، للعمل بوظيفة مغرية كثيرة الامتيازات، في مدرسة أجنبية مخصصة لأولاد الذوات، في هذه المدينة العصرية الحيوية العريقة العتيقة المتنوعة الحداثية الشابة المترامية الأطراف. تملكها شعور بالألفة، منذ حطت أقدامها في قاعة القادمين، وأدهشها وأسعدها مبنى المطار العصري الفسيح الذي يبعث على التفاؤل. وتعزز إحساسها بالأمان والارتياح، بعد أن قضت شهرها الأول، وتجولت في أرجاء المدينة، وشاهدت، عن كثب وبأم عينها، مفردات الحالة المدنية المعاصرة في أرقى تجلياتها، من شوارع عريضة بمسارب عديدة وإشارات ضوئية وكاميرات مراقبة، ترصد، على مدار الساعة، المتهورين المخالفين قواعد المرور. إضافة إلى الوجود الحضاري الأنيق لرجال شرطة السير، العاملين بجد وحرفية واحترام، على ضبط حركة المرور في شوارع العاصمة المكتظة بشتى أنواع السيارات العالية، ذات الدفع الرباعي التي لا يتوفر، بمثل كثرتها، في أكبر عواصم الدنيا، يقودها رجال ونساء ينم مظهرهم عن حالة رخاء وراحة بال، كما زارت صاحبتنا المطاعم والفنادق الكبيرة من فئة النجوم الخمس، ولاحظت إن كثيرا من رواد تلك الأماكن يبزون أثرياء أهم عواصم الأزياء، من حيث خبرتهم الواسعة في مجال اقتناء أفخر الماركات العالمية، وارتداء آخر صرعات الموضة في الملابس والحقائب النسائية والساعات والمجوهرات، وغيرها من مفردات الأناقة، علاوة على حرصهم على امتلاك أحدث أنواع الموبايلات والكمبيوترات، وقدرتهم على مواكبة آخر المستجدات في هذا الحقل السريع التغير، علاوة على ظاهرة الأبراج المشيدة والمباني الشاهقة، الأنيقة التصميم والقصور الفخمة بحدائقها الباهرة، وكذلك المسارح والمراكز الثقافية ودور السينما المبنية وفق أحسن المواصفات العالمية.

كل تلك المظاهر والمشاهدات والتفاصيل غير الثانوية دفعت السيدة الأوروبية المطمئنة، ذات صباح عماني مشمس، إلى أن تتصرف وفق سجيتها، وبشكل عفوي تلقائي غير مدروس، فقررت الخروج لممارسة رياضة الجري، مثلما اعتادت أن تفعل في موطنها. جرى ذلك في واحدةٍ من مناطق عمان الغربية، وهي الجانب الأكثر رقياً وانفتاحاً، مرتدية ملابس رياضية عادية جداً، بحسب تكوينها الثقافي، غير أنها معيبة فاضحة خادشة للحياء العام، بالنسبة لكثيرين، ليتحول مشروعها الشديد العادية إلى حدث صادم صاعق، غزا مواقع التواصل الاجتماعي خلال ساعات، وتزاحم الحاضرون ممن تصادف وجودهم في تلك البقعة. أولاً، لغايات البصبصة، بكل دناءة نفس وابتذال، على ما تيسر من (اللحم المستورد)، الظاهر للعيان، باعتباره مشاعاً قابلا للنهب والانتهاك. وثانياً على التقاط صور للسيدة المذعورة، الغافلة عن فداحة ما ارتكبت يداها من تهديد للفضيلة والأخلاق العامة! تمهيدا لبث فضيحتها في فضاء الافتراض، وقد تسببت نزوتها الرياضية البريئة بإغلاق الدوار السابع، أكبر ميادين العاصمة في لحظات، حيث سقط دفعة واحدة القناع الزائف المخادع الهش المفتعل، وتجلت الحقيقة، بكامل مرارتها وقسوتها، وقد أوردت معظم المواقع الإلكترونية الخبر العاجل الخطير! (حول ظهور فتاة حسناء شقراء تمارس رياضة الركض بملابس فاضحة، الأمرالذي تسبب بتوقف مفاجئ، وأزمة سير خانقة على الدوار).

الجانب المشرق في الحكاية أن أزمة السير الخانقة حلت بعد دقائق، ومضى كل في طريقه، غير أن أزمتنا الأخلاقية والحضارية ما زالت عالقة عصية على الحل.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.