تحوّلت علاقة نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رجال الأعمال المصريين، الذين ساندوه قبل عامين للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، من حالة "وحدة المسار" إلى حالة "اللا حرب واللا سلم"، بعدما تغيّرت الأوضاع السياسية في البلاد، وتأكد رجال الأعمال الذين تكبّدوا أثماناً باهظة لعزل "الإخوان المسلمين"، من أن "السيسي ليس هو الشخص المناسب لسداد فواتير ما دفعوه في 30 يونيو/حزيران 2013".
شكّل رجال الأعمال، تحديداً فلول نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك وأصحاب القنوات الفضائية، المحرّك الرئيسي للتظاهرات ضد الإخوان في 30 يونيو وتعظيم صورتها وتأثيرها إعلامياً، لا سيما أن كلاً منهم كانت تربطه علاقات سيئة بـ"الإخوان" حين كانت في الحكم.
نجيب ساويرس مالك قناة "أون تي في" وشركة "موبينيل لخدمات الجوال" و"أوراسكوم للإنشاء" بدا نموذجاً صارخاً على العلاقة غير المستقرة بين رجال الأعمال ونظام السيسي. وقد عانى ساويرس خلال حكم "الإخوان"، من إعادة فتح ملفات تهربه الضريبي ومخالفته لقوانين البورصة وغيرها من المشاكل المالية التي أثيرت ضده، فغادر إثرها البلاد، قبل أن يعرض مبلغاً ضخماً للتصالح في بعض هذه القضايا.
شعر ساويرس بحاسّة المستثمر أن الأوضاع التي استطاع فيها تكوين ثروته القائمة في عهد مبارك ذاهبة بدون رجعة، كما أن انخراطه في السياسة على رأس أكبر حزب مدعوم من الكنيسة الأرثوذكسية، ويضم الأقباط المصريين وهو حزب "المصريين الأحرار"، شكّل نقطة خلافية أخرى بينه وبين "الإخوان". ومعروف عن "المصريين الأحرار" قوته المالية، وامتلاكه شخصيات مؤثرة قادرة على حشد وجذب الأصوات القبطية في محافظات الصعيد.
اقرأ أيضاً: تكلفة عدم الاستقرار في مصر
وكما كان متوقعاً، ساهمت فضائية ساويرس في التمهيد لتظاهرات 30 يونيو وتضخيم تأثيرها، ثم التمهيد لقرارات 3 يوليو/تموز 2013، ومن بينها عزل مرسي وتعطيل العمل بالدستور، ثم حلّ مجلس الشورى المنتخب. وعلى الرغم هذه الخدمات، فاجأ السيسي ساويرس، فيما بعد بمطالبته بالمزيد، خصوصاً بعدما أغلقت النيابة العامة ملف مخالفاته الضريبية نهائياً.
تعامل السيسي مع ساويرس، وغيره من رجال الأعمال، على عكس ما توقع، فبينما كان الأخير يتمنى أن تعود عقارب الساعة إلى ما قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 على صعيد تأمين الاستثمارات، بنى السيسي خطة دعم نظامه اقتصادياً بجلب الأموال من دول الخليج أولاً، ومن رجال الأعمال الداعمين لانقلابه على "الإخوان". وأنشأ في هذا الصدد صناديق مالية عدة، مثل صندوق "30/6" وصندوق "تحيا مصر"، الذي عُيّن ساويرس عضواً بمجلس أمنائه، تشجيعاً له على المساهمة فيه.
ومنذ الاجتماع الأول له مع رجال الأعمال بعد توليه رئاسة الجمهورية، حتى حفل الإفطار الأخير الذي حضره معهم السبت الماضي، لم يملّ السيسي من مطالبة ساويرس تحديداً بإغداق الأموال على الصناديق التي أسسها، "دعماً للاقتصاد الوطني"، وفي كل مرة يردّ ساويرس على هذه المطالبات بصورة غير مباشرة، بانتقاد فكرة جمع الأموال من رجال الأعمال، في ظل معارضته من الأساس لتحكم الجيش في شتى مجالات الاقتصاد والاستثمار.
وباعتباره أحد مالكي عملاق المقاولات "أوراسكوم"، تُعتبر "الهيئة الهندسية" للجيش وشركاتها الباطنية، منافساً بارزاً لساويرس وغيره من المقاولين، إذ أُسندت إليها وبأوامر مباشرة، أكبر عمليات الإنشاء في مصر بعد 30 يونيو. ما جعل ساويرس دائم التشكيك في نجاعة الخطط الاقتصادية التي تضعها القوات المسلحة، وآخرها مشروع تنمية قناة السويس، وأعلن صراحة أنه "يشك في أن الدراسات اللازمة أُجريت لتحديد أشكال الاستثمار المناسبة له".
علاقة السيسي بساويرس أيضاً لها بعد سياسي مهم، فرجل الأعمال، أحد الأشخاص القليلين القادرين على دعم المرشحين البرلمانيين على الأرض وتوجيه بوصلتهم، وهذا لا يروق للسيسي باعتباره امتداداً طبيعياً للدولة العميقة المصرية بجهاتها الأمنية والاستخباراتية التي طالما رصدت علاقة ساويرس بدول أخرى على رأسها الولايات المتحدة، وشككت مراراً في تقاريرها السرية في وطنيته وإخلاصه للدولة المصرية. كما أبدت تخوّفها من تشكيل ساويرس نواة صلبة داخل البرلمان قد تصبح قوة ممانعة لقرارات السيسي الأمنية والاقتصادية.
النموذج الثاني البارز هو رجل الأعمال محمد الأمين، صاحب فضائيات "سي بي سي" وصحيفة "الوطن" اليومية، وعلى عكس ساويرس، فإن الأمين الذي عينه السيسي أيضاً في مجلس أمناء صندوق "تحيا مصر" ليس صاحب تاريخ اقتصادي، بل هو نموذج صارخ لطبقة رؤوس الأموال التي تمثل امتداداً لرجال أعمال خليجيين (وربما جهات رسمية خليجية). والمعروف عن الأمين، أنه أمضى معظم حياته في الكويت، ولم يغادرها خلال الغزو العراقي فارتفعت أسهمه لدى السلطة الحاكمة هناك.
وعاد الأمين مجهولاً إلى مصر ليؤسس أكبر مجموعة قنوات فضائية في تاريخ البلاد، وربما الأضخم على الصعيد الخاص في المنطقة العربية. وحاول في البداية مجاراة ثورة يناير بجذب بعض رموزها لتقديم برامج بها، ثم طردهم جميعاً بصور مختلفة، لتصبح قنواته هي اللسان الرسمي لقوى الثورة المضادة وفلول نظام مبارك، مستعينة بمقدمي برامج معروفين بتاريخهم في معاداة الثورة وفنيين وإداريين من قيادات ماسبيرو المقربين لرجل الإعلام الأول في عصر مبارك-صفوت الشريف.
ويعتبر إعلام محمد الأمين، المساند الأول لتظاهرات 30 يونيو، وكان الأقرب والأسرع في الحديث بلسان القوى المتحالفة للإطاحة بحكم الإخوان، ولا غرابة في ذلك، لأن الأمين صدرت بحقه قرارات قضائية بالمنع من السفر قبل 30 يونيو بأيام معدودة، وذكره مرسي في آخر خطاب جماهيري بالاسم باعتباره من قوى الثورة المضادة، فكانت أهدافه متلاقية تماماً مع السيسي.
يطالب السيسي الأمين أيضاً بالمزيد، فلم تخل علاقتهما من توتر على خلفية صراع بين شخصيات داخل النظام ظهر كمواد صحفية في "الوطن" التي يرأس تحريرها مجدي الجلاد، فاستبعد السيسي الأمين من زيارة خارجية واحدة، لكنه ما لبث أن استعان به مرة أخرى في زيارة ألمانيا.
النموذج الثالث لرجال الأعمال هو محمد أبو العينين، صاحب شركة السيراميك الشهيرة "كليوباترا" وقنوات وموقع "صدى البلد"، الرجل الذي ظهر بنفسه في قناته ليحتفل بالإطاحة بحكم "الإخوان" بعد عام من محاولاته المستميتة للتودد إليهم.
أبو العينين هو أحد رموز نظام مبارك بلا جدال، وكان أحد أكبر الداعمين مالياً للحزب الوطني ودخل البرلمان باسمه ممثلاً لدائرة الجيزة، وهو صاحب القناة التي اختارها مبارك ليتحدث من خلالها بعد غياب طويل، فهي القناة التي تجمع إعلاميين من طراز أحمد موسى ومصطفى بكري وحمدي رزق.
في عهد "الإخوان" فتحت النيابة العامة ملفات فساد أبو العينين في مجالي الأراضي والتهرب من الضرائب، وهو ما أثار حفيظته فاشترك في الإطاحة بمرسي، إلا أنه صدم فيما بعد بأن السيسي يتلافى ويتحاشى التواجد معه في أي مكان بالداخل أو الخارج، فهو يمثل في رأيه عودة لرجال كمال الشاذلي وأحمد عز، وهو صنف من قيادات الوطني يستفز مشاعر السيسي وغيره من قيادات الجيش، باعتبارهم من أفسدوا نظام مبارك.
رجال أعمال آخرون على ذات الشاكلة مثل محمد فريد خميس، حسن راتب، وليد مصطفى وخاله ممدوح إسماعيل، وأحمد بهجت، جميعهم يستغلون ما تيسر لهم من وسائل الإعلام من صحف وقنوات فضائية لتقديم مزيد من القرابين بغية الحصول على الحماية من السيسي والتقرب منه.
اقرأ أيضاً: مجزرتا سيناء وأكتوبر تشعلان حرباً إلكترونية بين المصريين
شكّل رجال الأعمال، تحديداً فلول نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك وأصحاب القنوات الفضائية، المحرّك الرئيسي للتظاهرات ضد الإخوان في 30 يونيو وتعظيم صورتها وتأثيرها إعلامياً، لا سيما أن كلاً منهم كانت تربطه علاقات سيئة بـ"الإخوان" حين كانت في الحكم.
شعر ساويرس بحاسّة المستثمر أن الأوضاع التي استطاع فيها تكوين ثروته القائمة في عهد مبارك ذاهبة بدون رجعة، كما أن انخراطه في السياسة على رأس أكبر حزب مدعوم من الكنيسة الأرثوذكسية، ويضم الأقباط المصريين وهو حزب "المصريين الأحرار"، شكّل نقطة خلافية أخرى بينه وبين "الإخوان". ومعروف عن "المصريين الأحرار" قوته المالية، وامتلاكه شخصيات مؤثرة قادرة على حشد وجذب الأصوات القبطية في محافظات الصعيد.
اقرأ أيضاً: تكلفة عدم الاستقرار في مصر
وكما كان متوقعاً، ساهمت فضائية ساويرس في التمهيد لتظاهرات 30 يونيو وتضخيم تأثيرها، ثم التمهيد لقرارات 3 يوليو/تموز 2013، ومن بينها عزل مرسي وتعطيل العمل بالدستور، ثم حلّ مجلس الشورى المنتخب. وعلى الرغم هذه الخدمات، فاجأ السيسي ساويرس، فيما بعد بمطالبته بالمزيد، خصوصاً بعدما أغلقت النيابة العامة ملف مخالفاته الضريبية نهائياً.
تعامل السيسي مع ساويرس، وغيره من رجال الأعمال، على عكس ما توقع، فبينما كان الأخير يتمنى أن تعود عقارب الساعة إلى ما قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 على صعيد تأمين الاستثمارات، بنى السيسي خطة دعم نظامه اقتصادياً بجلب الأموال من دول الخليج أولاً، ومن رجال الأعمال الداعمين لانقلابه على "الإخوان". وأنشأ في هذا الصدد صناديق مالية عدة، مثل صندوق "30/6" وصندوق "تحيا مصر"، الذي عُيّن ساويرس عضواً بمجلس أمنائه، تشجيعاً له على المساهمة فيه.
ومنذ الاجتماع الأول له مع رجال الأعمال بعد توليه رئاسة الجمهورية، حتى حفل الإفطار الأخير الذي حضره معهم السبت الماضي، لم يملّ السيسي من مطالبة ساويرس تحديداً بإغداق الأموال على الصناديق التي أسسها، "دعماً للاقتصاد الوطني"، وفي كل مرة يردّ ساويرس على هذه المطالبات بصورة غير مباشرة، بانتقاد فكرة جمع الأموال من رجال الأعمال، في ظل معارضته من الأساس لتحكم الجيش في شتى مجالات الاقتصاد والاستثمار.
وباعتباره أحد مالكي عملاق المقاولات "أوراسكوم"، تُعتبر "الهيئة الهندسية" للجيش وشركاتها الباطنية، منافساً بارزاً لساويرس وغيره من المقاولين، إذ أُسندت إليها وبأوامر مباشرة، أكبر عمليات الإنشاء في مصر بعد 30 يونيو. ما جعل ساويرس دائم التشكيك في نجاعة الخطط الاقتصادية التي تضعها القوات المسلحة، وآخرها مشروع تنمية قناة السويس، وأعلن صراحة أنه "يشك في أن الدراسات اللازمة أُجريت لتحديد أشكال الاستثمار المناسبة له".
النموذج الثاني البارز هو رجل الأعمال محمد الأمين، صاحب فضائيات "سي بي سي" وصحيفة "الوطن" اليومية، وعلى عكس ساويرس، فإن الأمين الذي عينه السيسي أيضاً في مجلس أمناء صندوق "تحيا مصر" ليس صاحب تاريخ اقتصادي، بل هو نموذج صارخ لطبقة رؤوس الأموال التي تمثل امتداداً لرجال أعمال خليجيين (وربما جهات رسمية خليجية). والمعروف عن الأمين، أنه أمضى معظم حياته في الكويت، ولم يغادرها خلال الغزو العراقي فارتفعت أسهمه لدى السلطة الحاكمة هناك.
وعاد الأمين مجهولاً إلى مصر ليؤسس أكبر مجموعة قنوات فضائية في تاريخ البلاد، وربما الأضخم على الصعيد الخاص في المنطقة العربية. وحاول في البداية مجاراة ثورة يناير بجذب بعض رموزها لتقديم برامج بها، ثم طردهم جميعاً بصور مختلفة، لتصبح قنواته هي اللسان الرسمي لقوى الثورة المضادة وفلول نظام مبارك، مستعينة بمقدمي برامج معروفين بتاريخهم في معاداة الثورة وفنيين وإداريين من قيادات ماسبيرو المقربين لرجل الإعلام الأول في عصر مبارك-صفوت الشريف.
ويعتبر إعلام محمد الأمين، المساند الأول لتظاهرات 30 يونيو، وكان الأقرب والأسرع في الحديث بلسان القوى المتحالفة للإطاحة بحكم الإخوان، ولا غرابة في ذلك، لأن الأمين صدرت بحقه قرارات قضائية بالمنع من السفر قبل 30 يونيو بأيام معدودة، وذكره مرسي في آخر خطاب جماهيري بالاسم باعتباره من قوى الثورة المضادة، فكانت أهدافه متلاقية تماماً مع السيسي.
يطالب السيسي الأمين أيضاً بالمزيد، فلم تخل علاقتهما من توتر على خلفية صراع بين شخصيات داخل النظام ظهر كمواد صحفية في "الوطن" التي يرأس تحريرها مجدي الجلاد، فاستبعد السيسي الأمين من زيارة خارجية واحدة، لكنه ما لبث أن استعان به مرة أخرى في زيارة ألمانيا.
أبو العينين هو أحد رموز نظام مبارك بلا جدال، وكان أحد أكبر الداعمين مالياً للحزب الوطني ودخل البرلمان باسمه ممثلاً لدائرة الجيزة، وهو صاحب القناة التي اختارها مبارك ليتحدث من خلالها بعد غياب طويل، فهي القناة التي تجمع إعلاميين من طراز أحمد موسى ومصطفى بكري وحمدي رزق.
في عهد "الإخوان" فتحت النيابة العامة ملفات فساد أبو العينين في مجالي الأراضي والتهرب من الضرائب، وهو ما أثار حفيظته فاشترك في الإطاحة بمرسي، إلا أنه صدم فيما بعد بأن السيسي يتلافى ويتحاشى التواجد معه في أي مكان بالداخل أو الخارج، فهو يمثل في رأيه عودة لرجال كمال الشاذلي وأحمد عز، وهو صنف من قيادات الوطني يستفز مشاعر السيسي وغيره من قيادات الجيش، باعتبارهم من أفسدوا نظام مبارك.
رجال أعمال آخرون على ذات الشاكلة مثل محمد فريد خميس، حسن راتب، وليد مصطفى وخاله ممدوح إسماعيل، وأحمد بهجت، جميعهم يستغلون ما تيسر لهم من وسائل الإعلام من صحف وقنوات فضائية لتقديم مزيد من القرابين بغية الحصول على الحماية من السيسي والتقرب منه.
اقرأ أيضاً: مجزرتا سيناء وأكتوبر تشعلان حرباً إلكترونية بين المصريين