خلال ساعات ما قبل ظهر اليوم، خرج مصباح من منزله، بعد أن ودّع عائلته وأبناءه الخمسة لتنفيذ القرار وتنفيذ حكم بالسجن، كما كان الكل يعتقد، لكن صلابته تركت بصمته غير المتوقعة، فاختار أبو صبيح طريقا آخر آثر فيه ألا يسلم نفسه بنفسه لسلطات الاحتلال، فاستقل سيارته إلى وجهة اختارها لنفسه، حيث محطة القطار الخفيف في حي الشيخ جراح شمالي القدس المحتلة، وما إن اقترب منها حتى شرع في إطلاق الرصاص على من تواجد فيها، فأصاب ثلاثة من المتوقفين فيها بجروح، وُصفت جراح اثنين بالبالغة.
بعد ذلك، بدأت دورية تابعة لوحدة "يسام" الإسرائيلية الخاصة بمطاردة مصباح، فأطلق مصباح النار على اثنين من الوحدة فأصابهما بجراح بالغة، بينما أصيب آخران من أفراد الوحدة برصاص قوة من الشرطة اشتركت في المطاردة، وأُطلقت عشرات الرصاصات على السيارة حيث كان أبو صبيح حياً، وهناك وفي داخل سيارته ارتقى شهيداً، قبل أن يُخرج جنود الاحتلال جثته بالقوة ويلقونها أرضاً.
بالنسبة للشهيد، فمن عرفه كان يدرك أنه صاحب مراس صعب، وأن معاركه مع الاحتلال لم تبدأ اليوم، بل هي ممتدة لسنوات طويلة بدأت باستشهاد ابن خاله مجدي أبو صبيح في مجزرة الأقصى الأولى في عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ توالت اعتقالاته من قبل الاحتلال، وتصاعدت في السنتين الأخيرتين مع تصاعد الاقتحامات للمسجد الأقصى والاعتداء على المرابطات والمرابطين.
في كل مواجهات الأقصى كان مصباح حاضراً، تعرّض خلالها للإصابة والضرب، والاعتقال ثم الإبعاد عن المسجد الأقصى وعن القدس لفترات متفاوتة، وكان له نصيب من السجن أكثر من مرة، كما يقول أمجد أبو عصب، من لجنة أهالي أسرى القدس.
ووفقاً لأبي عصب، فقد اعتقل الشهيد مصباح في الأسبوع الأخير أربع مرات، وفي كل مرة كانت توجه له التهديدات والإهانات، وكان يُنكل به، وبلغت الأمور ذروتها حين اعتدى عليه أحد عناصر وحدة "يسام"، فتعاركا، فاعتُقل مصباح على إثر ذلك ووُجهت له تهمة ضرب رجل شرطة، وحوكم على ذلك، فصدر بحقه قرار بالسجن أربعة أشهر، كان من المقرر أن يبدأ تنفيذها اليوم.
مصباح سار إلى طريق آخر اختاره، وكان في حديثه لا يُخفي غضبه مما يتعرض له أبناء مدينته من قتل وقمع، ومساس بالمقدسات، من خلال تدنيس جنود الاحتلال والمستوطنين اليومي للأقصى، ومع ذلك كان عازماً على تسليم نفسه ليمضي فترة الحكم التي فُرضت عليه ظلماً، كما يقول.
للشهيد خمسة من الأبناء والبنات، ويقطن بلدة سلوان جنوب الأقصى. وكما يقول ناصر قوس، مدير نادي الأسير في القدس، لـ"العربي الجديد": "لم نتوقع ذلك رغم ما تعرّض له الشهيد وأفراد عائلته من تنكيل الاحتلال واستهدافه لهذه العائلة المناضلة التي قدمت الشهداء في مجزرة الأقصى الأولى، وقدمت الأسرى والجرحى".
قوات الاحتلال اعتقلت قوس بعد ساعات قليلة من استشهاد مصباح، واعتُقل اثنان من أقرباء الشهيد من داخل الأقصى هما: معمر ونبيه، وقبل ذلك جرى اقتحام محل لشقيق الشهيد، يُدعى تيسير، وتم اعتقاله أيضا.
فور الإعلان عن استشهاد مصباح، واصل الاحتلال استهداف العائلة، فاقتحم منزل الشهيد الآخر في بلدة الرام شمالي القدس، وسط انتشار كثيف في محيطه وتخريب محتوياته، ثم قامت قوات الاحتلال على الفور بإغلاقه، بينما اندلعت مواجهات عنيفة في البلدة التي نادت مكبراتها معلنة استشهاد "أسد القدس"، كما وصفه المنادون، ووسط حالة من الغضب عمت القدس ببلدتها القديمة التي أعلنت الحداد والإضراب، وأغلق ناشطون المحال التجارية في شارعي صلاح الدين والسلطان سليمان وسط صيحات الغضب.
أما أحد شهود العيان، في مكان استشهاد أبو صبيح، ويُدعى عمران داري، فقد روى لـ"العربي الجديد" ما شاهده من إطلاق عشرات الرصاص على سيارة الشهيد، رغم توقفها، وأكد أن إصابة اثنين من وحدة "يسام" كانت من رصاص زملائهم، فيما أصيب ثالث من هؤلاء برصاص الشهيد.
بالنسبة للعائلة نفسها، فلم يتسن لـ"العربي الجديد"، الحديث مع أفرادها بتفاصيل أكثر عن الشهيد، لكن قريباً للشهيد كان في ذات مكان استشهاده، أكد لـ"العربي الجديد"، أن مصباح هو صاحب السيارة البيضاء من نوع تويوتا، وهو الشهيد الملقى على الأرض من دون أن تُقدم له الإسعافات، ورفض الإدلاء بتفاصيل مع تقدّم مخابرات وشرطة الاحتلال نحو جمع من المواطنين الفلسطينيين الذين احتشدوا في المكان.