19 أكتوبر 2019
الصين وروسيا في إستراتيجية أميركا
بنت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سياستها على انتقاد الإدارات السابقة، فجاءت إستراتجيتها للأمن القومي مناقضةً لإستراتيجية إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما. فهي تعبير صارخ عن التوجه الآحادي الرافض للعمل متعدّد الأطراف، وعن التجاهل التام لمسألة البيئة (وصلتها بالشأن الاقتصادي)، على الرغم من الحديث عن الازدهار. وبما أن لسان حال إداراة ترامب "أميركا أولاً"، فلا غرابة أن تُبنى إستراتيجيتها للأمن القومي على مبادئ مستلهمة من الفكر الواقعي الأميركي، ولعل أبرزها: الصراع من أجل القوة ثابت تاريخيا؛ تصور النظام الدولي بنية فوضوية، تتكون من قوى معادية للولايات المتحدة. والقوة هي عماد هذه الإستراتيجية، فهي تستهل ركيزتها الثالثة، والمعنونة "الحفاظ على السلام من خلال القوة"، بهذا المبدأ الأول (الصراع من أجل القوة). وتحدّد هذه الإستراتيجية التهديدات المحدقة بالأمن الأميركي، بما فيه الاقتصادي، في ثلاث فئات: القوى المنافسة، وينظر إليها على أنها عدائية بطبيعتها؛ الدول المارقة (كوريا الشمالية وإيران)؛ الفواعل اللادولتية العابرة للأوطان (داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات الجهادية).
وبما أن الفئتين، الثانية والثالثة، لا ترقيان إلى مصاف التهديد الإستراتيجي، على الرغم من امتلاك كوريا الشمالية السلاح النووي والصواريخ البالستية، فإن هذه الإستراتيجية بحاجةٍ إلى منافسين من هذا المصاف. إذ لا يعقل أن تبنى إستراتيجية الأمن القومي للقوة الأولى في العالم على أساس تهديداتٍ من الدرجة الدنيا. وهذا ما يفسّر التوصيف العدائي للصين وروسيا في هذه الوثيقة. وجاء في هذه الأخيرة أن الولايات المتحدة عازمةٌ على التصدّي للمنافسة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تواجهها عبر العالم، والقادمة تحديداً من الصين وروسيا. فالوثيقة تعتبرهما تحدّياً لقوة أميركا ونفوذها ومصالحها، وتتهمهما بمحاولة إجهاض أمن أميركا وازدهارها، وتقويضهما، وبعزمهما على الحد من حرية الاقتصاديات، وعلى الرفع من قدراتهما العسكرية، وعلى التحكم في المعلومات وقمع مجتمعيهما وتوسيع نفوذهما. هناك خلط في هذه الجملة بين المعايير المادية والأخلاقية (قمع المجتمعين الصين والروسي)، لكن المهم جزؤها الأول، لأنه يخص القوة. والملاحظ هنا أن أميركا تريد الحفاظ على قوتها، وتعيب على غيرها السعي إلى القوة.
ترى الوثيقة أن هذه المنافسة "تقتضي من أميركا أن تعيد التفكير في سياسياتها للعقدين الأخيرين (نقد واضح لإدارتي أوباما وبوش الابن)، سياسات مبنية على افتراضٍ مفاده بأن العمل مع المنافسين، وإدماجهم في المؤسسات الدولية والتجارة العالمية، سيحولهم إلى فواعل غير معادية وجديرة بالثقة"، وهذا ما لم يحدث. وتضيف قائلة إن "الفواعل المنافسة تستخدم الدعاية ووسائل أخرى لضرب مصداقية الديمقراطية، وتطرح وجهات نظر معادية للغرب، وتنشر معلومات خاطئة لإيجاد الانقسام بيننا نحن وحلفائنا وشركائنا".
تعتبر الوثيقة أن القوة الأميركية تبقى الأولى في العالم، لكنها تحذّر من صعود القوى الأخرى (الصين وروسيا)، وتؤكد على أن المهمة الأساسية هي الحفاظ على التفوق العسكري لأميركا وعلى ازدهارها الاقتصادي. وحاولت الوثيقة التخفيف، بعض الشيء، من نبرتها العدائية حيال الصين وروسيا، بالقول إن "المنافسة لا تعني دائماً العداء، كما لا تعني أنها تقود لا محال إلى الصراع. ومع ذلك، لا أحد يشك في التزامنا الدفاع عن مصالحنا". والمهم في هذه الجملة شقها الثاني.
تتهم الوثيقة الصين وروسيا برفضهما مكانة أميركا الجيوسياسية "وبمحاولتهما تغيير النظام الدولي لصالحهما". كما تعيب عليهما استثماراتهما في القدرات العسكرية. وتقول إن الصين استفادت من النفاذ إلى التكنولوجيا الأميركية، لبناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وتعيب على روسيا اعتبارها الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي تهديداً لها، وافتعالها الانقسامات بين أميركا وحلفائها. كما تعتبر الأسلحة النووية الروسية "أهم تهديد وجودي للولايات المتحدة".
أثار ما جاء في إستراتيجية الأمن القومي الأميركية ردود فعل سريعة وواضحة من الصين وروسيا، فالأولى طلبت من أميركا "أن تتوقف عن التشويه العمدي لنوايا الصين الإستراتيجية، وأن تتخلى عن تصوراتها التي تجاوزها الزمن، كما عن عقلية الحرب الباردة". أما روسيا فرفضت اعتبارها تهديداً لأمن أميركا.
يعود التركيز الأميركي على الصين وروسيا إلى قوتهما واحتمالات منافستهما (لاسيما الصين) للقوة الأميركية مستقبلاً. لكن إلى حد الساعة، فإن الصين، المرشح الوحيد للعب دور القوة الموازنة للقوة الأميركية، لم تبدأ (بعد) في تخصيص جزء كبير من مواردها لبناء قوة عسكرية قادرة على منافسة قوة الولايات المتحدة. قد يتغير الأمر في السنوات المقبلة. لكن حتى إذا قرّرت الصين مستقبلاً موازنة القوة الأميركية، فإنها ستكون بحاجةٍ إلى عقود، ولاستثمارات ضخمة في القوة العسكرية، شريطة أن تحتفظ على وتيرة نموها الاقتصادي مرتفعة.
الحقيقة أن التركيز بشكل عدائي على الصين وروسيا لن يخفي مشكلات أميركا، والمتمثلة أساساً في سياسة إدارة ترامب التي تكاد توحد العالم ضدها وتعزلها، وفي تحولات القوة العالمية مع تعدّد مراكز القوة دولياً بفعل العولمة، وصعوبة تحويل المكاسب العسكرية إلى مكاسب اقتصادية والعكس.
وبما أن الفئتين، الثانية والثالثة، لا ترقيان إلى مصاف التهديد الإستراتيجي، على الرغم من امتلاك كوريا الشمالية السلاح النووي والصواريخ البالستية، فإن هذه الإستراتيجية بحاجةٍ إلى منافسين من هذا المصاف. إذ لا يعقل أن تبنى إستراتيجية الأمن القومي للقوة الأولى في العالم على أساس تهديداتٍ من الدرجة الدنيا. وهذا ما يفسّر التوصيف العدائي للصين وروسيا في هذه الوثيقة. وجاء في هذه الأخيرة أن الولايات المتحدة عازمةٌ على التصدّي للمنافسة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تواجهها عبر العالم، والقادمة تحديداً من الصين وروسيا. فالوثيقة تعتبرهما تحدّياً لقوة أميركا ونفوذها ومصالحها، وتتهمهما بمحاولة إجهاض أمن أميركا وازدهارها، وتقويضهما، وبعزمهما على الحد من حرية الاقتصاديات، وعلى الرفع من قدراتهما العسكرية، وعلى التحكم في المعلومات وقمع مجتمعيهما وتوسيع نفوذهما. هناك خلط في هذه الجملة بين المعايير المادية والأخلاقية (قمع المجتمعين الصين والروسي)، لكن المهم جزؤها الأول، لأنه يخص القوة. والملاحظ هنا أن أميركا تريد الحفاظ على قوتها، وتعيب على غيرها السعي إلى القوة.
ترى الوثيقة أن هذه المنافسة "تقتضي من أميركا أن تعيد التفكير في سياسياتها للعقدين الأخيرين (نقد واضح لإدارتي أوباما وبوش الابن)، سياسات مبنية على افتراضٍ مفاده بأن العمل مع المنافسين، وإدماجهم في المؤسسات الدولية والتجارة العالمية، سيحولهم إلى فواعل غير معادية وجديرة بالثقة"، وهذا ما لم يحدث. وتضيف قائلة إن "الفواعل المنافسة تستخدم الدعاية ووسائل أخرى لضرب مصداقية الديمقراطية، وتطرح وجهات نظر معادية للغرب، وتنشر معلومات خاطئة لإيجاد الانقسام بيننا نحن وحلفائنا وشركائنا".
تعتبر الوثيقة أن القوة الأميركية تبقى الأولى في العالم، لكنها تحذّر من صعود القوى الأخرى (الصين وروسيا)، وتؤكد على أن المهمة الأساسية هي الحفاظ على التفوق العسكري لأميركا وعلى ازدهارها الاقتصادي. وحاولت الوثيقة التخفيف، بعض الشيء، من نبرتها العدائية حيال الصين وروسيا، بالقول إن "المنافسة لا تعني دائماً العداء، كما لا تعني أنها تقود لا محال إلى الصراع. ومع ذلك، لا أحد يشك في التزامنا الدفاع عن مصالحنا". والمهم في هذه الجملة شقها الثاني.
تتهم الوثيقة الصين وروسيا برفضهما مكانة أميركا الجيوسياسية "وبمحاولتهما تغيير النظام الدولي لصالحهما". كما تعيب عليهما استثماراتهما في القدرات العسكرية. وتقول إن الصين استفادت من النفاذ إلى التكنولوجيا الأميركية، لبناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وتعيب على روسيا اعتبارها الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي تهديداً لها، وافتعالها الانقسامات بين أميركا وحلفائها. كما تعتبر الأسلحة النووية الروسية "أهم تهديد وجودي للولايات المتحدة".
أثار ما جاء في إستراتيجية الأمن القومي الأميركية ردود فعل سريعة وواضحة من الصين وروسيا، فالأولى طلبت من أميركا "أن تتوقف عن التشويه العمدي لنوايا الصين الإستراتيجية، وأن تتخلى عن تصوراتها التي تجاوزها الزمن، كما عن عقلية الحرب الباردة". أما روسيا فرفضت اعتبارها تهديداً لأمن أميركا.
يعود التركيز الأميركي على الصين وروسيا إلى قوتهما واحتمالات منافستهما (لاسيما الصين) للقوة الأميركية مستقبلاً. لكن إلى حد الساعة، فإن الصين، المرشح الوحيد للعب دور القوة الموازنة للقوة الأميركية، لم تبدأ (بعد) في تخصيص جزء كبير من مواردها لبناء قوة عسكرية قادرة على منافسة قوة الولايات المتحدة. قد يتغير الأمر في السنوات المقبلة. لكن حتى إذا قرّرت الصين مستقبلاً موازنة القوة الأميركية، فإنها ستكون بحاجةٍ إلى عقود، ولاستثمارات ضخمة في القوة العسكرية، شريطة أن تحتفظ على وتيرة نموها الاقتصادي مرتفعة.
الحقيقة أن التركيز بشكل عدائي على الصين وروسيا لن يخفي مشكلات أميركا، والمتمثلة أساساً في سياسة إدارة ترامب التي تكاد توحد العالم ضدها وتعزلها، وفي تحولات القوة العالمية مع تعدّد مراكز القوة دولياً بفعل العولمة، وصعوبة تحويل المكاسب العسكرية إلى مكاسب اقتصادية والعكس.