قبل ثلاث سنوات، اتخذت مروى أبو ديّا قراراً حاسماً. قالت لنفسها إنها لنّ تُفوّت الابتسامة الأولى أو الخطوة الأولى أو السنّ الأوّل لآزادي، ابنتها. خلال فترة الحمل، لم تكن وزوجها بلال على دراية بالحقوق التي يمنحها القانون اللبناني للأب أو الأمّ. وُلدت آزادي من دون أن يكون والدها قادراً على قضاء الوقت معها. الأمومة والأبوة، إحساساً وممارسةً، كانتا الأولوية. ومن أجل اللحظات المهمة والجميلة في حياة طفلتهما، ترك بلال الوظيفة وصار يعمل لحسابه الخاص. وكان لدى مروى خيار وحيد.. أن تصطحب ابنتها معها إلى العمل أي الشركة التي ساهمت في تأسيسها قبل ستّ سنوات.
كان عمر آزادي شهرين، حين توجّهت مع والدتها إلى مكتبها لأوّل مرة. وهذه لم تكن المرة الأخيرة. تقول مروى إنّ الشركة التزمت بثلاثة مبادئ تقوم على المرونة في التعامل، طالما أنّ العمل يُنجز في نهاية المطاف. ووجود آزادي، إلى جانب نحو عشرين موظفاً، يندرج في إطار هذه المبادئ. هذه الفتاة الصغيرة ترافق والدتها إلى المكتب منذ ثلاث سنوات. وإذا حصل ولم تكن موجودة، ستُسأل الأم: "أين آزادي؟".
أراد مؤسّسو الشركة تجاوز بعض العقبات التي كانوا يواجهونها في وظائفهم سابقاً. وفي المكتب الذي انتقلوا إليه مؤخراً، كان هناك حرص على اختيار مكانٍ مساحته مريحة للأطفال، وفيه ألوان، وزاوية للّعب. وفي هذا، كانت آزادي جزءاً من الصورة. ومروى، لم تكن لتتمكّن من تحقيق أمومتها لولا المجموعة الداعمة المحيطة بها، أي زملاؤها في العمل وزوجها والعائلة. آزادي تشارك في كلّ شيء. تجلس إلى جانب مروى خلال عملها، وتحضر معها اجتماعاتها، وتعرف أنّ عليها أن تخفض صوتها خلالها، وتنتظر ريثما ينهون الكلام في حال أرادت طلب شيء ما.
اقــرأ أيضاً
أحياناً، تفضّل عدم التحدّث إلى أحد، أو تختار زميلة/ زميلاً لوالدتها تبقى إلى جانبها/جانبه معظم الوقت. ربّما يكون ماهر أو جيسي أو آخرين. في الصباح، تسألها مروى ماذا تريد أن تحضر معها إلى المكتب. قد تختار الرسم أو قصّ الأوراق أو غير ذلك. تقول مروى إنّ هناك وقتاً للشاشة أيضاً، خصوصاً خلال الاجتماعات التي تتطلب تركيزاً. "في إحدى المرات، دخلت آزادي إلى غرفة الاجتماعات، وسلّمت على ضيف، وجلبت كرسيّاً صغيراً ودفتراً وجلست. تحاول تقليدنا".
زملاء مروى في العمل حريصون على آزادي. "يتأكدون من أن الشبابيك مقفلة، وزوايا الطاولات غير مؤذية. يتفقدونها. "أحياناً، أتركها في المكتب معهم في حال كان لديّ اجتماع يتطلب تركيزاً عالياً. هم لا يمانعون والصغيرة اعتادت. ربّما يلعبون معها الغميضة، أو يستفيدون من بالونات استخدمت خلال ورشة تدريب".
هل يتذمّرون؟ "ليس لدى الناس مزاج أو وقت دائماً، خصوصاً حين تكون هناك مواعيد نهائية للتسليم. لذلك، تطلب من زملائها مساعدتها. "يمكنهم كما يمكنني أن نقول لا لآزادي. يمكننا أن نشرح لها أننا في حاجة إلى التركيز. وحالياً، باتت أكثر قدرة على الالتزام".
في الكثير من الأحيان، تصطحب مروى آزادي معها إلى ورش التدريب التي تكون فيها المدرّبة، أو إلى المؤتمرات. في إحدى المرات التي شاركت فيها مروى في ورشة حول المشاركة الاجتماعية، اضطرت إلى أخذها معها، وجلست على كرسي إلى جانبها، وأمضت وقتها في التلوين. "الناس يعتادون الأمر".
والانتقادات كثيرة. "أما زلتِ ترضعينها"؟ تذكر مروى نظرات الدهشة من الحاضرين خلال الاجتماعات التي تجريها في المكتب، حين تُرضع ابنتها وتتابع النقاش، على الرغم من أنها تضع مئزرة. مروى التي ليست مستعدة للمساومة على التفاصيل المتعلقة بأمومتها وحقها كامرأة وإنسانة، وحق طفلتها في حياة صحية، تقول إن الناس يتأقلمون أخيراً. "والاجتماعات تسير جيداً على الرغم من الرضاعة".
من جهة أخرى، فإنّ وجود آزادي يساهم في الحد من التوترات "يكفي أن تقوم بحركة ما حتى يضحك المجتمعون". والشركة التي تؤمن بالحقوق، ابتدعت غرفة صامتة للراغبين في العمل والتركيز والابتعاد عن أي ضجيج محتمل. وآزادي حين تدخل هذه الغرفة، تُدرك أن عليها التزام الصمت.
ولماذا لا تلحقينها بحضانة الأطفال؟ الأطفال في حاجة إلى أطفال. مروى لا تحتمل أن يهتمّ بابنتها أحد غيرها (أو والدها)، طالما أنها قادرة على ذلك. تعطي قيمة للتفاصيل اليومية التي تجمعها مع آزادي. والوقت القيّم بالنسبة إليها لا يتحقق في اللعب أو قراءة القصص فقط، بل حتّى خلال العمل. "تتعلّم آزادي مثلاً احترام الآخرين، وعدم إزعاجهم، وقيم التشارك، وغيرها. ثم إنها قادرة على التفاعل واللعب مع أشخاص من مختلف الأعمار". ماذا عن مصطلحات الكبار؟ تجيب: "وما المشكلة فيها؟". وكثيراً ما وجدت مروى نفسها في موقع دفاعي عن خياراتها في الحياة، هي التي أرادت فقط مرافقة ابنتها في سنوات نموّها الأولى. "في لبنان، ما من احترام لمساحات الإنسان الخاصة".
اقــرأ أيضاً
ولحسن الحظّ، فإن آزادي طفلة هادئة. لا تعرف مروى إن كان الهدوء نتيجة للحياة التي عاشتها ابنتها، أم أنه جزء من شخصيّتها. لكنّ تلك الشخصية كانت لصالحها.
تجربتها ليست صعبة أو مستحيلة التحقق. ويمكن للأمر أن يبدأ من المؤسسات أو الشركات الخاصة. مروى ترى أن العمل حقّ للمرأة كما الأمومة. بالتالي، يحق للمرأة أن تكون قادرة على ممارسة أمومتها خلال العمل. ويمكن لأي مؤسسة أن تفكّر في تخصيص غرفة للرضاعة. "كثير من الأمهات يضطررن إلى شفط الحليب في المرحاض". ويمكن تخصيص غرفة مناسبة للأطفال، والاستعانة بحاضنة أو مربية للاهتمام بهم. "على الأقل، يكون الأطفال إلى جانبنا". كما أن المرونة تفصيل أساسي. "لن يحدث شيء في حال غادرت المرأة عملها قبل بعض الوقت من أجل أطفالها، أو لو تغيبت ساعتين".
وتشدّد على أهمية المرونة مع الأب أيضاً، لأن دوره أساسي وتشاركي في الحب والاهتمام.
مروى تعلمت الكثير من آزادي. "حدّدت أولوياتي، وبتّ قادرة على تنظيم وقتي". كذلك آزادي باتت أكثر انضباطاً ليس بالمعنى القمعي للكلمة، بل اكتسبت مهارات سلوكية في التعامل مع الآخرين.
تقول مروى إنه يصعب أن تكون المرأة عاملة بدوام كامل وأماً بدوام كامل. لكنّ الشركة والمبادئ والأهل والزملاء المناصرين لحقها وحقّ أخريات في الأمومة والعمل، ساهموا في الحفاظ على أمومتها ودورها كامرأة عاملة... وناجحة. والأهم أن آزادي بقربها.
كان عمر آزادي شهرين، حين توجّهت مع والدتها إلى مكتبها لأوّل مرة. وهذه لم تكن المرة الأخيرة. تقول مروى إنّ الشركة التزمت بثلاثة مبادئ تقوم على المرونة في التعامل، طالما أنّ العمل يُنجز في نهاية المطاف. ووجود آزادي، إلى جانب نحو عشرين موظفاً، يندرج في إطار هذه المبادئ. هذه الفتاة الصغيرة ترافق والدتها إلى المكتب منذ ثلاث سنوات. وإذا حصل ولم تكن موجودة، ستُسأل الأم: "أين آزادي؟".
أراد مؤسّسو الشركة تجاوز بعض العقبات التي كانوا يواجهونها في وظائفهم سابقاً. وفي المكتب الذي انتقلوا إليه مؤخراً، كان هناك حرص على اختيار مكانٍ مساحته مريحة للأطفال، وفيه ألوان، وزاوية للّعب. وفي هذا، كانت آزادي جزءاً من الصورة. ومروى، لم تكن لتتمكّن من تحقيق أمومتها لولا المجموعة الداعمة المحيطة بها، أي زملاؤها في العمل وزوجها والعائلة. آزادي تشارك في كلّ شيء. تجلس إلى جانب مروى خلال عملها، وتحضر معها اجتماعاتها، وتعرف أنّ عليها أن تخفض صوتها خلالها، وتنتظر ريثما ينهون الكلام في حال أرادت طلب شيء ما.
أحياناً، تفضّل عدم التحدّث إلى أحد، أو تختار زميلة/ زميلاً لوالدتها تبقى إلى جانبها/جانبه معظم الوقت. ربّما يكون ماهر أو جيسي أو آخرين. في الصباح، تسألها مروى ماذا تريد أن تحضر معها إلى المكتب. قد تختار الرسم أو قصّ الأوراق أو غير ذلك. تقول مروى إنّ هناك وقتاً للشاشة أيضاً، خصوصاً خلال الاجتماعات التي تتطلب تركيزاً. "في إحدى المرات، دخلت آزادي إلى غرفة الاجتماعات، وسلّمت على ضيف، وجلبت كرسيّاً صغيراً ودفتراً وجلست. تحاول تقليدنا".
زملاء مروى في العمل حريصون على آزادي. "يتأكدون من أن الشبابيك مقفلة، وزوايا الطاولات غير مؤذية. يتفقدونها. "أحياناً، أتركها في المكتب معهم في حال كان لديّ اجتماع يتطلب تركيزاً عالياً. هم لا يمانعون والصغيرة اعتادت. ربّما يلعبون معها الغميضة، أو يستفيدون من بالونات استخدمت خلال ورشة تدريب".
هل يتذمّرون؟ "ليس لدى الناس مزاج أو وقت دائماً، خصوصاً حين تكون هناك مواعيد نهائية للتسليم. لذلك، تطلب من زملائها مساعدتها. "يمكنهم كما يمكنني أن نقول لا لآزادي. يمكننا أن نشرح لها أننا في حاجة إلى التركيز. وحالياً، باتت أكثر قدرة على الالتزام".
في الكثير من الأحيان، تصطحب مروى آزادي معها إلى ورش التدريب التي تكون فيها المدرّبة، أو إلى المؤتمرات. في إحدى المرات التي شاركت فيها مروى في ورشة حول المشاركة الاجتماعية، اضطرت إلى أخذها معها، وجلست على كرسي إلى جانبها، وأمضت وقتها في التلوين. "الناس يعتادون الأمر".
والانتقادات كثيرة. "أما زلتِ ترضعينها"؟ تذكر مروى نظرات الدهشة من الحاضرين خلال الاجتماعات التي تجريها في المكتب، حين تُرضع ابنتها وتتابع النقاش، على الرغم من أنها تضع مئزرة. مروى التي ليست مستعدة للمساومة على التفاصيل المتعلقة بأمومتها وحقها كامرأة وإنسانة، وحق طفلتها في حياة صحية، تقول إن الناس يتأقلمون أخيراً. "والاجتماعات تسير جيداً على الرغم من الرضاعة".
من جهة أخرى، فإنّ وجود آزادي يساهم في الحد من التوترات "يكفي أن تقوم بحركة ما حتى يضحك المجتمعون". والشركة التي تؤمن بالحقوق، ابتدعت غرفة صامتة للراغبين في العمل والتركيز والابتعاد عن أي ضجيج محتمل. وآزادي حين تدخل هذه الغرفة، تُدرك أن عليها التزام الصمت.
ولماذا لا تلحقينها بحضانة الأطفال؟ الأطفال في حاجة إلى أطفال. مروى لا تحتمل أن يهتمّ بابنتها أحد غيرها (أو والدها)، طالما أنها قادرة على ذلك. تعطي قيمة للتفاصيل اليومية التي تجمعها مع آزادي. والوقت القيّم بالنسبة إليها لا يتحقق في اللعب أو قراءة القصص فقط، بل حتّى خلال العمل. "تتعلّم آزادي مثلاً احترام الآخرين، وعدم إزعاجهم، وقيم التشارك، وغيرها. ثم إنها قادرة على التفاعل واللعب مع أشخاص من مختلف الأعمار". ماذا عن مصطلحات الكبار؟ تجيب: "وما المشكلة فيها؟". وكثيراً ما وجدت مروى نفسها في موقع دفاعي عن خياراتها في الحياة، هي التي أرادت فقط مرافقة ابنتها في سنوات نموّها الأولى. "في لبنان، ما من احترام لمساحات الإنسان الخاصة".
ولحسن الحظّ، فإن آزادي طفلة هادئة. لا تعرف مروى إن كان الهدوء نتيجة للحياة التي عاشتها ابنتها، أم أنه جزء من شخصيّتها. لكنّ تلك الشخصية كانت لصالحها.
تجربتها ليست صعبة أو مستحيلة التحقق. ويمكن للأمر أن يبدأ من المؤسسات أو الشركات الخاصة. مروى ترى أن العمل حقّ للمرأة كما الأمومة. بالتالي، يحق للمرأة أن تكون قادرة على ممارسة أمومتها خلال العمل. ويمكن لأي مؤسسة أن تفكّر في تخصيص غرفة للرضاعة. "كثير من الأمهات يضطررن إلى شفط الحليب في المرحاض". ويمكن تخصيص غرفة مناسبة للأطفال، والاستعانة بحاضنة أو مربية للاهتمام بهم. "على الأقل، يكون الأطفال إلى جانبنا". كما أن المرونة تفصيل أساسي. "لن يحدث شيء في حال غادرت المرأة عملها قبل بعض الوقت من أجل أطفالها، أو لو تغيبت ساعتين".
وتشدّد على أهمية المرونة مع الأب أيضاً، لأن دوره أساسي وتشاركي في الحب والاهتمام.
مروى تعلمت الكثير من آزادي. "حدّدت أولوياتي، وبتّ قادرة على تنظيم وقتي". كذلك آزادي باتت أكثر انضباطاً ليس بالمعنى القمعي للكلمة، بل اكتسبت مهارات سلوكية في التعامل مع الآخرين.
تقول مروى إنه يصعب أن تكون المرأة عاملة بدوام كامل وأماً بدوام كامل. لكنّ الشركة والمبادئ والأهل والزملاء المناصرين لحقها وحقّ أخريات في الأمومة والعمل، ساهموا في الحفاظ على أمومتها ودورها كامرأة عاملة... وناجحة. والأهم أن آزادي بقربها.