"عيد بأي حال عدت يا عيد"، هذا السطر لأبي الطيب يوازي أغنية "يا ليلة العيد" للسيدة أم كلثوم في وجدان القارئ العربي، لا عيد دون سماع "الست" ولا عيد دون قراءة بيت المتنبي، هنا أو هناك، لا عيد يخلو مما يستدعيه، خصوصاً عند العربي الحديث والمعاصر، إن جاز نسبة أي حداثة أو معاصرة إلينا!
"العيد يوم النجاح"، جملة أخرى، لا أعرف تحديداً أول من قال بها، إلا أننا كنا نسمعها دائماً من أساتذتنا، في الثانوية العامة، ومرحلة الثانوية لقارئ غير مصري: هي إحدى نوائب الدهر، حيث يكتب عليك وأنت في مقتبل شبابك، 16 عاماً، أن يتحدد، هنا والآن، مستقبلك، الغائب عن وعيك، وأنت في هذه السن المبكرة، لا مكان للفهم، المجد للحفظة، الذين يذكرون مناهج وزارة التعليم قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم، وفي أحلامهم، وكوابيسهم.
من جملة الاستهتار واللامبالاة الحكومية في مصر تقاطع مواعيد امتحانات الثانوية العامة، مع العيد، أتحدث عن جيلي، مواليد 80، ثانويتنا كانت في منتصف التسعينيات، أيام مبارك، حيث لا تمارس الدولة القتل إلا في المناسبات، ومع ذلك يظل العيد من المؤجلات، لدى الطلاب، وأهليهم، وأقاربهم، نصلي ثم إلى الدروس الخصوصية، مراجعات، الامتحان بعد العيد بيوم، مجرد التفكير في "التعييد" رفاهية، لا يطيقها أبناء الطبقة الوسطى، الذين أضاع أهلهم كل ما يكسبونه على مدرسيهم، لعل وعسى، يأتي يوم النتيجة، لنكتشف أن النجاح لا يعني العيد بحال، نصف درجة قد تنقلك من القاهرة إلى أسيوط، البنات في الغالب لا يسافرْن، فالبنت عليها أن تتنازل عن حلمها وترضى بكلية أقل، الشيء نفسه يحدث في الأقاليم، يضيع العيد مرة أخرى، وإلى أجل آخر، ربما يوم التخرج، حيث نوائب التعيين، التقدير، إجادة اللغة الإنجليزية، مهارات الحاسب، الواسطة، العيد يوم العمل إذن، وحين يحدث يتحول اليوم إلى الجحيم المقيم، المواصلات اللا آدمية، أو القيادة وسط ازدراء الرجال، الملابس المفروضة، أو المرفوضة، والتحرش في الحالتين، العيد يوم الزواج إذن، حينها تدرك البنت أن العيد كان في السابق، أما القادم فبلا أعياد، نهارك أزرق.
بالنسبة للشباب، فالعيد يوم الإعفاء من التجنيد، أذكر يوم "الإرجا" كان الشباب الذين حصلوا على "التأجيل، يسجدون لله شكراً، أما الذين "لبسوا"، فلهم الله، هنا يصبح العيد يوم انقضاء الخدمة، دون انقضاء العمر.
تسير الحياة بأصحابها في مصر، تحمل على ظهرها النوائب، فيما يبدو "العيد" كسراب ظمآن، سنفرح غدا، سنحب غدا، سنسافر غدا، سنتقاضى راتبا يكفينا غدا، إلى أن يأتي الغد في عالم آخر، لعله العيد.
الآن، عيدنا لم يعد طبقياً، صار مسيساً، بحسب الانحيازات، لا يصرف إلا في منافذ البيع "الميري" للمواطن "الراضي"، لا مكان سوى للتسبيح بحمد الإله/ الرئيس، ملعون من نطق، أو تنفس خارج "الهوى" العسكري، مطرود من رحمة الوطن، العيد لهؤلاء دون هؤلاء، احنا الشعب وأنتوا شعب، ليس معنى أن الله جعل العيد للجميع، أن تظن نفسك من "الجميع"، لدينا من المشايخ من يخرجك من جنس ولد آدم، شخصياً، لو أردنا، لا عيد هنا يسعك، وهل يستوي العيد والسجن؟
بص، لا أريد أن أنكد عليك، يمكننا أن نفرح بأشياء صغيرة، مجرد كونك تقرأ هذه السطور، فمعناه أنك حي ترزق، أو حي لا ترزق، لكن لديك فرصة، في معارك الحياة الكبيرة لا يصل إلا أصحاب النفس الطويل، والإرادات الحقيقية، لا تلك التي تصنعها تنميطات التنمية البشرية، ونهنهات الدعاة الجدد، الذين يأمرونك بالدعاء لأنه "حلو" والاقتراب من الله لأنه جميل، الابتسامات الصفراء لا تصنع البهجة، والصروح الشاهقة لا تبنى على البلاستيك، ربما يكون العيد أن تفهم، وترى أن للحياة ألف وجه، اليوم عيد، على الرغم من كل شيء، فافرح، فلست من الذين أفسدوا على الناس حياتهم، وهذا وحده يكفي مبرراً معقولاً للفرح، استعن ببعض الأيام على بعض، وحاول، من يدري؟!
(مصر)
"العيد يوم النجاح"، جملة أخرى، لا أعرف تحديداً أول من قال بها، إلا أننا كنا نسمعها دائماً من أساتذتنا، في الثانوية العامة، ومرحلة الثانوية لقارئ غير مصري: هي إحدى نوائب الدهر، حيث يكتب عليك وأنت في مقتبل شبابك، 16 عاماً، أن يتحدد، هنا والآن، مستقبلك، الغائب عن وعيك، وأنت في هذه السن المبكرة، لا مكان للفهم، المجد للحفظة، الذين يذكرون مناهج وزارة التعليم قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم، وفي أحلامهم، وكوابيسهم.
من جملة الاستهتار واللامبالاة الحكومية في مصر تقاطع مواعيد امتحانات الثانوية العامة، مع العيد، أتحدث عن جيلي، مواليد 80، ثانويتنا كانت في منتصف التسعينيات، أيام مبارك، حيث لا تمارس الدولة القتل إلا في المناسبات، ومع ذلك يظل العيد من المؤجلات، لدى الطلاب، وأهليهم، وأقاربهم، نصلي ثم إلى الدروس الخصوصية، مراجعات، الامتحان بعد العيد بيوم، مجرد التفكير في "التعييد" رفاهية، لا يطيقها أبناء الطبقة الوسطى، الذين أضاع أهلهم كل ما يكسبونه على مدرسيهم، لعل وعسى، يأتي يوم النتيجة، لنكتشف أن النجاح لا يعني العيد بحال، نصف درجة قد تنقلك من القاهرة إلى أسيوط، البنات في الغالب لا يسافرْن، فالبنت عليها أن تتنازل عن حلمها وترضى بكلية أقل، الشيء نفسه يحدث في الأقاليم، يضيع العيد مرة أخرى، وإلى أجل آخر، ربما يوم التخرج، حيث نوائب التعيين، التقدير، إجادة اللغة الإنجليزية، مهارات الحاسب، الواسطة، العيد يوم العمل إذن، وحين يحدث يتحول اليوم إلى الجحيم المقيم، المواصلات اللا آدمية، أو القيادة وسط ازدراء الرجال، الملابس المفروضة، أو المرفوضة، والتحرش في الحالتين، العيد يوم الزواج إذن، حينها تدرك البنت أن العيد كان في السابق، أما القادم فبلا أعياد، نهارك أزرق.
بالنسبة للشباب، فالعيد يوم الإعفاء من التجنيد، أذكر يوم "الإرجا" كان الشباب الذين حصلوا على "التأجيل، يسجدون لله شكراً، أما الذين "لبسوا"، فلهم الله، هنا يصبح العيد يوم انقضاء الخدمة، دون انقضاء العمر.
تسير الحياة بأصحابها في مصر، تحمل على ظهرها النوائب، فيما يبدو "العيد" كسراب ظمآن، سنفرح غدا، سنحب غدا، سنسافر غدا، سنتقاضى راتبا يكفينا غدا، إلى أن يأتي الغد في عالم آخر، لعله العيد.
الآن، عيدنا لم يعد طبقياً، صار مسيساً، بحسب الانحيازات، لا يصرف إلا في منافذ البيع "الميري" للمواطن "الراضي"، لا مكان سوى للتسبيح بحمد الإله/ الرئيس، ملعون من نطق، أو تنفس خارج "الهوى" العسكري، مطرود من رحمة الوطن، العيد لهؤلاء دون هؤلاء، احنا الشعب وأنتوا شعب، ليس معنى أن الله جعل العيد للجميع، أن تظن نفسك من "الجميع"، لدينا من المشايخ من يخرجك من جنس ولد آدم، شخصياً، لو أردنا، لا عيد هنا يسعك، وهل يستوي العيد والسجن؟
بص، لا أريد أن أنكد عليك، يمكننا أن نفرح بأشياء صغيرة، مجرد كونك تقرأ هذه السطور، فمعناه أنك حي ترزق، أو حي لا ترزق، لكن لديك فرصة، في معارك الحياة الكبيرة لا يصل إلا أصحاب النفس الطويل، والإرادات الحقيقية، لا تلك التي تصنعها تنميطات التنمية البشرية، ونهنهات الدعاة الجدد، الذين يأمرونك بالدعاء لأنه "حلو" والاقتراب من الله لأنه جميل، الابتسامات الصفراء لا تصنع البهجة، والصروح الشاهقة لا تبنى على البلاستيك، ربما يكون العيد أن تفهم، وترى أن للحياة ألف وجه، اليوم عيد، على الرغم من كل شيء، فافرح، فلست من الذين أفسدوا على الناس حياتهم، وهذا وحده يكفي مبرراً معقولاً للفرح، استعن ببعض الأيام على بعض، وحاول، من يدري؟!
(مصر)