لم تكن أقدار البلدان نهائية في أي مرحلة من تاريخها، بقدر ما كانت مؤقتة. فلا يخدعنّا النظر إلى الأفق، لن نرى أبعد من أعمدة الدخان الأسود، فالسماء محجوبة بطائرات النظام والروس والأميركان تقصف الملاجئ والمستشفيات والمآذن، وقتل كل ما يتحرّك أو يتنفس. هل في هذا مبالغة؟ لا، تسجيل الانتصارات يتطلب قدراً هائلاً من الركام، وأكواماً من القتلى.
منذ سنوات، يصنع السوريون تاريخهم من طرف، ويكتبونه من طرف آخر، إن لم يكن ساراً، فهو مشرّف. عاد يشق طريقه نحو المستقبل، بعدما كان محنطاً وملجوماً، يُكتب في كواليس الولاء المطلق والأعمى، لترسيخ مهازل الخلود والأبد.
تخوض الدكتاتورية معركتها الكبرى، بمؤازرة دولتين، إيران وروسيا، ويدافع عنها موالون منتفعون، ومثقفون مستأجرون، ومحللون سياسيون بلا ضمير، وانتهازيون أتقنوا لعبة المعارضة ومحاباة النظام... ومن المؤلم أن أبرياء يساقون للدفاع عنها بالرغم منهم، وأيضاً فقراء مساكين مغرّرا بهم يعتقدون أنهم يدافعون عن الوطن، أو عن أنفسهم... ولا غرابة في أن يتجلى التعبير الأوفى عن انحطاط الدكتاتورية في ثقافة البوط، وشرعنة التشبيح على أنه الوطنية.
تقبع سورية في الظلام، منكوبة بأكبر كارثة في عصرها الحديث، يسري فيها الدمار على الأرض وفي النفوس، تشيّع شهداءها كل يوم. سورية في حداد شامل ودائم، لا يستثني مدينة ولا بلدة أو قرية. إذا لم ينزح عنها هذا الظلام، فهي موعودة بثورة أخرى.
هذه مجرد مقدمة، سواء كانت لازمة أو غير لازمة للقول، إن سورية التي ستوضع على مشرحة "سوتشي" لن تكون إلا للذبح، فسورية المكلومة مغلوبة على أمرها، والثورة خُدعت وغُدر بها، تكاثرت عليها الدول الإقليمية والدول الكبرى، ومعهم الإرهاب المتأسلم، والمليشيات المذهبية، وتجار الحرب الكبار والصغار.
ليست روسيا بوتين، ولا إيران خامنئي ولا غيرها، يحق لها إنهاء ما بات يدعى مجاملة بـ"الأزمة السورية"، ولا "سوتشي" صالحة للحل، فالمجرمون مؤهلون للقتل لا لتحقيق العدالة. وليفرض الروس ما يشاؤون، لكن لا يجوز للمعارضة المشاركة في هذه الجريمة، لسبب واحد بسيط، المفترض أنها تمثل سورية الثائرة على الدكتاتورية. الفصل الختامي لم يحن بعد. وإذا كانت الدكتاتورية تصنع الأكاذيب، فالشعوب تصنع الحقائق.
وحدهم السوريون، ينقذون بلدهم مما أصابها، إنها قدرهم. ستطلع سورية من غمرات الموت. خلاصُها من الطغيان ليس في علم الغيب، مهما تأخر، فهو آت.