ينتاب كل فئة من فئات المجتمع المصري شعور واحد مع اختلاف الأهداف. فالسيدة تحاول أن تُحافظ على استقرار حياتها اليومية بتأمين احتياجات أسرتها، والبحث عن الأرز بسعر مخفض، أما المواطنون الآخرون، فسالت دماء بعضهم واستدعى الموقف تدخل الشرطة لإيقاف سيل المشاجرات التي نشبت لحجز وحدة سكنية يصل سعرها إلى مليوني جنيه أي أكثر من 3 أضعاف متوسط سعر الشقق في المدن الجديدة المخصصة للفئات فوق المتوسطة الآن.
بكلمات مقتضبة، أوجزت هبة محمود ربة منزل "54 عاماً"، ما يدور في كل منزل مصري في الأغلب، بقولها: "نسمع أحاديث مستمرة من الحكومة عن خطط من المفترض أن تنتهي بعد أكثر من 10 سنوات لتحسين مستقبلنا أو حياة أبنائنا بينما الواقع يتحول إلى حالة أكثر سوءاً".
وتضيف: "هذه ليست المرة الأولى، التي نسمع فيها عن خطط طويلة، فالرئيس السابق أنور السادات، وعد بتبدل حياة المصريين، حيث سيعُم الرخاء في عام 2000 وجاء عام 2000 ولم يحدث شيء".
وتشير إلى أن سعر الكيلوغرام من الأرز، ارتفع من 3 جُنيهات إلى 9 جنيهات، فيما ارتفع الكيلوغرام من اللبن من نحو 5 إلى 8 جنيهات، ومع ذلك لاتزال نفقات المنزل كما هي عند 1500 جنيه، ومن المفترض أن تغطي احتياجات 4 أفراد.
اقــرأ أيضاً
وتحليلاً أكثر للواقع الذي يعيشه المصريون، تقول ندى محمود الباحثة في مجال الرأي العام:"يشهد المجتمع أزمات متعددة سواء بارتفاع الأسعار بمعدلات كبيرة تتجاوز 50% مرةً واحدة أو نقص في السلع بصورة مفاجئة رغم تمتعنا بوفرة منها، طوال عشرات السنين".
وتوضح أن المشهد الأبرز اليوم، هو تحريك الدولة للأسعار بسبب نقص احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي ما يتسبب في ارتفاع الدولار، ومن ثم بات المواطن يتابع أسعار الدولار بشكل يومي ويستعد لزيادة الأسعار.
وتؤكد محمود أن هناك أطرافاً أخرى تقف وراء هذه الأزمات وتحديداً من داخل الأجهزة الحكومية. وتتساءل كيف بعد أن فتحت الحكومة باب التصدير لفائض من الأرز الذي يُقدر بنحو مليون طن، نواجه الآن أزمة نقص الأرز تضطرنا إلى استيراد 80 ألف طن أرز بالعملة الصعبة.
وتقول:" تكرّر الأمر ذاته مع محصول القمح هذا العام، بعد أن تعرض جانب من المحصول للهدر وجانب آخر باعه الفلاحون للتجار بأسعار تنخفض عن سعر البيع للحكومة ثم قام التجار ببيعه بأسعار أعلى في السوق، نتيجة التعقيدات التي وضعتها الحكومة في إجراءات استلام القمح".
وتُوضح أنه في النهاية نضطر إلى استنزاف العملة الصعبة في استيراد كميات كبيرة من القمح كان يمكن توفير جزء منها محلياً، ثم بعد ذلك تخبرنا الحكومة بأنها ستضطر لرفع الأسعار بسبب الدولار.
ويعقب على حالة القلق التي تنتاب جميع فئات المجتمع، النائب السابق زياد العليمي على صفحته الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلاً: "إن عدم ثقة المصريين في الاقتصاد دفع بعضهم إلى التدافع لاستثمار أموالهم في وحدات سكنية، وفي الوقت ذاته اندلعت "خناقة" بين مواطنين آخرين من أجل الفوز بأكياس أرز بسعر مخفض".
ويضيف: "للأسف الكل سيدفع الثمن حتى المؤمنون بثورة يناير، ولكن الفارق الوحيد أن أبناء هذه الثورة هم المجموعة الوحيدة التي لن تتفاجأ بما سيحدث لأنهم أعلموا الجميع بما ستؤول إليه البلاد تحت منطق القوة الذي تستخدمه السلطة".
ربما هذا الجانب من القلق يخص الطبقة الكادحة من الشعب، ولكن ما الذي يدفع أبناء الطبقة الثرية وفوق المتوسطة للصراع والتشاجر لحجز وحدة سكنية بأسعار مرتفعة للغاية.
ويرجع الخبير العقاري أشرف ياسين هذا الموقف العجيب إلى سببين، أولهما أن الجميع على يقين بأن البنك المركزي سيخفض الجنيه مقابل الدولار إلى 10 جنيهات مقارنة بـ 8.83 جنيهات الآن، هذا يعني تآكل قيمة المدخرات.
ويضيف: "أما السبب الثاني هو أن الشركة العقارية أطلقت حملة إعلانية ضخمة لعبت على أزمة انتشار العشوائيات ورغبة بعض المواطنين في العيش وسط طبقة راقية، وعلى الراغب في هذه الحياة سداد مبلغ أكبر يبلغ 7 آلاف جنيه للمتر مقابل السعر السائد بنحو 5 آلاف جنيه".
وأسفر تدافع المواطنين على حجز وحدات المشروع إلى إعلان الشركة التي تمتلك المشروع بالشراكة مع الحكومة، أن سعر المتر المقدر بـ 7 آلاف جنيه مجرد سعر مبدئي، وبناءً عليه رفعت السعر في يومٍ واحد إلى 8500 جنيه.
ويشدد ياسين عبى أن هذه الطبقة على استعداد لدفع المزيد على أمل الحفاظ على قيمة المدخرات من التآكل، ثم إمكانية بيع الوحدات مستقبلاً بأسعار أعلى.
تحالف المصالح
ربما لا تكون هذه هي الأزمة المعيشية التي يعاصرها المصريون، فعلى مدار سنوات عديدة واجه المواطنون أزمات انخفاض الدخل وارتفاع الأسعار في المقابل. لكن الأزمة تفاقمت في ظل تنصل الحكومة من مسؤولياتها بإلغاء الدعم تدريجياً سواء الدعم المتعلق بالطاقة، أو المصانع أو تقليل مخصصات دعم السلع الغذائية.
اقــرأ أيضاً
والأشد من ذلك فتح الباب على مصراعيه أمام التجار والوكلاء ومجموعة من الشركات للمتاجرة بأوجاع المصريين، وذلك برفع الأسعار بطريقة جنونية تصل إلى الضعف بدعوى ارتفاع سعر الدولار، دون قيام الحكومة بأدنى واجباتها بالرقابة على الأسواق.
بل الأدهى من ذلك هو سماح الحكومة قبل أسبوعين لشركات الأدوية بزيادة أسعار الأدوية التي يقل سعرها عن 30 جنيهاً بنسبة 20% بدعوى خسارة الشركات نتيجة ارتفاع تكلفة المستحضرات الطبية بعد زيادة سعر الدولار، في حين أن نتائج أعمال شركات الأدوية تكشف عن تحقيق زيادة في أرباحها، بخلاف أن 10 شركات أجنبية تسيطر على أكثر من 50% من مبيعات سوق الأدوية البالغة 40 مليار جنيه سنوياً.
ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد بل تحايلت شركات الأدوية على قرار الحكومة وطبقت القرار على شريط الدواء وليس العبوة، ما يعني إضافة مبلغ الزيادة إلى الشريط الواحد وبذلك يرتفع ثمن علبة الدواء التي تضم 3 أشرطة بنسبة 60% وليس 20%. علماً بأن شريحة الأدوية التي خضعت للزيادة يحتاجها أصحاب الأمراض المزمنة التي تستشري بين المصريين مثل السكري والضغط. ولعل هذا ما يُفسر مقولة ربة المنزل بأن الحياة باتت صعبة والغد أصبح مُخيفاً.
من المستفيد؟
كما كان المستفيد من الارتفاع الجنوني للأسعار وإصابة المواطنين بالقلق من العجز عند تدبير الاحتياجات اليومية مجموعة من التجار والشركات إضافة إلى أطراف حكومية ذات صلة بالسلع الاستراتيجية مثل القمح والأرز، إذًا هناك أطراف أخرى مستفيدة من زحام المواطنين على مشروع سكني لم يتجاوز حتى الآن مرحلة المخطط العام ولم يشهد وضع حجر واحد حتى الآن.
كما أن كشّف هوية هذه الأطراف المستفيدة بدأ من حديث السيدة ريم مهنا التي تلقت اتصال من الشركة العقارية صاحبة المشروع يفيد بفتح باب الحجز، وهي دعوات توجه عادةً إلى فئة محدودة، ولكن السيدة فوجئت بتوجيه الدعوة إلى عدد كبير، وعندما طلبت الذهاب إلى مقهى للانتظار بدلاً من الوقوف في الشارع رفضت الشركة بدعوى أنها ستفقد بذلك دورها.
وتضيف مهنا: " اشتد الازدحام في الساعة التاسعة صباحاً وطلب مندوبو الشركة سداد الراغبين في الحجز مبلغ 100 ألف جنيه ثم ستعاود الشركة الاتصال بهم مرةً أخرى لتحرير العقود".
ويعلق الخبير العقاري أشرف ياسين على هذه الواقعة بأن سعر المتر ارتفع في يومٍ واحد من تاريخ فتح باب الحجز من 7 آلاف إلى 8500 ما يعني أن الشركة تعمدت استغلال حاجة الناس إلى توظيف مدخراتهم وقامت بالتخطيط لخلق زحام شديد من شأنه رفع أسعار الوحدات التي سيذهب 40% منها للشركة و60% للحكومة باعتبارها مساهمة بأرض المشروع.
ويؤكد أن هناك نوعين من الاستفادة للحكومة وأباطرة العقارات في مصر، الأولى استفادة آنية من الأرباح الهائلة التي سيحققها هذا المشروع، وهناك استفادة آخرى مستقبلية ستحققها الحكومة عند رفع أسعار مشروع وحدات الإسكان المتوسط الذي تقوم ببيعه للمواطنين، فضلاً عن الارتفاع المرتقب في أسعار المشروعات العقارية الخاصة بمعدلات تصل إلى 30%.
ولكن كان هناك رؤية آخرى تنذر بأن قلق الأثرياء والطبقة فوق المتوسطة لن ينتهي باقتناء وحدة سكنية فاخرة بل ستكون بداية لقلق أشد وطأة. وهو ما يفسره مدير الاستثمار أيمن إسماعيل بأن تهافت المواطنين على استثمار مدخراتهم في العقارات يساعد البعض بشكل مؤقت على بيع الوحدات بسعر أعلى وسيتكرر هذا البيع المُربح أكثر من مرة حتى يصل الملاك الجدد إلى مرحلة العجز عن بيع الوحدة.
ويوضح إسماعيل أن هذه الظاهرة تسمى عالمياً بالفقاعة العقارية والتي سبق أن حدثت في الولايات المتحدة الأميركية في العام 2008. ومن المرشح تكرار هذه الأزمة في مصر وسط الإقبال الحالي الكبير للمواطنين على شراء الوحدات حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار بشدة مع مرور الوقت وسيعجز أصحابها في مرحلة ما عن البيع نقدًا نظراً لوجود شركات عقارية تُقسط الوحدات على 10 سنوات.
ويتابع:" هنا سيضطر مُقتنو الشقق لبيعها بأسعار أقل، وسيتعرض المستثمرون في العقارات لخسائر وتحديدًا فئة المواطنين الذين اقترضوا من المصارف لسداد الدفعة المقدمة، وستنتشر هذه الحالة بين أصحاب العقارات حتى تتحول إلى ظاهرة تُسفر عن طرح عدد كبير من الوحدات للبيع بأسعار منخفضةً في وقتٍ واحد، وهو الأمر الذي يصيب المواطنين بالمزيد من القلق إزاء مصيرهم المستقبلي".
اقــرأ أيضاً
بكلمات مقتضبة، أوجزت هبة محمود ربة منزل "54 عاماً"، ما يدور في كل منزل مصري في الأغلب، بقولها: "نسمع أحاديث مستمرة من الحكومة عن خطط من المفترض أن تنتهي بعد أكثر من 10 سنوات لتحسين مستقبلنا أو حياة أبنائنا بينما الواقع يتحول إلى حالة أكثر سوءاً".
وتضيف: "هذه ليست المرة الأولى، التي نسمع فيها عن خطط طويلة، فالرئيس السابق أنور السادات، وعد بتبدل حياة المصريين، حيث سيعُم الرخاء في عام 2000 وجاء عام 2000 ولم يحدث شيء".
وتشير إلى أن سعر الكيلوغرام من الأرز، ارتفع من 3 جُنيهات إلى 9 جنيهات، فيما ارتفع الكيلوغرام من اللبن من نحو 5 إلى 8 جنيهات، ومع ذلك لاتزال نفقات المنزل كما هي عند 1500 جنيه، ومن المفترض أن تغطي احتياجات 4 أفراد.
وتحليلاً أكثر للواقع الذي يعيشه المصريون، تقول ندى محمود الباحثة في مجال الرأي العام:"يشهد المجتمع أزمات متعددة سواء بارتفاع الأسعار بمعدلات كبيرة تتجاوز 50% مرةً واحدة أو نقص في السلع بصورة مفاجئة رغم تمتعنا بوفرة منها، طوال عشرات السنين".
وتوضح أن المشهد الأبرز اليوم، هو تحريك الدولة للأسعار بسبب نقص احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي ما يتسبب في ارتفاع الدولار، ومن ثم بات المواطن يتابع أسعار الدولار بشكل يومي ويستعد لزيادة الأسعار.
وتؤكد محمود أن هناك أطرافاً أخرى تقف وراء هذه الأزمات وتحديداً من داخل الأجهزة الحكومية. وتتساءل كيف بعد أن فتحت الحكومة باب التصدير لفائض من الأرز الذي يُقدر بنحو مليون طن، نواجه الآن أزمة نقص الأرز تضطرنا إلى استيراد 80 ألف طن أرز بالعملة الصعبة.
وتقول:" تكرّر الأمر ذاته مع محصول القمح هذا العام، بعد أن تعرض جانب من المحصول للهدر وجانب آخر باعه الفلاحون للتجار بأسعار تنخفض عن سعر البيع للحكومة ثم قام التجار ببيعه بأسعار أعلى في السوق، نتيجة التعقيدات التي وضعتها الحكومة في إجراءات استلام القمح".
وتُوضح أنه في النهاية نضطر إلى استنزاف العملة الصعبة في استيراد كميات كبيرة من القمح كان يمكن توفير جزء منها محلياً، ثم بعد ذلك تخبرنا الحكومة بأنها ستضطر لرفع الأسعار بسبب الدولار.
ويعقب على حالة القلق التي تنتاب جميع فئات المجتمع، النائب السابق زياد العليمي على صفحته الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلاً: "إن عدم ثقة المصريين في الاقتصاد دفع بعضهم إلى التدافع لاستثمار أموالهم في وحدات سكنية، وفي الوقت ذاته اندلعت "خناقة" بين مواطنين آخرين من أجل الفوز بأكياس أرز بسعر مخفض".
ويضيف: "للأسف الكل سيدفع الثمن حتى المؤمنون بثورة يناير، ولكن الفارق الوحيد أن أبناء هذه الثورة هم المجموعة الوحيدة التي لن تتفاجأ بما سيحدث لأنهم أعلموا الجميع بما ستؤول إليه البلاد تحت منطق القوة الذي تستخدمه السلطة".
ربما هذا الجانب من القلق يخص الطبقة الكادحة من الشعب، ولكن ما الذي يدفع أبناء الطبقة الثرية وفوق المتوسطة للصراع والتشاجر لحجز وحدة سكنية بأسعار مرتفعة للغاية.
ويرجع الخبير العقاري أشرف ياسين هذا الموقف العجيب إلى سببين، أولهما أن الجميع على يقين بأن البنك المركزي سيخفض الجنيه مقابل الدولار إلى 10 جنيهات مقارنة بـ 8.83 جنيهات الآن، هذا يعني تآكل قيمة المدخرات.
ويضيف: "أما السبب الثاني هو أن الشركة العقارية أطلقت حملة إعلانية ضخمة لعبت على أزمة انتشار العشوائيات ورغبة بعض المواطنين في العيش وسط طبقة راقية، وعلى الراغب في هذه الحياة سداد مبلغ أكبر يبلغ 7 آلاف جنيه للمتر مقابل السعر السائد بنحو 5 آلاف جنيه".
وأسفر تدافع المواطنين على حجز وحدات المشروع إلى إعلان الشركة التي تمتلك المشروع بالشراكة مع الحكومة، أن سعر المتر المقدر بـ 7 آلاف جنيه مجرد سعر مبدئي، وبناءً عليه رفعت السعر في يومٍ واحد إلى 8500 جنيه.
ويشدد ياسين عبى أن هذه الطبقة على استعداد لدفع المزيد على أمل الحفاظ على قيمة المدخرات من التآكل، ثم إمكانية بيع الوحدات مستقبلاً بأسعار أعلى.
تحالف المصالح
ربما لا تكون هذه هي الأزمة المعيشية التي يعاصرها المصريون، فعلى مدار سنوات عديدة واجه المواطنون أزمات انخفاض الدخل وارتفاع الأسعار في المقابل. لكن الأزمة تفاقمت في ظل تنصل الحكومة من مسؤولياتها بإلغاء الدعم تدريجياً سواء الدعم المتعلق بالطاقة، أو المصانع أو تقليل مخصصات دعم السلع الغذائية.
والأشد من ذلك فتح الباب على مصراعيه أمام التجار والوكلاء ومجموعة من الشركات للمتاجرة بأوجاع المصريين، وذلك برفع الأسعار بطريقة جنونية تصل إلى الضعف بدعوى ارتفاع سعر الدولار، دون قيام الحكومة بأدنى واجباتها بالرقابة على الأسواق.
بل الأدهى من ذلك هو سماح الحكومة قبل أسبوعين لشركات الأدوية بزيادة أسعار الأدوية التي يقل سعرها عن 30 جنيهاً بنسبة 20% بدعوى خسارة الشركات نتيجة ارتفاع تكلفة المستحضرات الطبية بعد زيادة سعر الدولار، في حين أن نتائج أعمال شركات الأدوية تكشف عن تحقيق زيادة في أرباحها، بخلاف أن 10 شركات أجنبية تسيطر على أكثر من 50% من مبيعات سوق الأدوية البالغة 40 مليار جنيه سنوياً.
ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد بل تحايلت شركات الأدوية على قرار الحكومة وطبقت القرار على شريط الدواء وليس العبوة، ما يعني إضافة مبلغ الزيادة إلى الشريط الواحد وبذلك يرتفع ثمن علبة الدواء التي تضم 3 أشرطة بنسبة 60% وليس 20%. علماً بأن شريحة الأدوية التي خضعت للزيادة يحتاجها أصحاب الأمراض المزمنة التي تستشري بين المصريين مثل السكري والضغط. ولعل هذا ما يُفسر مقولة ربة المنزل بأن الحياة باتت صعبة والغد أصبح مُخيفاً.
من المستفيد؟
كما كان المستفيد من الارتفاع الجنوني للأسعار وإصابة المواطنين بالقلق من العجز عند تدبير الاحتياجات اليومية مجموعة من التجار والشركات إضافة إلى أطراف حكومية ذات صلة بالسلع الاستراتيجية مثل القمح والأرز، إذًا هناك أطراف أخرى مستفيدة من زحام المواطنين على مشروع سكني لم يتجاوز حتى الآن مرحلة المخطط العام ولم يشهد وضع حجر واحد حتى الآن.
كما أن كشّف هوية هذه الأطراف المستفيدة بدأ من حديث السيدة ريم مهنا التي تلقت اتصال من الشركة العقارية صاحبة المشروع يفيد بفتح باب الحجز، وهي دعوات توجه عادةً إلى فئة محدودة، ولكن السيدة فوجئت بتوجيه الدعوة إلى عدد كبير، وعندما طلبت الذهاب إلى مقهى للانتظار بدلاً من الوقوف في الشارع رفضت الشركة بدعوى أنها ستفقد بذلك دورها.
وتضيف مهنا: " اشتد الازدحام في الساعة التاسعة صباحاً وطلب مندوبو الشركة سداد الراغبين في الحجز مبلغ 100 ألف جنيه ثم ستعاود الشركة الاتصال بهم مرةً أخرى لتحرير العقود".
ويعلق الخبير العقاري أشرف ياسين على هذه الواقعة بأن سعر المتر ارتفع في يومٍ واحد من تاريخ فتح باب الحجز من 7 آلاف إلى 8500 ما يعني أن الشركة تعمدت استغلال حاجة الناس إلى توظيف مدخراتهم وقامت بالتخطيط لخلق زحام شديد من شأنه رفع أسعار الوحدات التي سيذهب 40% منها للشركة و60% للحكومة باعتبارها مساهمة بأرض المشروع.
ويؤكد أن هناك نوعين من الاستفادة للحكومة وأباطرة العقارات في مصر، الأولى استفادة آنية من الأرباح الهائلة التي سيحققها هذا المشروع، وهناك استفادة آخرى مستقبلية ستحققها الحكومة عند رفع أسعار مشروع وحدات الإسكان المتوسط الذي تقوم ببيعه للمواطنين، فضلاً عن الارتفاع المرتقب في أسعار المشروعات العقارية الخاصة بمعدلات تصل إلى 30%.
ولكن كان هناك رؤية آخرى تنذر بأن قلق الأثرياء والطبقة فوق المتوسطة لن ينتهي باقتناء وحدة سكنية فاخرة بل ستكون بداية لقلق أشد وطأة. وهو ما يفسره مدير الاستثمار أيمن إسماعيل بأن تهافت المواطنين على استثمار مدخراتهم في العقارات يساعد البعض بشكل مؤقت على بيع الوحدات بسعر أعلى وسيتكرر هذا البيع المُربح أكثر من مرة حتى يصل الملاك الجدد إلى مرحلة العجز عن بيع الوحدة.
ويوضح إسماعيل أن هذه الظاهرة تسمى عالمياً بالفقاعة العقارية والتي سبق أن حدثت في الولايات المتحدة الأميركية في العام 2008. ومن المرشح تكرار هذه الأزمة في مصر وسط الإقبال الحالي الكبير للمواطنين على شراء الوحدات حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار بشدة مع مرور الوقت وسيعجز أصحابها في مرحلة ما عن البيع نقدًا نظراً لوجود شركات عقارية تُقسط الوحدات على 10 سنوات.
ويتابع:" هنا سيضطر مُقتنو الشقق لبيعها بأسعار أقل، وسيتعرض المستثمرون في العقارات لخسائر وتحديدًا فئة المواطنين الذين اقترضوا من المصارف لسداد الدفعة المقدمة، وستنتشر هذه الحالة بين أصحاب العقارات حتى تتحول إلى ظاهرة تُسفر عن طرح عدد كبير من الوحدات للبيع بأسعار منخفضةً في وقتٍ واحد، وهو الأمر الذي يصيب المواطنين بالمزيد من القلق إزاء مصيرهم المستقبلي".