19 أكتوبر 2019
القوة المشتركة الساحلية والحامل الاجتماعي
يبقى الساحل المضطرب منطقة المفارقات. في الوقت الذي تعرف فيه المنطقة تعدّد المبادرات الأمنية، الإقليمية والدولية، تتصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، فضلاً عن الصراعات العرقية والطائفية والمشكلات الاقتصادية التي تتغذّى منها الحركات الجهادية والصراعات المحلية. على الرغم من التدخل الفرنسي في مالي في يناير/كانون الثاني 2013، وتمكّنه من وقف الزحف الجهادي نحو جنوب البلاد، وتضييقه الخناق على الجماعات الإرهابية، المتنقلة في الصحراء والساحل، لا تزال المنطقة تعرف قلاقل أمنية وسياسية معقدة. ويبدو أن المشهد يزداد تعقيداً، خصوصا أن الجماعات الإرهابية، المحلية والعابرة للحدود، فرضت حرب استنزاف على القوات الأجنبية والمحلية المنتشرة في الساحل. ما يطرح تساؤلاتٍ بشأن جدوى الانتشار العسكري، الإقليمي والدولي، لا سيما أن كلفته مرتفعة. صحيحٌ أن الوضع الأمني في الساحل لم يتحسّن، إلا أن في الأمر بعض الإجحاف في حق هذا الانتشار، لأنه يمكن عكس التساؤل: ماذا لو لم يكن هناك انتشار إقليمي ودولي أصلاً؟ لا يجادل اثنان في أنه لولا هذا الأخير، لكان وضع الساحل الأمني أسوأ بكثير.
أثبتت الاستراتيجيات الأمنية الحالية في الساحل عدم فعاليتها، وهي بحاجة ماسة وملحة لمراجعة جذرية. إذ يتعيّن الحدّ من العسكرة المفرطة في مواجهة الإرهاب، وإحلال التوازن بين
البعدين، العسكري والاقتصادي - التنموي، ومنح الغلبة لهذا الأخير تدريجياً. ذلك أن العسكرة تعبر بحد ذاتها عن فشل سياسي ذريع في معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعنف عموماً. كما أنها ظرفية، كونها تعالج الأعراض، لا الأسباب. لذا كل عملية لإحلال الأمن تعتمد على العسكرة أساساً أو حصراً، مآلها الفشل، لأنه بمجرّد توقف العمل العسكري يعود عدم الاستقرار وانعدام الأمن إلى وضعهما السابق.
وعليه، يكمن الرهان الإستراتيجي لكل المبادرات الأمنية في الساحل، في التوفيق بين المقتضيات العسكرية - الأمنية والمتطلبات الاجتماعية - الاقتصادية. أما الرهان الثاني، وربما يكون الأهم، لأن من دونه لن يستقيم أمر البعدين، العسكري والاجتماعي، فهو رهان الشرعية المحلية. رهان في غاية من الحساسية، لأنه يخص الحامل الاجتماعي للجماعات الممارسة للعنف في المنطقة، والحامل الاجتماعي لمختلف المبادرات في بعدها المحلي. وتعد الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة المالية أخيرا دلالة قوية على معضلة الشرعية والحامل الاجتماعي. فقد تظاهر ماليون نهاية الشهر الماضي (مايو/ أيار)، استجابة لنداء عدة جمعيات من المجتمع المدني، في باماكو، تنديداً بنقل مقر قيادة القوة المشتركة لمجموعة ساحل - 5 إلى العاصمة باماكو، اعتبر المتظاهرون أن مقر هذه القيادة يجب أن يكون في مسرح العمليات لمحاربة الجماعات الإرهابية شمالي مالي، وعلى قواتها أن تكون على الجبهة، وليس في وسط العاصمة باماكو.
تعبر هذه التظاهرات، وحتى الاعتصامات، عن مشكلة ثقة بين الشعب والقوة المشتركة الساحلية التي تفتقر إلى حامل اجتماعي يمنحها شرعية شعبية. من هذا المنظور، فشلها مزدوج؛ فهي لم تنجح، لا في حرمان الجماعات الإرهابية من حامل اجتماعي في المناطق الحدودية بالخصوص، ولا في كسب حامل اجتماعي لنفسها يمنحها الشرعية والثقل الشعبي. ومن ثم، فإن القوة المشتركة التي تعاني مشكلات ونقائص عملياتية جمة ومشكلات مالية، تواجه أيضاً معضلة شرعية وثقة شعبية.
ارتكبت القيادة العسكرية للقوة المشتركة لمجموعة ساحل - 5 خطأً استراتيجياً بقرارها نقل مقر قيادتها العسكرية إلى العاصمة باماكو، بعد أن تعرّض مقرها في سيفاري، وسط مالي، إلى
هجوم إرهابي واسع النطاق، دمره على آخره (ليست هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها من جماعات إرهابية). يعني قرار النقل بالنسبة للشعب المالي أن القوة المشتركة فرّت أمام الجماعات الإرهابية، وأن نقله إلى باماكو سيجعل الحي الذي سيقام فيه مستهدفاً من الجماعات الإرهابية. أي أنه عوض إحلال الأمن والاستقرار في وسط مالي، ها هي القوة المشتركة تنقل الأمن إلى باماكو بجعلها هدفاً للهجمات الإرهابي، كما أن نقل المقر يعني عموماً أن القوة المشتركة الساحلية فشلت في المهمة التي أوجدت من أجلها، أي محاربة الجماعات الإرهابية وإحلال الأمن والسلم في المنطقة. أما بالنسبة للجماعات الإرهابية، فإن هذا القرار يعني تراجع القوة المشتركة أمامها، وأن الهجمات الإرهابية الانتحارية لا تزال تحقق نتائج استراتيجية، ما سيجعل هذه الجماعات تزيد من وتيرتها. كما يعني أيضاً أن سكان المناطق التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية شمال البلاد الذين قد تكون القوة المشتركة نجحت في استمالتهم قد يعودون مجدّداً إلى هذه الجماعات، بعد أن فقدت القوة المشتركة مصداقيتها جرّاء تدمير مقر قيادتها.
لا مبالغة في القول إن الاحتجاجات على نقل مقر القيادة، والتي تدل على أن القوة المشتركة غير مرغوب فيها في باماكو، تعد ضربة موجعة سياسياً ومعنوياً لهذه القوة ولمجموعة ساحل - 5 عموماً، لأن الأمر يتعلق هنا بالحامل الاجتماعي لهذه القوة التي تم إنشاؤها في 2014، واستغرق تفعيلها أكثر من ثلاث سنوات.
أثبتت الاستراتيجيات الأمنية الحالية في الساحل عدم فعاليتها، وهي بحاجة ماسة وملحة لمراجعة جذرية. إذ يتعيّن الحدّ من العسكرة المفرطة في مواجهة الإرهاب، وإحلال التوازن بين
وعليه، يكمن الرهان الإستراتيجي لكل المبادرات الأمنية في الساحل، في التوفيق بين المقتضيات العسكرية - الأمنية والمتطلبات الاجتماعية - الاقتصادية. أما الرهان الثاني، وربما يكون الأهم، لأن من دونه لن يستقيم أمر البعدين، العسكري والاجتماعي، فهو رهان الشرعية المحلية. رهان في غاية من الحساسية، لأنه يخص الحامل الاجتماعي للجماعات الممارسة للعنف في المنطقة، والحامل الاجتماعي لمختلف المبادرات في بعدها المحلي. وتعد الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة المالية أخيرا دلالة قوية على معضلة الشرعية والحامل الاجتماعي. فقد تظاهر ماليون نهاية الشهر الماضي (مايو/ أيار)، استجابة لنداء عدة جمعيات من المجتمع المدني، في باماكو، تنديداً بنقل مقر قيادة القوة المشتركة لمجموعة ساحل - 5 إلى العاصمة باماكو، اعتبر المتظاهرون أن مقر هذه القيادة يجب أن يكون في مسرح العمليات لمحاربة الجماعات الإرهابية شمالي مالي، وعلى قواتها أن تكون على الجبهة، وليس في وسط العاصمة باماكو.
تعبر هذه التظاهرات، وحتى الاعتصامات، عن مشكلة ثقة بين الشعب والقوة المشتركة الساحلية التي تفتقر إلى حامل اجتماعي يمنحها شرعية شعبية. من هذا المنظور، فشلها مزدوج؛ فهي لم تنجح، لا في حرمان الجماعات الإرهابية من حامل اجتماعي في المناطق الحدودية بالخصوص، ولا في كسب حامل اجتماعي لنفسها يمنحها الشرعية والثقل الشعبي. ومن ثم، فإن القوة المشتركة التي تعاني مشكلات ونقائص عملياتية جمة ومشكلات مالية، تواجه أيضاً معضلة شرعية وثقة شعبية.
ارتكبت القيادة العسكرية للقوة المشتركة لمجموعة ساحل - 5 خطأً استراتيجياً بقرارها نقل مقر قيادتها العسكرية إلى العاصمة باماكو، بعد أن تعرّض مقرها في سيفاري، وسط مالي، إلى
لا مبالغة في القول إن الاحتجاجات على نقل مقر القيادة، والتي تدل على أن القوة المشتركة غير مرغوب فيها في باماكو، تعد ضربة موجعة سياسياً ومعنوياً لهذه القوة ولمجموعة ساحل - 5 عموماً، لأن الأمر يتعلق هنا بالحامل الاجتماعي لهذه القوة التي تم إنشاؤها في 2014، واستغرق تفعيلها أكثر من ثلاث سنوات.