رغم ما تعرض له الحرم القدسي الذي يشكل مكوّناً مركزياً من مركبات الصراع بأبعاده السياسية والتاريخية والدينية، ليس على المستوى الفلسطيني بل على المستوى العربي والإسلامي، من إجراءات صهيونية بعد عام 1967 لتغيير طابعه الإسلامي، في سياق فرض الرواية التوراتية اليهودية بعمقها التاريخي لأهداف سياسية، في إطار تمكين المشروع الصهيوني واصطناع روافد زائفة لبقائه وديمومته واقتناص الفرصة التاريخية، إلا أن ما يحدث وبوتيرة تصاعدية خلال الأشهر والسنوات القليلة الماضية في المدينة المقدسة والحرم القدسي بشكل خاص، يعتبر بمنطق الحقيقة والواقع أخطر مرحلة يمرّ بها، ليس منذ عقود بل منذ قرون، فالمخطط الصهيوني على وشك أن يصل إلى نهايته بإلغاء الملكية الحصرية الإسلامية العربية الفلسطينية للحرم، واستبدالها باليهودية التلمودية وتتويج ذلك ببناء الهيكل المزعوم مكان مسجد قبة الصخرة أو بجواره.
ولكن قبل الشروع في مسألة الحرم القدسي، يبرز على السطح تساؤل حول المتغيرات التي شجعت حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل على الاستعجال في حسم موضوع المدينة المقدسة، ومن ضمنها الحرم القدسي والمسجد الأقصى، في الواقع هناك ثلاثة أسباب رئيسية:
أولاً: فائض التطرف المتعاظم في المجتمع الإسرائيلي منذ نحو العقد لدى اليمين الصهيوني بشقيه الديني والعلماني، وأجواء المزايدات وحمّى التنافس بين النخب الحزبية اليمينية المتطرفة والأشد تطرفاً، مع زحف النخب المتطرفة المتسارع للاستحواذ على مكانة متقدمة ضمن مستويات القيادات العسكرية والأمنية والسياسية، مع نفوذ بمنحى تصاعدي للحاخامية الشرقية أو الغربية الأرثوذكسية ليس على المستوى السياسي بل المستوى الشعبي، ما شجع بعض الحاخامات بالمطالبة بتطبيق الشريعة اليهودية.
ثانياً: سعي اليمين الصهيوني الحاكم في إسرائيل إلى توظيف الإدارة الأميركية "المتصهينة" برئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي أكثر ما تمثل رؤى وتوجهات الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية (المؤمنة بالتوراة ومعارك نهاية التاريخ)، لحسم أبعاد الصراع وأبرزها القدس والمسجد الأقصى وتحقيق الحلم الصهيوني ببناء الهيكل المزعوم.
ثالثاً: شعور القيادة الصهيونية الزائف بظروف البيئة الاستراتيجية الإقليمية المريحة والمواتية المحيطة بالكيان، بعد الانقلاب العسكري في مصر والانتصار الكبير لمحور الثورة المضادّة، والهرولة العربية الرسمية نحو التطبيع وخاصة من معسكر الثورة المضادة (الإمارات، السعودية، مصر، البحرين)، وقلب سلّم الأولويات باستبدال العدوّ الرئيسي للأمة العربية والإسلامية وهو الكيان الصهيوني بإيران، وهو ما أضفى شعوراً بالثقة لدى الصهاينة بحيث دفعهم ذلك للإسراع في حسم مسألة مدينة القدس والمسجد الأقصى، دون الخشية من ردة فعل عربية أو إسلامية مدوّية بحجم المسجد الأقصى.
وبالعودة للحرم القدسي والمشروع الصهيوني بالسيطرة عليه، فقد تطلعت الحكومات المتعاقبة وبإسناد من جماعات ما يسمى "جبل الهيكل" الدينية المتطرفة بعد احتلال مدينة القدس عام 1967 إلى السيطرة التدريجية، بدءاً بفرض الوجود الأمني داخل أسوار المسجد وتكثيف الوجود اليهودي وصولاً إلى التقسيم الزماني والمكاني، وليس انتهاءً ببناء ما يسمى "معبد الهيكل" المزعوم. وشرعت إسرائيل بعد الاحتلال مباشرة إلى هدم حارة الغاربة الإسلامية جنوب غرب الحرم، وإقامة ساحة واسعة في مقابل حائط البراق، تحولت إلى قبلة دينية وممارسة الطقوس ونيل البركات وقسم الولاء للمجندين الجدد في الجيش الإسرائيلي بمسمى رمزي توراتي "حائط المبكى"، ولتطويق الحرم من الأمن الإسرائيلي سيطرت الشرطة على مبنى في الجدار الشمالي لمسجد قبة الصخرة وتحويله إلى مقر لشرطة الاحتلال، والسيطرة على مبنى المدرسة التنكزية المملوكية الواقع عند باب السلسلة الملاصق للجدار الغربي للحرم الشريف والمشرف على ساحات المسجد الأقصى وساحة البراق، وتحويله إلى مقر آخر للشرطة الإسرائيلية. لكن اقتحامات المسجد من المستوطنين ومن يسمون "أمناء جبل الهيكل" بدأت مبكراً في آب/ أغسطس 1970 في ذكرى "خراب الهيكل"، وتحولت إلى طقس سنوي بعد ذلك، وعلى خلفية تدنيس رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون للحرم القدسي عام 2000، والهبّة الجماهيرية التي أعقبت ذلك وتحولت إلى انتفاضة، وضع الاحتلال يده على باب المغاربة الذي يصل الحرم بحائط البراق بادعاء ضمان حرية العبادة للجميع.
ولم يختلف الأمر أسفل الحرم عما فوقه، فقد تواصلت الحفريات بهدف إنشاء "مدينة داوود" تحت الأرض بشبكة من الأنفاق، تمتد لمئات من الأمتار تتخللها عشرات الكنس في مختلف جهات أسفل الحرم، مع تواصل مع أنفاق تحت البلدة القديمة تصل إلى بلدة الطور، ويبدو أن المخطط الصهيوني أسفل الحرم حقق أهدافه بعيداً عن أعين العالم.
ولكن هذه الانتهاكات ومحاولات كسر الوضع القائم، المتمثل بالملكية الإسلامية الخالصة والوصاية الهاشمية الأردنية التي تقصر إدارة الحرم على الأوقاف الأردنية، كانت تسير بحذر شديد وبخطوات صغيرة مترددة ضمن سياق حسابات ردة الفعل الغربية، والإسلامية والعربية بالتحديد، وتبعات العنف الصهيوني وسقوط الشهداء في باحات الحرم القدسي بعد محاولات لتغيير الوضع القائم أو اقتحامات واعتداءات من المستوطنين، كما حدث من إطلاق جنود الاحتلال النار على المصلين في باحات الحرم في 12 أيار/ مايو 1988، واستشهاد 22 فلسطينياً وجرح نحو 200 آخرين في 8 آب/ أغسطس 1990 في باحات الحرم، وانتفاضة النفق عام 1996، وانتفاضة الأقصى المسلحة التي جاءت ردة فعل على تدنيس رئيس الوزراء الصهيوني لأرض الحرم.
التسارع بعد عام 2013
تحفز اليمين الصهيوني بكافة تشكيلاته بقيادة بنيامين نتنياهو، ولظروف استراتيجية داخلية وإقليمية ودولية مواتية أشرنا لها سابقاً بعد عام 2013 للانخراط دون هوادة أو تردد في مشروع تصفية القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في البلدة القديمة في مدينة القدس، وقد سارت خطوات حكومة اليمين الصهيوني بأذرعها المؤسساتية الرسمية القضائية والتشريعية والتنفيذية، وما تسمى جماعات "جبل الهيكل"، وتشكيلات منوعة من المستوطنين بنظام أساسي وبخطوط متوازية لتنفيذ المشروع، ومن أبرزها:
تكثيف الاقتحامات والتقسيم الزماني والمكاني
سارت جماعات "بناء الهيكل" والمستوطنين وبغطاء أمني وإسناد سياسي بخطوات متدحرجة وتصاعدية لتكثيف الوجود اليهودي التوراتي في الحرم القدسي عبر سلسلة مخططة من الاقتحامات، كانت تقتصر على مناسبات وأعياد يهودية محددة، لكنها تحولت إلى ظاهرة شبه يومية وبأعداد مئوية حتى وصل عدد المقتحمين في يوم عيد الأضحى المبارك إلى 1600 مستوطن مقتحم، فقد بلغ عدد المقتحمين عام 2009 نحو 6 آلاف، بينما عام 2016 14.626 ألفاً، وعام 2017 نحو 25.600 ألفاً، وعام 2018 ارتفع إلى نحو 30 ألفاً أي بزيادة نحو 17%، يبدأ مسار المستوطنين في الاقتحام من باب المغاربة غرباً، مروراً بمحاذاة المُصلى القبلي، ومن ثمّ السير باتجاه السور الشرقيّ للمسجد حيث يقف المقتحمون جنوب باب الرحمة، في مقابل الصخرة المشرفة، لتلقّي إرشادات حول المكانة الدينية اليهودية لمسجد قبة الصخرة ومحيطه، ثم يسيروا بمحاذاة السور الشمالي للمسجد، وجنوباً حتى باب القطانين، للوقوف برهة للتأمل والصلاة، وفي النهاية يغادر المستوطنون الحرم من باب السلسلة.
من الواضح أن المخطط الصهيوني للاقتحامات يهدف إلى خلق أرضية نفسية لدى المسلمين، بتقبل وجود يهودي في الحرم، وهو محاولة لاستنساخ تجربة سيطرة اليهود على نصف الحرم الإبراهيمي، وتحويله إلى كنيس يهودي في إطار توظيف حدث مذبحة الحرم عام 1994، ويخطط الصهاينة في المرحلة القادمة إلى تقسيم مكاني بالسيطرة على الجزء الشرقي من باحات الحرم الذي يمتد من أمام المصلى المرواني حتى باب الأسباط، الذي يشكل 25% من مساحة الحرم في مقابل مقبرة بوابة الرحمة لممارسة الشعائر التوراتية على غرار ما يحدث في "حائط المبكى".
التضييق على المسلمين
في مقابل تعزيز اقتحامات المستوطنين فرض الاحتلال إجراءات تحدّ من الوجود الفلسطيني، فقد أصدر الاحتلال قراراً في 15 آب/ أغسطس 2015 بتجريم المرابطين والمرابطات والمشاركين في حلقات العلم، وعلى إثره تصاعدت حملات الطرد والاعتقال والتنكيل للمرابطين وموظفي الأوقاف وحراس الحرم، وقد بلغ عدد من أبعدتهم سلطات الاحتلال عام 2016 نحو 258 من المرابطين والمصلين وموظفي دائرة الأوقاف.
باب الرحمة
في تكرار لسيطرة الاحتلال على باب المغاربة، أصدرت محكمة الاحتلال عام 2017 قراراً يقضي بإغلاق مبنى مقر لجنة التراث الإسلامي السابق المقابل مباشرة لمسجد قبة الصخرة، وقامت الشرطة الصهيونية بتدنيس المكان عدة مرات ومصادرة أي مقتنيات للمسلمين من خزانات وسواتر في إطار خطة إسلامية لتفعيله، وفي تطور لافت اقتحم العشرات من موظفي سلطة الآثار الإسرائيلية مصلى باب الرحمة، وأخذوا قياساته بكافة جدرانه الداخلية والخارجية، والتقطوا صوراً لجميع جوانب المصلى من الداخل.
تمكين المستوطنين
شهدت الدعاية الصهيونية للسيطرة على الحرم تحولاً كبيراً، من كونها أنها كانت تتم في الغرف المغلقة، إلى خطاب علني رسمي مدعوم من أعلى المستويات السياسية، فقد دعا وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد اردان؛ عضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت"، في 13 آب/ أغسطس 2019 إلى "تغيير الوضع القائم" في المسجد الأقصى، بحيث "يتمكن اليهود من أداء طقوسهم التوراتية، في "جبل الهيكل"، وأكد أن "صلاة اليهود يجب أن تسمح فردية أو جماعية، سواء في مكان مفتوح أو مغلق".
كل المؤشرات على الأرض في الحرم القدسي الشريف، وكل الخطوات المحدودة والمتراكمة التي تنفذها إدارة الاحتلال في سياق مشروع السيطرة على الحرم، وطبيعة الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة بالكيان، تؤدي إلى مرحلة جدّية وحاسمة لتسريع مخطط التقسيم الزماني والمكاني الذي يمهد لبناء الهيكل المزعوم والسيطرة الكاملة على الحرم، وما هي إلا بضع سنين ليصحو المسلمون على معاول الصهاينة تضرب المسجد الأقصى وتشيد الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد.
ولكن قبل الشروع في مسألة الحرم القدسي، يبرز على السطح تساؤل حول المتغيرات التي شجعت حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل على الاستعجال في حسم موضوع المدينة المقدسة، ومن ضمنها الحرم القدسي والمسجد الأقصى، في الواقع هناك ثلاثة أسباب رئيسية:
أولاً: فائض التطرف المتعاظم في المجتمع الإسرائيلي منذ نحو العقد لدى اليمين الصهيوني بشقيه الديني والعلماني، وأجواء المزايدات وحمّى التنافس بين النخب الحزبية اليمينية المتطرفة والأشد تطرفاً، مع زحف النخب المتطرفة المتسارع للاستحواذ على مكانة متقدمة ضمن مستويات القيادات العسكرية والأمنية والسياسية، مع نفوذ بمنحى تصاعدي للحاخامية الشرقية أو الغربية الأرثوذكسية ليس على المستوى السياسي بل المستوى الشعبي، ما شجع بعض الحاخامات بالمطالبة بتطبيق الشريعة اليهودية.
ثانياً: سعي اليمين الصهيوني الحاكم في إسرائيل إلى توظيف الإدارة الأميركية "المتصهينة" برئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي أكثر ما تمثل رؤى وتوجهات الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية (المؤمنة بالتوراة ومعارك نهاية التاريخ)، لحسم أبعاد الصراع وأبرزها القدس والمسجد الأقصى وتحقيق الحلم الصهيوني ببناء الهيكل المزعوم.
ثالثاً: شعور القيادة الصهيونية الزائف بظروف البيئة الاستراتيجية الإقليمية المريحة والمواتية المحيطة بالكيان، بعد الانقلاب العسكري في مصر والانتصار الكبير لمحور الثورة المضادّة، والهرولة العربية الرسمية نحو التطبيع وخاصة من معسكر الثورة المضادة (الإمارات، السعودية، مصر، البحرين)، وقلب سلّم الأولويات باستبدال العدوّ الرئيسي للأمة العربية والإسلامية وهو الكيان الصهيوني بإيران، وهو ما أضفى شعوراً بالثقة لدى الصهاينة بحيث دفعهم ذلك للإسراع في حسم مسألة مدينة القدس والمسجد الأقصى، دون الخشية من ردة فعل عربية أو إسلامية مدوّية بحجم المسجد الأقصى.
وبالعودة للحرم القدسي والمشروع الصهيوني بالسيطرة عليه، فقد تطلعت الحكومات المتعاقبة وبإسناد من جماعات ما يسمى "جبل الهيكل" الدينية المتطرفة بعد احتلال مدينة القدس عام 1967 إلى السيطرة التدريجية، بدءاً بفرض الوجود الأمني داخل أسوار المسجد وتكثيف الوجود اليهودي وصولاً إلى التقسيم الزماني والمكاني، وليس انتهاءً ببناء ما يسمى "معبد الهيكل" المزعوم. وشرعت إسرائيل بعد الاحتلال مباشرة إلى هدم حارة الغاربة الإسلامية جنوب غرب الحرم، وإقامة ساحة واسعة في مقابل حائط البراق، تحولت إلى قبلة دينية وممارسة الطقوس ونيل البركات وقسم الولاء للمجندين الجدد في الجيش الإسرائيلي بمسمى رمزي توراتي "حائط المبكى"، ولتطويق الحرم من الأمن الإسرائيلي سيطرت الشرطة على مبنى في الجدار الشمالي لمسجد قبة الصخرة وتحويله إلى مقر لشرطة الاحتلال، والسيطرة على مبنى المدرسة التنكزية المملوكية الواقع عند باب السلسلة الملاصق للجدار الغربي للحرم الشريف والمشرف على ساحات المسجد الأقصى وساحة البراق، وتحويله إلى مقر آخر للشرطة الإسرائيلية. لكن اقتحامات المسجد من المستوطنين ومن يسمون "أمناء جبل الهيكل" بدأت مبكراً في آب/ أغسطس 1970 في ذكرى "خراب الهيكل"، وتحولت إلى طقس سنوي بعد ذلك، وعلى خلفية تدنيس رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون للحرم القدسي عام 2000، والهبّة الجماهيرية التي أعقبت ذلك وتحولت إلى انتفاضة، وضع الاحتلال يده على باب المغاربة الذي يصل الحرم بحائط البراق بادعاء ضمان حرية العبادة للجميع.
ولم يختلف الأمر أسفل الحرم عما فوقه، فقد تواصلت الحفريات بهدف إنشاء "مدينة داوود" تحت الأرض بشبكة من الأنفاق، تمتد لمئات من الأمتار تتخللها عشرات الكنس في مختلف جهات أسفل الحرم، مع تواصل مع أنفاق تحت البلدة القديمة تصل إلى بلدة الطور، ويبدو أن المخطط الصهيوني أسفل الحرم حقق أهدافه بعيداً عن أعين العالم.
ولكن هذه الانتهاكات ومحاولات كسر الوضع القائم، المتمثل بالملكية الإسلامية الخالصة والوصاية الهاشمية الأردنية التي تقصر إدارة الحرم على الأوقاف الأردنية، كانت تسير بحذر شديد وبخطوات صغيرة مترددة ضمن سياق حسابات ردة الفعل الغربية، والإسلامية والعربية بالتحديد، وتبعات العنف الصهيوني وسقوط الشهداء في باحات الحرم القدسي بعد محاولات لتغيير الوضع القائم أو اقتحامات واعتداءات من المستوطنين، كما حدث من إطلاق جنود الاحتلال النار على المصلين في باحات الحرم في 12 أيار/ مايو 1988، واستشهاد 22 فلسطينياً وجرح نحو 200 آخرين في 8 آب/ أغسطس 1990 في باحات الحرم، وانتفاضة النفق عام 1996، وانتفاضة الأقصى المسلحة التي جاءت ردة فعل على تدنيس رئيس الوزراء الصهيوني لأرض الحرم.
التسارع بعد عام 2013
تحفز اليمين الصهيوني بكافة تشكيلاته بقيادة بنيامين نتنياهو، ولظروف استراتيجية داخلية وإقليمية ودولية مواتية أشرنا لها سابقاً بعد عام 2013 للانخراط دون هوادة أو تردد في مشروع تصفية القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في البلدة القديمة في مدينة القدس، وقد سارت خطوات حكومة اليمين الصهيوني بأذرعها المؤسساتية الرسمية القضائية والتشريعية والتنفيذية، وما تسمى جماعات "جبل الهيكل"، وتشكيلات منوعة من المستوطنين بنظام أساسي وبخطوط متوازية لتنفيذ المشروع، ومن أبرزها:
تكثيف الاقتحامات والتقسيم الزماني والمكاني
سارت جماعات "بناء الهيكل" والمستوطنين وبغطاء أمني وإسناد سياسي بخطوات متدحرجة وتصاعدية لتكثيف الوجود اليهودي التوراتي في الحرم القدسي عبر سلسلة مخططة من الاقتحامات، كانت تقتصر على مناسبات وأعياد يهودية محددة، لكنها تحولت إلى ظاهرة شبه يومية وبأعداد مئوية حتى وصل عدد المقتحمين في يوم عيد الأضحى المبارك إلى 1600 مستوطن مقتحم، فقد بلغ عدد المقتحمين عام 2009 نحو 6 آلاف، بينما عام 2016 14.626 ألفاً، وعام 2017 نحو 25.600 ألفاً، وعام 2018 ارتفع إلى نحو 30 ألفاً أي بزيادة نحو 17%، يبدأ مسار المستوطنين في الاقتحام من باب المغاربة غرباً، مروراً بمحاذاة المُصلى القبلي، ومن ثمّ السير باتجاه السور الشرقيّ للمسجد حيث يقف المقتحمون جنوب باب الرحمة، في مقابل الصخرة المشرفة، لتلقّي إرشادات حول المكانة الدينية اليهودية لمسجد قبة الصخرة ومحيطه، ثم يسيروا بمحاذاة السور الشمالي للمسجد، وجنوباً حتى باب القطانين، للوقوف برهة للتأمل والصلاة، وفي النهاية يغادر المستوطنون الحرم من باب السلسلة.
من الواضح أن المخطط الصهيوني للاقتحامات يهدف إلى خلق أرضية نفسية لدى المسلمين، بتقبل وجود يهودي في الحرم، وهو محاولة لاستنساخ تجربة سيطرة اليهود على نصف الحرم الإبراهيمي، وتحويله إلى كنيس يهودي في إطار توظيف حدث مذبحة الحرم عام 1994، ويخطط الصهاينة في المرحلة القادمة إلى تقسيم مكاني بالسيطرة على الجزء الشرقي من باحات الحرم الذي يمتد من أمام المصلى المرواني حتى باب الأسباط، الذي يشكل 25% من مساحة الحرم في مقابل مقبرة بوابة الرحمة لممارسة الشعائر التوراتية على غرار ما يحدث في "حائط المبكى".
التضييق على المسلمين
في مقابل تعزيز اقتحامات المستوطنين فرض الاحتلال إجراءات تحدّ من الوجود الفلسطيني، فقد أصدر الاحتلال قراراً في 15 آب/ أغسطس 2015 بتجريم المرابطين والمرابطات والمشاركين في حلقات العلم، وعلى إثره تصاعدت حملات الطرد والاعتقال والتنكيل للمرابطين وموظفي الأوقاف وحراس الحرم، وقد بلغ عدد من أبعدتهم سلطات الاحتلال عام 2016 نحو 258 من المرابطين والمصلين وموظفي دائرة الأوقاف.
باب الرحمة
في تكرار لسيطرة الاحتلال على باب المغاربة، أصدرت محكمة الاحتلال عام 2017 قراراً يقضي بإغلاق مبنى مقر لجنة التراث الإسلامي السابق المقابل مباشرة لمسجد قبة الصخرة، وقامت الشرطة الصهيونية بتدنيس المكان عدة مرات ومصادرة أي مقتنيات للمسلمين من خزانات وسواتر في إطار خطة إسلامية لتفعيله، وفي تطور لافت اقتحم العشرات من موظفي سلطة الآثار الإسرائيلية مصلى باب الرحمة، وأخذوا قياساته بكافة جدرانه الداخلية والخارجية، والتقطوا صوراً لجميع جوانب المصلى من الداخل.
تمكين المستوطنين
شهدت الدعاية الصهيونية للسيطرة على الحرم تحولاً كبيراً، من كونها أنها كانت تتم في الغرف المغلقة، إلى خطاب علني رسمي مدعوم من أعلى المستويات السياسية، فقد دعا وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد اردان؛ عضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت"، في 13 آب/ أغسطس 2019 إلى "تغيير الوضع القائم" في المسجد الأقصى، بحيث "يتمكن اليهود من أداء طقوسهم التوراتية، في "جبل الهيكل"، وأكد أن "صلاة اليهود يجب أن تسمح فردية أو جماعية، سواء في مكان مفتوح أو مغلق".
كل المؤشرات على الأرض في الحرم القدسي الشريف، وكل الخطوات المحدودة والمتراكمة التي تنفذها إدارة الاحتلال في سياق مشروع السيطرة على الحرم، وطبيعة الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة بالكيان، تؤدي إلى مرحلة جدّية وحاسمة لتسريع مخطط التقسيم الزماني والمكاني الذي يمهد لبناء الهيكل المزعوم والسيطرة الكاملة على الحرم، وما هي إلا بضع سنين ليصحو المسلمون على معاول الصهاينة تضرب المسجد الأقصى وتشيد الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد.