أعادت المظاهرات في الجزائر عقارب الساعة نحو ساعة النصر تحت راية وطنية واحدة، وزاد مع المسيرات منسوب تواصل الجزائريين تحت رايتهم الوطنية ووحدتهم تحت ألوانها الثلاثة الأحمر والأبيض والأخضر، لكن الراية العزيزة على قلوب الجزائريين تحولت في خضم الحراك الشعبي إلى مصدر رزق لعدد من الشباب ممن وجدوا في بيعها في مسيرات الجمعة تجارة مربحة.
واهتدى أحد الشباب العاطلين إلى فكرة بيع الراية الوطنية وبكل الأشكال، وربما هي المرة الأولى التي يباع فيها العلم الجزائري بهكذا كثافة، فلم تشهد الجزائر مثل ذلك إلا لما تأهل الفريق الجزائري لكرة القدم إلى كأس العالم بالبرازيل في 2014، لتتحول المسيرات إلى أخضر وأحمر وأبيض.
وتراوح سعر الرايات بين نصف دولار للأعلام الصغيرة أو تلك التي توضع على الأعناق، وأقل من دولار للأعلام ذات الحجم المتوسط، وفي أحيان كثيرة يتسامح الشاب البائع مع المتظاهرين ليسلمهم الأعلام بأي مبلغ يريدون، وهناك من اشترى الكثير وأهداها رفقة وردة للنساء في عيدهن العالمي.
وتفنن البعض في تجهيز العشرات من الرايات الوطنية وبمختلف الأحجام، وعرضها للبيع في الأرصفة بالقرب من ساحة أول مايو وساحة أودان في قلب العاصمة الجزائرية، حيث يمكن للباعة أن يقتنصوا الفرصة لربح بعض المال.
غير أن الكثيرين اعتبروا بيعها فرصة سانحة لكل الجزائريين اليوم أن يحصلوا على راية يضعونها وساماً في الشرفات، مثلما تقول سمية بن صاري لـ"العربي الجديد" بأنها "أغلى من أي ثمن، وتزيدنا تعلقاً بالبلد وبالشهداء رحمهم الله الذين دفعوا الغالي والنفيس لأجل تحرير الوطن، مضيفة أنها اقتنت ثلاث رايات بكل فخر وحب".
البعض من المتظاهرين، جعلوا من الراية الوطنية شعارهم اليومي، إذ اقتنوا راية كبيرة تزيد عن 20 متراً ليتم حملها من مجموعة من الشباب ويطوفون بها الشوارع خلال هذا اليوم "يوم الكرامة".
ومع نهاية المسيرات تفرغ الشباب لتنظيف الشوارع من البقايا والنفايات التي خلّفتها المظاهرات، في خطوة ايجابية أبانت عن وعي مدني لافت و"الاهتمام بإعطاء الصورة الحقيقية لجيل اليوم"، مثلما يعبر روابحية محمد البشير، 29 سنة، لـ"العربي الجديد" حيث يقول "قررت أنا وزملائي بعد كل مسيرة القيام بتنظيف الشوارع والمساهمة في أن يكون هذا الحراك ليس فقط متمحوراً حول مطالب سياسية ولكن أيضاً أن تكون صحوة في الوعي والسلوك"، وأضاف أنه "يريد أن يرى بلداً مزدهراً وقوياً وشبابه أكثر وعياً ولهم آمال في العيش".
صور ومشاهد طيبة عرفها الحراك الشعبي اليومي، إذ حرص الكثيرون على توزيع التمور والبرتقال والورود على النساء والمياه المعدنية أيضاً، فيما تكفل الشباب في لفتة منظمة اتفق عليها العشرات منهم لتنظيف الشوارع والأحياء قبل منتصف الليل ومساعدة عمال النظافة الذين "وجدوا أنفسهم ملوكاً أكثر من الملك"، مثلما يصف أحد العمال في تصريح لـ"العربي الجديد" قائلاً "البركة في الشباب".
وحرصت العائلات على توفير الأكياس وتوزيعها على الشبان، في مختلف أحياء العاصمة، وهو مشهد لا يتكرر مراراً ومثال يُحتذى به في نشر الوعي.
وتداول النشطاء على صفحات الفضاء الافتراضي وخصوصاً "فيسبوك" صوراً منوعة لعمليات التنظيف التي شهدتها الشوارع في مختلف الولايات الجزائرية من أجل نشر الوعي والصحوة في "ثقافة التغيير".
ويعي الشباب أن التغيير يمر عبر مثل هذه المشاهد "الجميلة التي صنعها الجزائريون في تنظيف الشوارع والاهتمام بأن تكون المسيرات سلمية وأخوية" مثلما تقول السيدة رشيدة قادري لــ"العربي الجديد"، مضيفة "التضامن والتّلاحم والتعاون والتكاتف" أيضاً.
ويأمل الجزائريون أن تكون هذه اللّفتة عقب المسيرات "ثقافة يومية"، إذ يعتقد نور الدين صاولي في تصريح مماثل أن "بناء الدولة لن يكون في غضون أيام أو بالأماني وانتظار الفرج، بل يكون عبر التأثير على الشباب أولاً وعلى الأسرة ثانياً وعلى المحيط ثالثاً، لتصبح هذه الأفعال البسيطة تقليداً يومياً في حياتنا العادية".
اكتملت الصورة خلال المسيرات، واختلف الكثيرون في مطالبهم في الحراك الاجتماعي، واتفقوا على أهم المطالب لسحب ترشيح الرئيس بوتفليقة للرئاسيات، بينما تبقى أجمل صورة هي تلك التي يصنعها الشباب وتتوحد فيها الكلمة.