27 أكتوبر 2024
المعارضة السورية في حساب الربح والخسارة
تبدأ خلال ساعات في مدينة جنيف السويسرية المداولات "السورية" التفاوضية التي ترعاها كل من روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية عبر ممثلتهما، الأمم المتحدة. ويشارك في هذه الجولة الجديدة التي تنطلق، بعد نجاحٍ نسبيٍّ لهدنةٍ فُرضَت أيضاً من رعاة الحقل السياسي الدولي الجديد، وفدا المعارضة السورية والنظام السوري إلى جانب وفود متنوعة أخرى لزوم المشهد. ويصل إلى المدينة السويسرية تباعاً أعضاء وفد المعارضة السورية، بانتظار أن يصبح وفوداً بمساعٍ حميدة من الروس، وبغض نظرٍ من الأميركيين، وبعجزٍ أصبح مرادفاً للسياسة الخارجية الأوروبية، وبموقف أممي انتظاري لا "يهشّ ولا ينشّ".
كما تصل مجموعات مدنية سورية تضافرت الجهود الحميدة، والأقل حمداً، لتشريكها في المباحثات، بصفة استشارية و/أو رقابية. وتعكس هذه المشاركة حالة انبثاقٍ جديدٍ لمجتمع مدني سوري، تم تغييبه عن العمل العام أكثر من أربعة عقود. وهي مشاركة تسلّط الضوء في الآن نفسه، على إشكاليةٍ تؤسس لاختلافٍ جوهريٍ في تعريف موقف هذا الجسم المدني الجديد والمتنوع والمتكاثر بغزارة. فمن جهة بعض الساعين إلى حصد إيجابيات الظهور والتخلي عن أوجاع المواقف، يجري لدى بعضهم ترويج مفهوم "حيادية" المجتمع المدني السوري إزاء أطراف المقتلة. ومن جهة أخرى، وهي الغالبة، لدى الواعين بأدوارهم وبضرورة التزامهم بالقيم الأساسية التي على أي عمل عام أن يستند إليها، وهي الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة، على الأقل، الذين يتشبثون باستقلاليتهم بعيداً عن هلامية تعريف الحيادية الذي يتناسب نظرياً مع مجتمعات متطورة أو مجتمعاتٍ تعاني من تصارع قوى متوازية القوة، وفي مواقع مواجهة مصيرية.
يحضر وفد النظام السوري مزوّداً بالتوجيهات الأميرية من مرسليه، كما من رعاته الروس، كما من داعميه الإيرانيين. موقف رسمي سوري متشعب الولاءات، سيعكس في تصريحاته وفي مناوراته الارتياح النسبي الذي استفادت منه قواته في أثناء الهدنة والتقدم النسبي أيضاً الذي لم تكن لتحققه على الأرض من دون القصف الجوي الروسي المستمر، على الرغم من الهدنة. كما سيكون الارتياح النسبي مرافقاً للوفد الرسمي نتيجة لهلامية الموقف الدولي وخضوعه شبه الكامل للفاعل الروسي الذي يستعيد موقعه قطباً أساسياً عالمياً متمرّداً بحنكة وتنظيم.
بعد أن فقدت المعارضة، نتيجة عوامل متشابكة، أية قدرة على التقدم عسكرياً، وبعد أن
أصبحت أيضاً محرومة من أي إسنادٍ حقيقي من داعمين وهميين، وبعد أن وقعت في مطب محاباة بعض الظلاميين الذين يجتمعون مع النظام، على أن عدوتهم الأولى هي الحرية، وبعد أن تشتتت قواها في صراعاتٍ داخليةٍ، ساهم العامل الخارجي في تأجيجها، من خلال الاستقطابات والعطاءات، وساهم ضعف الشعور بالمسؤولية الوطنية في توطينها في القول وفي الممارسة، بعد هذا كله وسواه، تجد هذه المعارضة نفسها في موقع المُفاوض الذي تخلى عنه كل "أشقائه وأصدقائه"، إلا كلامياً.
الحقل السياسي مفتوح لكل الاحتمالات السيئة والأقل سوءاً، لكنه بالتأكيد لم يعد مفتوحاً للاحتمالات الجيدة لعموم السوريين. وفي ظل التخلي الدولي والإقليمي والعربي عما تم الادّعاء يوماً بدعمه، يبدو أنه صار لزاماً على المفاوضين التحلي بالمرونة الضرورية للحصول على أقل الخسائر، حتى لا نتحدث عن مكتسبات. وعليهم أن لا "يتشاطروا" في رفض بعض الصيغ، ليعودوا و"يلحسوا" رفضهم، بعد تدخل الفاعلين المؤثرين بشحطة قلم أو بمكالمة صاخبة.
صار من الضروري التمكّن من مسارات عملية التفاوض وعدم انتظار المعجزات التي لا تحصل إلا في الأفلام. وما خروج آلاف السوريين إلى شوارع التظاهر السلمي مجدداً إلا محفّز قوي، إن أُحسنت قراءة حمولته الرمزية، على الاستناد إلى مجتمعٍ حي وواعٍ.
لا ينتظرن المفاوضون والمفاوضات أن يخرج المتظاهرون بلافتات "الهيئة تمثلني"، كما كانوا يأملون عندما كتبوا "المجلس الوطني يمثلني" أو "الائتلاف الوطني يمثلني"، لأن الثائر لا يُلدغ من جحرٍ مرتين. يمثل المفاوضون حقوقاً يجب تحصيل ما استطاعوا إليه منها سبيلاً دونما الاستئثار أو الادعاء. صار الأجدر بهم أن يملكوا ناصية "فن" التفاوض، بعد أن انشغلت هيئاتهم طويلاً في فن المماحكات والشطارات. عليهم أن لا يلتفتوا كثيراً إلى بروز بعض الهلاميات الطفيلية على سطح مستنقع الموقف الدولي الراكد، من أمثال شخصياتٍ أُريد لها أن تُشارك، كمعارضة "وطنية" مستباحة الموقف.
إن مجتمعاً مدنياً سورياً منبثقاً من تحت الرماد المادي والأمني كطائر العنقاء يدعم قضية شعبه باستقلالية ملتزمة، من دون حيادية، وشعباً ما زال ثائراً على الاستبداد بكل تلاوينه السياسية والدينية، مجدداً مطالباته التي خرج بها منذ خمس سنوات سلمياً في ساحات البلاد، وجيلاً شاباً يتأمل خيراً في نهاية نفق الموت والدمار، هم يقفون كلهم مع الحرية والسلام، ومع من يسعى في مناكبهما، معتمداً على "الحقوق الشرعية" للشعب السوري "المحتل" من قوى السوء، مهما اختلفت تعريفاتها.
على الرغم من الخسائر المحسوسة للمعارضة السورية ميدانياً وسياسياً، إلا أنها ما زالت، إن اجتمعت لديها مقومات الإرادة، قادرة على الاعتماد على زخم شعبي ملموس ومتجدد، يحلم بغدٍ أكثر حرية وانعتاقاً من وجهي عملة الاستبداد، السياسي والديني.
كما تصل مجموعات مدنية سورية تضافرت الجهود الحميدة، والأقل حمداً، لتشريكها في المباحثات، بصفة استشارية و/أو رقابية. وتعكس هذه المشاركة حالة انبثاقٍ جديدٍ لمجتمع مدني سوري، تم تغييبه عن العمل العام أكثر من أربعة عقود. وهي مشاركة تسلّط الضوء في الآن نفسه، على إشكاليةٍ تؤسس لاختلافٍ جوهريٍ في تعريف موقف هذا الجسم المدني الجديد والمتنوع والمتكاثر بغزارة. فمن جهة بعض الساعين إلى حصد إيجابيات الظهور والتخلي عن أوجاع المواقف، يجري لدى بعضهم ترويج مفهوم "حيادية" المجتمع المدني السوري إزاء أطراف المقتلة. ومن جهة أخرى، وهي الغالبة، لدى الواعين بأدوارهم وبضرورة التزامهم بالقيم الأساسية التي على أي عمل عام أن يستند إليها، وهي الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة، على الأقل، الذين يتشبثون باستقلاليتهم بعيداً عن هلامية تعريف الحيادية الذي يتناسب نظرياً مع مجتمعات متطورة أو مجتمعاتٍ تعاني من تصارع قوى متوازية القوة، وفي مواقع مواجهة مصيرية.
يحضر وفد النظام السوري مزوّداً بالتوجيهات الأميرية من مرسليه، كما من رعاته الروس، كما من داعميه الإيرانيين. موقف رسمي سوري متشعب الولاءات، سيعكس في تصريحاته وفي مناوراته الارتياح النسبي الذي استفادت منه قواته في أثناء الهدنة والتقدم النسبي أيضاً الذي لم تكن لتحققه على الأرض من دون القصف الجوي الروسي المستمر، على الرغم من الهدنة. كما سيكون الارتياح النسبي مرافقاً للوفد الرسمي نتيجة لهلامية الموقف الدولي وخضوعه شبه الكامل للفاعل الروسي الذي يستعيد موقعه قطباً أساسياً عالمياً متمرّداً بحنكة وتنظيم.
بعد أن فقدت المعارضة، نتيجة عوامل متشابكة، أية قدرة على التقدم عسكرياً، وبعد أن
الحقل السياسي مفتوح لكل الاحتمالات السيئة والأقل سوءاً، لكنه بالتأكيد لم يعد مفتوحاً للاحتمالات الجيدة لعموم السوريين. وفي ظل التخلي الدولي والإقليمي والعربي عما تم الادّعاء يوماً بدعمه، يبدو أنه صار لزاماً على المفاوضين التحلي بالمرونة الضرورية للحصول على أقل الخسائر، حتى لا نتحدث عن مكتسبات. وعليهم أن لا "يتشاطروا" في رفض بعض الصيغ، ليعودوا و"يلحسوا" رفضهم، بعد تدخل الفاعلين المؤثرين بشحطة قلم أو بمكالمة صاخبة.
صار من الضروري التمكّن من مسارات عملية التفاوض وعدم انتظار المعجزات التي لا تحصل إلا في الأفلام. وما خروج آلاف السوريين إلى شوارع التظاهر السلمي مجدداً إلا محفّز قوي، إن أُحسنت قراءة حمولته الرمزية، على الاستناد إلى مجتمعٍ حي وواعٍ.
لا ينتظرن المفاوضون والمفاوضات أن يخرج المتظاهرون بلافتات "الهيئة تمثلني"، كما كانوا يأملون عندما كتبوا "المجلس الوطني يمثلني" أو "الائتلاف الوطني يمثلني"، لأن الثائر لا يُلدغ من جحرٍ مرتين. يمثل المفاوضون حقوقاً يجب تحصيل ما استطاعوا إليه منها سبيلاً دونما الاستئثار أو الادعاء. صار الأجدر بهم أن يملكوا ناصية "فن" التفاوض، بعد أن انشغلت هيئاتهم طويلاً في فن المماحكات والشطارات. عليهم أن لا يلتفتوا كثيراً إلى بروز بعض الهلاميات الطفيلية على سطح مستنقع الموقف الدولي الراكد، من أمثال شخصياتٍ أُريد لها أن تُشارك، كمعارضة "وطنية" مستباحة الموقف.
إن مجتمعاً مدنياً سورياً منبثقاً من تحت الرماد المادي والأمني كطائر العنقاء يدعم قضية شعبه باستقلالية ملتزمة، من دون حيادية، وشعباً ما زال ثائراً على الاستبداد بكل تلاوينه السياسية والدينية، مجدداً مطالباته التي خرج بها منذ خمس سنوات سلمياً في ساحات البلاد، وجيلاً شاباً يتأمل خيراً في نهاية نفق الموت والدمار، هم يقفون كلهم مع الحرية والسلام، ومع من يسعى في مناكبهما، معتمداً على "الحقوق الشرعية" للشعب السوري "المحتل" من قوى السوء، مهما اختلفت تعريفاتها.
على الرغم من الخسائر المحسوسة للمعارضة السورية ميدانياً وسياسياً، إلا أنها ما زالت، إن اجتمعت لديها مقومات الإرادة، قادرة على الاعتماد على زخم شعبي ملموس ومتجدد، يحلم بغدٍ أكثر حرية وانعتاقاً من وجهي عملة الاستبداد، السياسي والديني.