أبدت الأحزاب المغربية في الحملة الانتخابية للمجالس المحلية والجهوية التي انطلقت بداية الأسبوع الجاري، نوعاً من السخاء في الوعود، التي تجاوز بعضها الإلحاح على سلامة ونزاهة التدبير المحلي، والالتزام بتوفير النقل العمومي والشغل والسكن وإنعاش اتخاذ المبادرة الذاتية في مجال المقاولة، بالإضافة إلى التأكيد على تطلّعها إلى توفير العديد من البنيات التحتية ذات العلاقة بالترفيه والثقافة بالنسبة لجميع الفئات من الشباب إلى الشيوخ.
وانطلقت، السبت الماضي، الحملات الخاصة بالانتخابات المحلية والجهوية، التي ستُجرى يوم 4 سبتمبر/ أيلول المقبل، وأعلنت وزارة الداخلية عن أن عدد الترشيحات المقدمة من قبل 25 حزباً للانتخابات الجماعية وصل إلى 130925 مرشحاً، من أجل شغل 31503 مقاعد في المجالس المحلية، بينما وصلت الترشيحات المقدمة لمجالس الجهات إلى 7588 ترشيحاً، حيث توزعت تلك الترشيحات على 895 لائحة.
ووصف المراقبون الوعود الحزبية بأنها عامة أو متجاوزة للحيّز المحلي كي تصبح من اختصاص الحكومة، فلم يتردد حزب الاستقلال المعارض في الالتزام بتوفير مساكن للإيجار، ووعد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يوجد ضمن الائتلاف الحكومي، بالسكن وإنعاش التشغيل والمقاولة.
وشدّد حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة الحالية، على توجهه نحو وضع نظام شفاف للتوظيف في الإدارات المحلية وترشيد نفقاتها الاستهلاكية واسترجاع أراضيها المخصصة للاستثمار التي لم يتم استغلالها، ووعد بإحداث مراكز للإيواء وتوفير فضاءات للاستجمام.
ولم تشذ الأحزاب الأخرى عن هذا الإطار، وإن كان بعضها يسعى إلى التأكيد على عدم إطلاق الوعود التي لا يمكن تحقيقها.
وأوضح الملك محمد السادس، في خطابه يوم الخميس الماضي، أن الحكومة مسؤولة تحت قيادة رئيسها عن ضمان تنفيذ القوانين، وعن وضع السياسات العمومية، والمخططات القطاعية في مختلف المجالات، كما أن الإدارة موضوعة تحت تصرفها، ومن واجبها تحسين الخدمات الإدارية، لكنه شدد على أن "الحكومة ليست مسؤولة عن مستوى الخدمات التي تقدمها المجالس المنتخبة".
وفي الخطاب، الذي انتقد فيه الملك الأعضاء المنتخبين بالمحليات بشكل غير مسبوق بسبب اختفائهم عن الدوائر الانتخابية بعد التصويت لخدمة مصالحهم، شدد على أن المنتخبين هم المسؤولون عن الخدمات الإدارية والاجتماعية التي يحتاجها المواطنون، في الجماعة أو الجهة".
ويعتبر الاقتصادي محمد لشكر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن النوايا التي تكشف عنها الأحزاب السياسية في حملتها الانتخابية، لا يمكن أن يكون لها معنى، رغم سخائها، إذا لم تبيّن تلك الأحزاب الطريقة التي تريد الوصول بها لتحقيق الأهداف التي ترسمها.
اقرأ أيضاً: المال الانتخابي هاجس يقلق الحكومة والأحزاب بالمغرب
وكانت دراسة أنجزها "المركز المغربي للظرفية" الحكومي، أشارت إلى أن 3 جهات محلية فقط من بين 16 جهة حسب التقسيم السابق، تمكنت من خفض معدل البطالة في العشرة أعوام الأخيرة، فجهة الدار البيضاء التي تعتبر أول منطقة اقتصادية في المملكة، خفضت معدل البطالة من 21.7% إلى 10.5%. وهي الملاحظة نفسها التي يبديها المركز بالنسبة لجهة الرباط.
غير أن وضعية البطالة تبدو مقلقة في جهات أخرى، حسب المركز، الذي يشير إلى نموج مدينة مكناس التي تصل فيها النسبة إلى 19.6%، ومكناس التي تبلغ البطالة فيها نسبة 18.9%، بينما قفز معدل البطالة في جهة طنجة في عشرة أعوام من 13 إلى 17%.
واعتبرت مديرية الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد والمالية، أن التطور الذي يعرفه المغرب في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا يخفي الفوارق بين الجهات، وهي فوارق تبدو صارخة عندما تشير المديرية إلى أن جهات الدار البيضاء وفاس والرباط، تستقطب طبيباً واحداً لكل 660 نسمة، بينما يصل ذلك العدد إلى 4000 في بعض الجهات الأخرى.
ويعتبر البعض أن التعاطي مع الجماعات المحلية باعتبارها شريكاً للدولة من المؤسسات العمومية، تلعب دوراً اقتصادياً واجتماعياً، يستدعي إعادة النظر في مواردها المالية. هذا ما سجله حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض، الذي يلفت الانتباه إلى أن "مجموع مصاريف الإدارات المحلية انتقلت من 1.3 مليار دولار في 2000 إلى مليار دولار في 2013، وهو مستوى ضعيف إذا ما قورن، في تصور الحزب، ببلدان رائدة في مجال المحليات.
وينتظر أن يحتدم الصراع أكثر على رئاسة الجهات، حيث يراد من التصور الجديد أن يكون محركاً للتنمية الاقتصادية عبر المجالس المنتخبة التي ستصبح لها اختصاصات تقريرية وتنفيذية.
وستتحول الجهات لاختصاصات الدولة من البنيات التحتية والتجهيزات في مجال الصناعة، والصحة، والتجارة، والتعليم، والثقافة، والرياضة والطاقة والماء والبيئة.
وستعمد الدولة إلى تخصيص مواد للجهات من أجل إنجاز مشاريعها، حيث ستعتمد مقاربة تدريجية، على اعتبار أنها ستخصص لها 5% من الضريبة على الشركات، و5% من إيرادات الضريبة على الدخل، و 20% من الرسم المفروض على عقود التأمينات، كما يمكن للجهات اللجوء إلى الاقترض وسن ضرائب محلية والاستفادة من مساهمة صندوق التضامن الجهوي.
وذهب الاقتصادي المغربي إدريس الفينا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه إذا سويت مشاكل تسيير الجماعات المحلية والجهات والمدن، يمكن للمغرب أن يحقق معدل نمو إضافي يصل إلى 2% من الناتج الإجمالي، ما يعني أن ذلك المعدل يمكن أن يراوح بين 5 و7%، حسب مستوى التساقطات المطرية وأداء القطاعات غير الزراعية.
ويخشى سياسيون من أن يفسد المال الحرام الانتخابات، وهو ما أكد عليه العاهل المغربي، الذي دعا إلى عدم التصويت لمن يدفع الدراهم ويبيع الوعود الكاذية، وفي الوقت نفسه حمّلت جمعيات مغربية الحكومة مسؤولية ضمان نزاهة الانتخابات المقبلة ومواجهة المفسدين.
اقرأ أيضاً:
اقتصاد المغرب ينتعش صيفاً بأموال المغتربين
اقتصاد المغرب ينتعش صيفاً بأموال المغتربين