يخاف أهالي تلاميذ بعض القرى السودانية الواقعة على نهر النيل من غرقهم فيه، خلال رحلة انتقالهم اليومية الخطيرة إلى المدرسة ومنها، باستخدام مراكب بسيطة، أسقط غرقها العديد من الضحايا في الفترة الأخيرة
لم تكن آية تتوقّع أنّها سوف تُحرَم من استكمال دراستها، في هذا العام. هي كانت تحلم ببلوغ المرحلة الثانوية قريباً، غير أنّ أسرتها منعتها قبل نحو 40 يوماً من الذهاب إلى المدرسة، خوفاً عليها من الغرق في نهر النيل. وآية التي تسكن في قرية الروم السودانية، على بعد 630 كيلومتراً شمال الخرطوم، اعتادت اجتياز النيل في مركب صغير للتوجّه إلى قرية كبنة التي تبعد خمسة كيلومترات من قريتها. هناك، تقع مدرستها وهي المدرسة الوحيدة في المنطقة.
اقــرأ أيضاً
أتى قرار الأسرة بعد حادثة غرق مركب بالنيل في 25 أغسطس/ آب الماضي، راح ضحيّتها أكثر من 20 تلميذاً وتلميذة هم زملاء آية في المدرسة، من بينهم أربع تلميذات شقيقات. ولم تكن أسرة آية وحدها التي قررت حرمان أولادها من الدراسة في مقابل "الحفاظ على حياتهم"؛ فقد قرر أهالي قريتَي الروم والعجولة، تحديداً، منع كل أبنائهم التلاميذ وعددهم 124 من الذهاب إلى المدرسة، في انتظار تنفيذ الوعود التي أطلقتها الحكومة بعد أيام من الحادثة، بوضع حدّ للمخاطر التي يتعرّض لها التلاميذ من جرّاء استخدام النهر في تنقّلاتهم من المدرسة وإليها، بصورة نهائية وجذرية.
بالتزامن مع التعاطف الكبير مع أسر الضحايا، الذي عبّر عنه أهالي المنطقة، سُجّلت انتقادات واسعة استهدفت السلطات المحلية والمركزية. يُذكر أنّ الرئيس السوداني عمر البشير زار المنطقة المنكوبة وأدّى واجب العزاء وطالب ببناء مدرسة نموذجية مختلطة في القرية، بينما أعلن تكفّله بعُمرة محرّم لآباء الضحايا وأمهاتهم. أمّا والي نهر النيل، حاتم الوسيلة، فقد أعلن تكفّله بحجّ الآباء والأمهات المقبل، إلى جانب تعهّده بتوفير أطواق نجاة لكلّ المراكب العاملة في النهر.
يقول محمد حسن عمر، والد آية، لـ"العربي الجديد"، إنّه منع ابنته وكذلك ابنه أحمد من الذهاب إلى المدرسة، مؤكداً أنّه لن يتراجع عن قراره إلا بعد أن يضمن لهما وسائل نقل آمنة، في حين يلفت إلى إمكانية متابعتهما تعليمهما في مدرسة بقريتهما في حال وُجدت. ويعبّر عن "أسفي الشديد إزاء الوعود التي أطلقتها الجهات المختصة بحلّ المشكلة. كلّ شيء ذهب مع الريح بمجرّد انتهاء مراسم العزاء". ويوضح عمر أنّ الأهالي قرروا إنشاء مدرسة مؤقتة، على أن يتكفلوا بكل نفقات البناء. وسوف يؤمنون مدرّسين من أبناء المنطقة، إمّا من الخريجين الجامعيين وإمّا من معلمي المعاش، الذين أعلنوا استعدادهم لتعليم التلاميذ من دون مقابل. لكنّه يشير إلى أنّ "المسؤولين في محليّة البحيرة لم يصادقوا حتى اليوم على ذلك"، مستنكراً "عدم ردهم على اتصالاتنا الهاتفية".
من جهته، يقول الناشط علي الكليس لـ"العربي الجديد" إنّه "ليس ثمّة جديد بالنسبة إلى تنقل أبنائنا في المراكب بعد مضي أكثر من 40 يوماً على حادثة غرق التلاميذ، باستثناء استلام أصحاب المراكب أطواق نجاة تبرّع بها والي ولاية نهر النيل"، مؤكداً أنّ ذلك "لم يقلل من الخوف الذي تملّك الأسر بعد الحادثة". ويشير إلى أنّ الولاية أرسلت كذلك مراكب جديدة لكنّها لم تكن عملية. يضيف الكليس أنّه "تمّ إسكان مجموعة من تلاميذ المرحلة الثانوية في مجمّعات سكنية في قرية كبنة، حيث المدرسة. لكنّ الواحد منهم يدفع 400 جنيه سوداني (نحو 25 دولاراً أميركياً) شهرياً، وهو مبلغ مرهق للأسر، خصوصاً مع الفقر المنتشر في المنطقة".
ويحذّر الكليس من "ضياع مستقبل التلاميذ والتلميذات ودخولهم في نفق مظلم نتيجة تغيّبهم عن الدراسة، خصوصاً أنّ من بينهم تلاميذ في الصفوف النهائية لمرحلة الأساس ومن المتوقع خضوعهم لامتحان الشهادة بعد أشهر قليلة. لذا، اتصلنا بالمجلس الأعلى للطفولة من أجل تجهيز مدرسة مؤقتة في المنطقة". ويلفت إلى أنّ "أبناء مناطق أخرى ما زالوا يعبرون يومياً 10 كيلومترات في عرض مياه النيل، خصوصاً في قريتَي الفرسيب والسويقات، وعددهم نحو 35 تلميذاً". ويدعو الكليس إلى "شقّ طريق بري يسمح للتلاميذ بالذهاب إلى المدرسة عبره، بعدما كانت المراكب تنقلهم بمحاذاة الشاطئ. كذلك، يطالب الأهالي بتخطيط القرى وجمعها في منطقة واحدة، الأمر الذي يسمح بتوفير كل الخدمات التعليمية والصحية. ولا بدّ من تأمين خدمة الكهرباء، لا سيّما وأنّنا قريبون جداً من سدّ مروي الذي شيّد على أراضينا ولم نُكافَأ بمدّ التيار الكهربائي على الرغم من قربنا منه".
اقــرأ أيضاً
في السياق، يوضح وزير التربية والتعليم في ولاية نهر النيل، علي محجوب، لـ"العربي الجديد" أنّ "حكومة الولاية وزّعت نحو 300 ألف سترة وطوق نجاة على كل المحليات، وجهّزت كذلك محليات البحيرة وبربر والمتمة وأبو حمد بمراكب تتمتّع بالمواصفات المطلوبة". يضيف أنّ "الحكومة أصدرت قرارات صارمة بتفتيش ومراجعة كل المراكب النهرية العاملة والتأكد من سلامتها وتوفّر أدوات السلامة فيها". وحول إمكانية إنشاء مدارس جديدة كحلّ نهائي، يقول محجوب إنّ وزارته "مستعدة تماماً لذلك، شرط تأمين العدد المطلوب من التلاميذ"، مشيراً إلى أنّ "ثمّة قرى تضمّ عدداً قليلاً جداً من التلاميذ، بالتالي لا تستطيع الوزارة توفير متطلباتها من مدرّسين وخلافه". ويتوقّع محجوب "الانتهاء من المدرسة التي التزم بإنشائها الرئيس البشير بحلول نهاية العام الجاري، على أن تفتح أبوابها للتلاميذ في العام الدراسي المقبل".
لم تكن آية تتوقّع أنّها سوف تُحرَم من استكمال دراستها، في هذا العام. هي كانت تحلم ببلوغ المرحلة الثانوية قريباً، غير أنّ أسرتها منعتها قبل نحو 40 يوماً من الذهاب إلى المدرسة، خوفاً عليها من الغرق في نهر النيل. وآية التي تسكن في قرية الروم السودانية، على بعد 630 كيلومتراً شمال الخرطوم، اعتادت اجتياز النيل في مركب صغير للتوجّه إلى قرية كبنة التي تبعد خمسة كيلومترات من قريتها. هناك، تقع مدرستها وهي المدرسة الوحيدة في المنطقة.
أتى قرار الأسرة بعد حادثة غرق مركب بالنيل في 25 أغسطس/ آب الماضي، راح ضحيّتها أكثر من 20 تلميذاً وتلميذة هم زملاء آية في المدرسة، من بينهم أربع تلميذات شقيقات. ولم تكن أسرة آية وحدها التي قررت حرمان أولادها من الدراسة في مقابل "الحفاظ على حياتهم"؛ فقد قرر أهالي قريتَي الروم والعجولة، تحديداً، منع كل أبنائهم التلاميذ وعددهم 124 من الذهاب إلى المدرسة، في انتظار تنفيذ الوعود التي أطلقتها الحكومة بعد أيام من الحادثة، بوضع حدّ للمخاطر التي يتعرّض لها التلاميذ من جرّاء استخدام النهر في تنقّلاتهم من المدرسة وإليها، بصورة نهائية وجذرية.
بالتزامن مع التعاطف الكبير مع أسر الضحايا، الذي عبّر عنه أهالي المنطقة، سُجّلت انتقادات واسعة استهدفت السلطات المحلية والمركزية. يُذكر أنّ الرئيس السوداني عمر البشير زار المنطقة المنكوبة وأدّى واجب العزاء وطالب ببناء مدرسة نموذجية مختلطة في القرية، بينما أعلن تكفّله بعُمرة محرّم لآباء الضحايا وأمهاتهم. أمّا والي نهر النيل، حاتم الوسيلة، فقد أعلن تكفّله بحجّ الآباء والأمهات المقبل، إلى جانب تعهّده بتوفير أطواق نجاة لكلّ المراكب العاملة في النهر.
يقول محمد حسن عمر، والد آية، لـ"العربي الجديد"، إنّه منع ابنته وكذلك ابنه أحمد من الذهاب إلى المدرسة، مؤكداً أنّه لن يتراجع عن قراره إلا بعد أن يضمن لهما وسائل نقل آمنة، في حين يلفت إلى إمكانية متابعتهما تعليمهما في مدرسة بقريتهما في حال وُجدت. ويعبّر عن "أسفي الشديد إزاء الوعود التي أطلقتها الجهات المختصة بحلّ المشكلة. كلّ شيء ذهب مع الريح بمجرّد انتهاء مراسم العزاء". ويوضح عمر أنّ الأهالي قرروا إنشاء مدرسة مؤقتة، على أن يتكفلوا بكل نفقات البناء. وسوف يؤمنون مدرّسين من أبناء المنطقة، إمّا من الخريجين الجامعيين وإمّا من معلمي المعاش، الذين أعلنوا استعدادهم لتعليم التلاميذ من دون مقابل. لكنّه يشير إلى أنّ "المسؤولين في محليّة البحيرة لم يصادقوا حتى اليوم على ذلك"، مستنكراً "عدم ردهم على اتصالاتنا الهاتفية".
من جهته، يقول الناشط علي الكليس لـ"العربي الجديد" إنّه "ليس ثمّة جديد بالنسبة إلى تنقل أبنائنا في المراكب بعد مضي أكثر من 40 يوماً على حادثة غرق التلاميذ، باستثناء استلام أصحاب المراكب أطواق نجاة تبرّع بها والي ولاية نهر النيل"، مؤكداً أنّ ذلك "لم يقلل من الخوف الذي تملّك الأسر بعد الحادثة". ويشير إلى أنّ الولاية أرسلت كذلك مراكب جديدة لكنّها لم تكن عملية. يضيف الكليس أنّه "تمّ إسكان مجموعة من تلاميذ المرحلة الثانوية في مجمّعات سكنية في قرية كبنة، حيث المدرسة. لكنّ الواحد منهم يدفع 400 جنيه سوداني (نحو 25 دولاراً أميركياً) شهرياً، وهو مبلغ مرهق للأسر، خصوصاً مع الفقر المنتشر في المنطقة".
ويحذّر الكليس من "ضياع مستقبل التلاميذ والتلميذات ودخولهم في نفق مظلم نتيجة تغيّبهم عن الدراسة، خصوصاً أنّ من بينهم تلاميذ في الصفوف النهائية لمرحلة الأساس ومن المتوقع خضوعهم لامتحان الشهادة بعد أشهر قليلة. لذا، اتصلنا بالمجلس الأعلى للطفولة من أجل تجهيز مدرسة مؤقتة في المنطقة". ويلفت إلى أنّ "أبناء مناطق أخرى ما زالوا يعبرون يومياً 10 كيلومترات في عرض مياه النيل، خصوصاً في قريتَي الفرسيب والسويقات، وعددهم نحو 35 تلميذاً". ويدعو الكليس إلى "شقّ طريق بري يسمح للتلاميذ بالذهاب إلى المدرسة عبره، بعدما كانت المراكب تنقلهم بمحاذاة الشاطئ. كذلك، يطالب الأهالي بتخطيط القرى وجمعها في منطقة واحدة، الأمر الذي يسمح بتوفير كل الخدمات التعليمية والصحية. ولا بدّ من تأمين خدمة الكهرباء، لا سيّما وأنّنا قريبون جداً من سدّ مروي الذي شيّد على أراضينا ولم نُكافَأ بمدّ التيار الكهربائي على الرغم من قربنا منه".
في السياق، يوضح وزير التربية والتعليم في ولاية نهر النيل، علي محجوب، لـ"العربي الجديد" أنّ "حكومة الولاية وزّعت نحو 300 ألف سترة وطوق نجاة على كل المحليات، وجهّزت كذلك محليات البحيرة وبربر والمتمة وأبو حمد بمراكب تتمتّع بالمواصفات المطلوبة". يضيف أنّ "الحكومة أصدرت قرارات صارمة بتفتيش ومراجعة كل المراكب النهرية العاملة والتأكد من سلامتها وتوفّر أدوات السلامة فيها". وحول إمكانية إنشاء مدارس جديدة كحلّ نهائي، يقول محجوب إنّ وزارته "مستعدة تماماً لذلك، شرط تأمين العدد المطلوب من التلاميذ"، مشيراً إلى أنّ "ثمّة قرى تضمّ عدداً قليلاً جداً من التلاميذ، بالتالي لا تستطيع الوزارة توفير متطلباتها من مدرّسين وخلافه". ويتوقّع محجوب "الانتهاء من المدرسة التي التزم بإنشائها الرئيس البشير بحلول نهاية العام الجاري، على أن تفتح أبوابها للتلاميذ في العام الدراسي المقبل".