الهزائم والانتصارات ليست أقداراً

16 ابريل 2015
+ الخط -

يتابع العرب والعالم بذهول "الانتصارات الكاسحة" لجيش الدولة الإسلامية، (داعش)، في سورية والعراق وكردستان العراق، واكتساحه مساحات واسعة من مدن كبرى، مثل الموصل وتكريت والحسكة ودير الزور، وقواعد عسكرية مهمة، بل إن قواته تقاتل في غوطة دمشق وغربي بغداد وقرب أربيل.
هذا الجيش الظلامي، المشكّل من غلاة التكفيريين، حصل على معظم تسليحه ممّا استولى عليه من قواعد ومعسكرات في سورية والعراق، وتمويله من بنوك الدولة والخاصة التي استولى عليها في المدن التي اكتسحها، ولا شك أن هناك علامات استفهام كبيرة بشأن الصعود السريع لداعش، ما يستوجب تحليله من اختصاصيين، وهو ما يتم أساساً من مراكز البحوث الغربية.

لكن الوجه الآخر لانتصارات جيش داعش، على الرغم من وحشيته وانحطاطه، باستهداف المدنيين من مسلمين ومسيحيين وأقليات دينية وعرقية أخرى، هو الهزائم المنكرة للجيوش الثلاثة (السوري والعراقي والكردي)، بل الاستسلام المخزي لعشرات الآلاف من قوات الجيش العراقي من دون قتال، وانسحابات عشوائية للقوات السورية والعراقية والكردية، في وجه هجمات "داعش"، بحيث لم تكن هناك معارك حقيقية.
على ماذا يدل ذلك؟ هناك دلالات عديدة، منها، ومن أهمها، العقيدة العسكرية للجيوش العربية هي أن عدوها في الداخل، أي الشعب والمعارضة، وليس العدو الخارجي "إسرائيل" أو غيرها.

وعلى ذلك، تترتب أمور عديدة تدخل في صلب تركيبة هذه الجيوش وإعدادها وانتشارها واحترافيتها. العقيدة العسكرية للجيوش العربية هي المحافظة على النظام الحاكم والحزب الحاكم. وبالطبع، يتبدّل هذا النظام الحاكم في ضوء الانقلابات وغيرها. وهو ليس الدولة الوطنية المستقرة التي لا تتأثر بتغيّر في الحزب، أو الائتلاف الحاكم، كما في الدول الديمقراطية، بل إن النظام العربي الحاكم هو مجموعة ائتلاف مصالح ذاتية، هدفها سرقة كل شيء في البلد، والإعلان أنه يحمي البلد ويحمي الشعب، وهو يحتكر السلطة والثروة. ولحماية الحزب وزعمائه الذين طلبوا من المستعمر والمحتل العون لهم في سرقة البلد، فإنه لا بد من تأمين أجهزة الأمن والاستخبارات، بل لا بد من ضمان القوات المسلحة، عقيدةً وتركيباً ومهماتٍ، لحماية مصالح من يعتبرون أنفسهم حزباً حاكماً.
ويتم التحكّم في بنية القوات المسلحة من خلال كبار الضباط والأركان، وهؤلاء، في معظمهم، ليسوا بأحسن الكفاءات؛ فالولاء هو الأساس، ثم إن التوجه ليس لبناء قوات ذات قدرة هجومية، وإنما المهم هو وجود قوات برية متمركزة داخل المدن الكبرى، وخصوصاً العاصمة، لمواجهة أي تحرك شعبي ضد النظام. وبالفعل، استنفرت هذه القوات، وخاضت قتالاً طويلاً، أو سريعاً، ضد خصوم، وهم شعبه، كما جرى في عدة بلدان عربية. وحتى في هذه المهمة، فشلت هذه الجيوش، أحياناً. وتفكّكت سريعاً بفعل الطابع اللامبدئي للتجنيد والترقية، كما حدث في دول عربية، ويحدث إلى حدٍّ ما في اليمن وغيرها، على الرغم من أنها تواجه قوات غير نظامية، أضعف منها عدةً وعدداً.
هذا وغيره هو ما يفسّر التراجع السريع لقوات الجيوش العربية التي أُطنب في الحديث عن قدراتها الخارقة. إنها جيوش لا تتبنى عقيدة وطنية، وتركيبتها ليست وطنية شاملة، وقياداتها ليست كفوءة، وليست وطنية. علينا، اليوم، أن نقف وقفة صدق، فالهزائم والانتصارات ليست صدفة وليست قدراً.                                                                                              
        

FDF8F55F-5737-47A6-BD00-382ACFCF02EF
FDF8F55F-5737-47A6-BD00-382ACFCF02EF
نائل أبو مروان (فلسطين)
نائل أبو مروان (فلسطين)