عجيبة غريبة أمور قضية الوطن

10 ابريل 2015
+ الخط -

كل هذه العجائب والغرائب في الوطن، وساستنا يتصارعون أمام الكاميرات، ويتبادلون الاتهامات، كل منهم يحمل الآخر مسؤولية الإخفاقات والنكبات والآهات التي تصيب الوطن. السيد الرئيس يتهم السيد رئيس الوزراء، والسيد الرئيس يرد على الاتهامات بأقسى العبارات. هذا يدعو إلى اجتماعات، وذاك يدعو إلى عدم الاستجابة، ويرد الآخر بشتى التبريرات. الكل يدعو إلى مقاطعة الطرف الآخر، ولعبة جر الحبل بين الشد والشد مستمرة، وقطعوا أحبال المودة، وأكثروا من العقد، حتى بات حبل الوصل مقطوعاً، أو معقوداً بعقدة التنكيل بالآخر.
السياسة فراسة، أيها السادة، والفراسة نوعان، الفراسة (بكسر الفاء) التي تمنح صاحبها الرأي الصائب، بالتفريق بين الحق والباطل، بين الصادق والكاذب، ويكاد أن يرى الأشياء مكاشفة، وهذا نوع من أنواع الإيمان الرباني. وهذه الفراسة تختلف عن الفَراسة (فتح الفاء) الذي هو حذق ركوب الخيل، أو الفروسية، وما أجمل أن يجمع المرء بين الفضيلتين معاً، فيكون فارساً مغواراً شجاعاً ومتفرساً في آن واحد. وتشترك الاثنتان معا في مواصفات إنسانية كثيرة، منها الشجاعة والحلم والصبر والعفو عند المقدرة، ودرء الفتن، وصدق في الحديث، ووفاء في العهود واحترام للمواثيق. بناء الفراسة كبناء الولاية والإمارة والسياسة، منها ما يولد مع الإنسان، صفات فطرية قابلة للتطوير والتطور، ومنها ما يكتسب بالعلم والتجربة والتعلم.
الفراسة، أيها الساسة، هي مكاشفة النفس، ومعاينة القلب، والتقرب مما هو في الغيب، والنظر بعين إيمانية، تستشرف المستقبل، وتحدد المخاطر، وترسم طرق النجاة، فأين ساستنا من فراسة المكاشفة والمعاينة والتفرس؟ ما يحدث، اليوم، من تناحر في السلطات والإكثار من المناكفات السياسية والتناطح الإعلامي بين هذا وذاك، جعلنا في حيرة من أمرهم، وكيف لنا ان نصفهم أو نثق بهم؟ فتبادل التهم بينهم أفقد ثقة المواطن بهم. تبادل التهم في ما بينهم لا يعفي أياً منهم من وزر الوطن وشعبه أنهم جميعا شركاء في القرار، وشركاء في المسؤولية. أيها الساسة، نواباً كنتم أم وزراء شرقيين، أم غربيي الولاء، اعلموا أنكم لستم أغلى من طفل في هذا الوطن، أو رب عائلةٍ لا يجد شيئاً يحمي أطفاله وعائلته. خلافاتكم شاهد على فشلكم جميعاً. لم يعد باستطاعتنا أن نعطي المزيد من نذور الدم ودعم الأعمى، من أجل هذا السياسي أو ذاك، أعطينا الكثير من الدماء والأبناء، وصعدت الأرواح إلى السماء، تشكو جحودكم ونكرانكم، وتجاهلكم هذا الشعب والوطن.
أيها السادة، السياسة فراسة، بفتح الفاء، ومن ضمن ما تعنيه تحلي الفارس بالخلق الرفيع والشهامة والشجاعة والمروءة، وقد كان الفارس، في قديم الزمان، لا يتقدم على معيته، بل أفضلهم من يكون ساعة الوغى في المقدمة، وساعة الرخاء في المؤخرة، وإن أمروه عليهم صار خادمهم وعاملهم. تبادل التهم بين هذا وذاك تعطيل أو تأخير القرارات، في هذا الوقت بالذات، يعني عدم الاكتراث، وضعفاً في الإدارات وديمومة للأزمة. كنتم سابقاً، أيها الساسة، تدفعون الشعب للمشاركة في العملية السياسية، وما إن وطئتم الصناديق، وامتطيتم مفاتيحها، حتى بتم أنتم تتخلون عن شعبكم وعن وطنيتكم وإنسانيتكم. من المعيب على الساسة أن يتناحروا، والشعب ينحر، ومن المخجل أن يتبادلوا التهم، وهم متهمون من الشعب. أليس فيكم من فارس؟

 

FDF8F55F-5737-47A6-BD00-382ACFCF02EF
FDF8F55F-5737-47A6-BD00-382ACFCF02EF
نائل أبو مروان (فلسطين)
نائل أبو مروان (فلسطين)