وجاءت هذه الخطوة بعد تفاهمات سرية ومضنية بين البرلمان الذي يمتلك الأغلبية فيه حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح من جهة، وبين الحكومة التي يقاطعها الحزب من جهة ثانية. وذكرت مصادر برلمانية لـ"العربي الجديد" أن هذه التفاهمات نتج عنها إبرام صفقة بين الطرفين، تضمن بموجبها الحكومة نيل الثقة، ويضمن فيها حزب المؤتمر عدم تطبيق العقوبات على رئيسه.
وعدّ مراقبون الخطوة انتصاراً كبيراً لصالح الذي أنقذته أغلبيته في البرلمان من شبح تطبيق العقوبات المقرّة عليه من مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي داخل اليمن.
وحاز حزب المؤتمر في آخر انتخابات برلمانية في أبريل/نيسان 2003 على أكثر من ثلثي أعضاء مجلس النواب البالغ قوامه 301 عضواً. وكان من المفترض انعقاد انتخابات برلمانية في عام 2009، لكن الأطراف السياسية توافقت على التمديد للبرلمان، وذلك لإعادة النظر في السجل الانتخابي، وتم التمديد له مجدداً مرتين، بسبب المبادرة الخليجية ثم مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي انعقد في صنعاء في مارس/آذار 2013 وحتى يناير/كانون الثاني 2014.
وكان العشرات من أعضاء كتلة المؤتمر الشعبي العام في البرلمان قدموا استقالاتهم من عضوية الحزب أثناء الثورة المطالبة برحيل صالح عام 2011. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر برلمانية أن كتلة النواب المستقيلين من الحزب توحّدت في موقفها في جلسات اليومين الماضيين مع كتلة المؤتمر.
وبدا واضحاً أن حكومة بحّاح رضخت لضغوط البرلمان لكي يمنحها الثقة حتى تتمكن من مباشرة عملها، وخصوصاً أنها تواجه الكثير من التحديات والصعوبات. ولعل أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة، إحجام دول الخليج وفي مقدمها السعودية، عن تقديم الدعم لها، وكذلك تدخّل مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) عبر ما يسمى بـ"اللجان الثورية والرقابية" وتحكمهم في العديد من المؤسسات والدوائر.
وجاء رضوخ الحكومة لمطالب نواب المؤتمر بعد يوم واحد من قيام جماعة الحوثيين بمحاصرة واقتحام العديد من المنشآت الحكومية، أبرزها المصرف المركزي اليمني وشركة تصدير الغاز (صافر)، أكبر الشركات النفطية في البلاد. وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت التحركات الحوثية الأخيرة قد جاءت بهدف إحداث المزيد من الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالب النواب المتعلقة بحماية اليمنيين من العقوبات الدولية، وخصوصاً أن العقوبات تشمل إلى جانب صالح اثنين من الشخصيات القيادية في الجماعة، هما عبد الخالق الحوثي، وعبد الله الحاكم الملقب بـ"أبو علي الحاكم".
علاوة على التزامها بعدم السماح بتنفيذ أية عقوبات دولية على يمنيين خارج الدستور، التزمت الحكومة بتطبيق توصيات البرلمان، وفي مقدمها تنفيذ اتفاق السلم والشراكة، وإعطاء الملف الأمني أولوية قصوى من خلال العمل على وقف التدهور الأمني، وتوفير الأمن للمواطنين وتأمين الطرقات ومنع التقطعات والعمل على وقف النزاعات المسلحة بين الفئات المجتمعية، وحماية المنشآت العامة الاقتصادية منها والخدمية، وبالأخص أنابيب نقل النفط والغاز وأبراج الكهرباء.
كما التزمت الحكومة بمكافحة الإرهاب بكل صوره، وإزالة المظاهر المسلحة والنقاط غير الحكومية، إشارة إلى نقاط التفتيش التابعة لجماعة الحوثيين التي تنتشر في عدد من المدن. والتزمت الحكومة بحماية جميع المواطنين وفقاً لأحكام الدستور والقوانين اليمنية، وحماية السيادة الوطنية، وكذلك إعطاء الجيش والأمن أولوية خاصة، والعمل على إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية.
وفي الجانب الاقتصادي، التزمت الحكومة بوضع إجراءات للإصلاح المالي والاقتصادي على المدى القصير خلال النصف الأول من عام 2015، والعمل على إزالة الموظفين الوهميين والمزدوجين من كشوفات مرتبات الجهاز الإداري للدولة، وإلغاء التجنيد غير القانوني في كل من وزارتي الدفاع والداخلية، وسرعة استكمال نظام البصمة والصورة في الجهاز الإداري للدولة، وفي مقدمة ذلك وزارات الدفاع والداخلية والتربية والتعليم. ويضاف إلى ذلك الالتزام بإلغاء جميع الحسابات الجارية غير القانونية في البنك المركزي وتحويل أرصدتها إلى حساب الحكومة العام. كما التزمت الحكومة بإعادة النظر في عقود شراء الطاقة المخالفة للقانون، وسرعة إيجاد البدائل للتخلص من شراء الطاقة التي تكلف الدولة أعباء كبيرة، وفي مقدمة ذلك صيانة وإعادة تأهيل محطات الطاقة الحكومية لرفع قدرتها الإنتاجية المعطلة. والتزمت الحكومة إلغاء جميع قرارات التعيين التي صدرت من حكومة تصريف الأعمال بالمخالفة للدستور والقانون.
وتشير مجمل هذه الالتزامات إلى نية الحكومة لإنهاء الوضع المختل الذي تعيشه البلاد. ويتوقف نجاحها في الإيفاء بما التزمت به، على مدى جديتها، وتعاون مختلف الأطراف المعنية معها، وفي مقدمها الرئاسة اليمنية والأحزاب. غير أن بعض هذه الالتزامات، ستثير حفيظة جماعة الحوثيين، وخصوصاً فيما يتعلق بـ"إزالة المظاهر المسلحة والنقاط غير الحكومية".
وألقى بحّاح كلمة أمام البرلمان أكد فيها التزام الحكومة بـ"توصيات المجلس واستيعابها في إطار الخطوات التنفيذية لبرنامجها العام". وأضاف "أولوياتنا القصوى حتماً هي تكريس أجواء الأمن والاستقرار والمضي قدماً في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني باعتبارها الخيار الأمثل لاستعادة ثقة المواطنين في دولتهم".
وبنيل ثقة البرلمان تكون حكومة بحّاح قد اجتازت آخر العقبات الدستورية لتتفرغ بعدها لمواجهة ثمانية تحديات حددها برنامجها العام المقدم إلى البرلمان، وفي مقدّمها تنفيذ مخرجات الحوار، الملف الأمني في المرتبة الثانية، الحد من اتساع نطاق الفقر، الركود الاقتصادي، تفاقم مشكلة الاختلالات المالية العامة، وكذا التراجع الكبير والمستمر في إنتاج النفط الخام المحلي وأسعاره في السوق الدولية. أما التحدي السابع فقد تمثل حسب رؤية الحكومة، في "ضعف البنية المؤسسية والتنظيمية للوزارات، الهيئات، المؤسسات، والمصالح، وأخيراً ضعف الخدمات الأساسية وتدني كفاءتها وبالأخص خدمات التعليم، الصحة، الكهرباء، المياه والطرقات.