وتعيش حكومة إبراهيم محلب ساعات عصيبة في انتظار الوصول إلى حلول مع مجلس القضاء الأعلى حول اعتراضاته التي تضرب جوهر إجراءات التقاضي التي ينظّمها المشروع والتي وجّه إليها السيسي، المتمثلة في سرعة الفصل في الطعون نهائياً، بواسطة تصدي محكمة النقض مباشرة للطعن بدلاً من إعادته إلى دائرة أخرى في محكمة الجنايات، بالإضافة إلى اختصار الفترة المتاحة للطعن من 60 إلى 40 يوماً، وكذلك إنشاء محكمة خاصة تسمى محكمة الإرهاب، يكون مقرها القاهرة، وتختّص بالنظر في جميع الجنايات والجنح المؤثمة في مشروع القانون، وعددها 30 فعلاً إجرامياً. وحذّر مجلس القضاء الأعلى، في خطاب سري أرسله إلى الحكومة، من أن يصبح إنشاء محكمة خاصة للإرهاب بمثابة استحداث لقضاء استثنائي بمواعيد وإجراءات خاصة، ما يدخله في مخالفة دستورية.
ويوضح مصدر قضائي لـ"العربي الجديد" أن "مجلس القضاء الأعلى متحفظ في الأساس على إسناد الصياغة النهائية لمشروع القانون إلى مجلس الدولة، وهو جهة غير متخصصة في مسائل القانون الجنائي، لكن وزير العدل أحمد الزند يسعى بكل جهده إلى تمرير مشروع القانون كما هو، ليبدو في مظهر الوزير الذي سارع إلى تنفيذ توجيهات السيسي التي أصدرها خلال جنازة النائب العام هشام بركات"، مضيفاً، أنّ الزند اضطلع بنفسه على إضافة المواد الخاصة بتسريع إجراءات التقاضي وإنشاء المحكمة الخاصة إلى مشروع القانون".
غير أن قضاة في محكمة النقض، يرون أن هذا المشروع سيكون طريقاً لتسليط المحاكمات الاستثنائية والعقوبات المشددة على الجماعات المعارضة، وبصفة خاصة جماعة "الإخوان المسلمين"، التي تدرس النيابة العامة حالياً إعلانها جماعة إرهابية وإدراجها على قوائم الإرهاب للمرة الأولى، بعد إدراج جماعتي "أنصار بيت المقدس" و"أجناد مصر".
ويشير أحد هؤلاء القضاة، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "إصدار مشروع لمكافحة الإرهاب في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كان مقبولاً أكثر من إصداره في الوقت الراهن، لأن صياغة مواده حالياً مليئة باعتبارات التشفي والانتقام من جماعات سياسية بعينها، على الرغم من أن الإرهاب الحقيقي الذي يمارس في سيناء يواجه بحسم من القوات المسلحة، وفقاً لحسابات معركة حربية، وليس التزاماً بنصوص قانونية".
اقرأ أيضاً: نقابة الصحافيين المصرية ترفض قانون مكافحة الإرهاب
ويعترض هؤلاء القضاة أيضاً على إفراد نظام جنائي وإجرائي خاص لقضايا الإرهاب، تحت دعوى تسريع الإجراءات، وذلك لأن "المتهمين أمام القانون متساوون، ولم يسبق أن نظم التشريع المصري حالات خاصة لمتهمين جنائيين دون آخرين، عدا عن أوامر قضائية خاصة ومرتبطة بمسار المحاكمات، وهو مسار موحد في مواعيده وإجراءات إصدار الأحكام والطعن فيها والفصل في تلك الطعون".
وفي سياق المشروع ذاته، لكن بشأن المواد الخاصة بالصحافيين، علمت "العربي الجديد" أن حكومة محلب تسعى للوصول إلى حل وسط في تعديل المادة 33 من المشروع التي تعاقب من ينشر بيانات أو أخبارا خاطئة بشأن العمليات الإرهابية بالسجن سنتين، إذا كانت هذه البيانات مخالفة للبيانات الرسمية، وهو ما اعترض عليه جميع رؤساء تحرير الصحف، بما في ذلك "القومية" والمساندة لنظام السيسي.
ويخشى محلب ردة فعل قوية من الصحافيين اعتراضاً على مشروع القانون، ما قد يؤدي إلى أزمة سياسية في البلاد. هذا في الوقت الذي تدفع فيه دوائر أمنية ومخابراتية وعسكرية باتجاه إصدار هذه المادة كما هي من دون تعديل، وذلك على خلفية "الانفلات"، بحسب قولهم، الذي شهده الإعلام في الإعلان عن خسائر القوات المسلحة في معركة الأربعاء الماضي مع "ولاية سيناء". وكانت هذه المرة الأولى التي تنشر فيها وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي أرقاماً مخالفة تماماً للبيانات العسكرية الرسمية.
وذكرت مصادر حكومية أنه من غير الوارد إطلاقاً تعديل أي مادة أخرى غير المادة 33، بما في ذلك المواد الخاصة ببث أخبار على مواقع إلكترونية من شأنها التحريض على أعمال الإرهاب، أو الترويج للإرهابيين، والتي يرى الصحافيون فيها تهديداً لهم بعدم نشر بيانات التنظيمات الإرهابية أو الجماعات السياسية التي يعتبرها النظام إرهابية كـ"الإخوان المسلمين".
ويعتبر الصحافيون هذه المواد تقويضاً لحرية الصحافة، وتضييقاً على الصحف الصادرة عن مؤسسات معروفة يسهل مراقبتها ومحاسبتها، في مقابل فتح باب الأسبقية الخبرية والتدفق المعلوماتي للمواقع التي تبث من خارج مصر ووكالات الأنباء العالمية، التي يصعب السيطرة عليها في الداخل.
وفي هذا السياق، رجحت المصادر الحكومية أن يعقد السيسي اجتماعاً قريباً مع رؤساء تحرير الصحف والمؤسسات القومية والخاصة، للبحث في مشروع قانون الإعلام الجديد الذي أعدته لجنة مشتركة من الحكومة ونقابة الصحافيين. ومن المتوقع أن يثير خلاله قضية "الصحافة المسؤولة" التي يجب، من وجهة نظره، أن "تعمل على طمأنة المواطنين، ورفع روحهم المعنوية، والرد على المعلومات المغلوطة التي تروج عن مصر"، كما ذكر السيسي سلفاً، أكثر من مرة.
اقرأ أيضاً: ولادة طارئة لقانون الإرهاب المصري... وإعدامات انتقامية