وأكدت مصادر محلية في عدن لـ"العربي الجديد" أن القوات الموالية لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، بما فيها قوات "الحزام الأمني"، التي تأسست بدعم الإمارات وإشرافها، انتشرت في أحياء متفرقة من المدينة، وخاضت مواجهات مع قوات "الحماية الرئاسية" الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، والحكومة الشرعية، إذ اتهم الموالون للانتقالي هذه القوات، باعتراض المتظاهرين، وهاجموا معسكراً على الأقل، يتبعها في منطقة "خور مكسر"، وسيطروا على مقر الحكومة المعترف بها دولياً، إثر المواجهات الدامية مع القوات الموالية للسلطة، التي سقط فيها 15 قتيلاً، هم ثلاثة مدنيين و12 عسكرياً ومسلحاً من الطرفين.
وعلى الرغم من إعلان المجلس التجاوب مع جهود التحالف بقيادة السعودية لحل الأزمة، وتأكيده على "سلمية" تحركه الذي جاء بشعار إسقاط حكومة أحمد عبيد بن دغر، استمر بتعزيز قواته في المدينة والانتشار في مناطق محيطة بها، وأعلنت قيادات في المجلس إغلاق مناطق حدودية بين الشمال والجنوب، فيما أصدر رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، توجيهاً إلى جميع الوحدات العسكرية (الموالية للشرعية) بوقف إطلاق النار فوراً، وأن تعود جميع القوات إلى ثكناتها وإخلاء المواقع التي تمّت السيطرة عليها، خلال المواجهات التي تفجّرت صباح أمس.
وأظهرت تطورات عدن، وما رافقها من انتشار عسكري لقوات موالية للانفصاليين، وسط تحليق لمقاتلات حربية تابعة للتحالف، كما لو أن المدينة، التي توصف بالعاصمة المؤقتة، أمام انقلاب صريح، وعلى نحو لا يختلف كثيراً عن الانقلاب الذي قامت به جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، حين أعلنت أن تغيير الحكومة هو الهدف من تحركاتها التصعيدية، لكن تحركها انتهى بالسيطرة على العاصمة اليمنية ومؤسسات الدولة فيها، وما رافق ذلك من حرب مستمرة حتى اليوم.
وبصرف النظر عن احتمالات التهدئة من التصعيد، بدا واضحاً من خلال الساعات الأولى لتفجّر الوضع عسكرياً أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعوم إماراتياً، قطع خطوات كبيرة بالانقلاب على الشرعية، التي، إن بقيت في عدن، أو وفقاً لأي تفاهمات ترعاها السعودية، فإن ذلك على الأرجح لن يكون أكثر من حضور رمزي، لما تقتضيه حاجة التحالف لبقاء "الشرعية" كغطاء لتدخله، فيما الواقع، هو أن الحكومة تواجه انقلاباً مدعوماً من التحالف، أو من الإمارات على الأقل.
ووسط التصعيد الكبير الذي شهدته عدن، وبدا معه أنّ الأمور خرجت عن التطمينات التي أطلقتها القيادات في الأطراف المختلفة الأيام الماضية، كان واضحاً موقف الإمارات، وأنها المحرّك لما يدور هناك، إذ إن الانقلاب نُفذ ويُنفذ بواسطة حلفائها المعروفين، فيما كان وجود الطائرات الحربية التابعة للإمارات أقرب إلى دعم مباشر لتحركات الانقلابيين العسكرية في عدن، فضلاً عن كونها الطرف القادر على منع أي تصعيد في المدينة، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة اليمنية بن دغر، وفي تصريح مثير، إلى الإعلان بصراحة أنّ الإمارات هي صاحبة القرار. وقال حرفياً إن "على التحالف والعرب جميعاً أن يتحركوا لإنقاذ الموقف، فالأمر بيدهم دون غيرهم، والأمل كما نراه نحن في الحكومة معقود على الإمارات العربية المتحدة، صاحبة القرار اليوم في عدن العاصمة المؤقتة لليمن"، متهماً الانفصاليين بالانقلاب على السلطة المعترف بها دولياً. وقال "هناك في صنعاء يجري تثبيت الانقلاب على الجمهورية، وهنا في عدن يجري الانقلاب على الشرعية ومشروع الدولة الاتحادية".
وألمح بن دغر، في بيان، ظهر أمس، إلى ما يمكن اعتباره شعوراً من قبل الحكومة، بـ"خذلان"، إن لم يكن تواطؤاً من التحالف ضد الشرعية. وقال "يجب ألا يقبل الحلفاء اليوم تصفية الشرعية التي رعت التحالف لخوض المعركة مع الحوثيين"، مضيفاً أنها "كارثة إذا حدثت. أما الحكومة، فإن أي إنسان عاقل ومحب لأهله لا يمكن قبول منصب رئيس الوزراء أو البقاء فيه على أشلاء اليمنيين أياً كانت انتماءاتهم، ووحداتهم، ومناطقهم وشعاراتهم"، وأكد أنه "اليوم لا يمكن لأحد أن يقف في المنطقة الرمادية بين الحفاظ على بلاده موحدة، وبين التقسيم، لا يمكن السكوت على معاول الهدم لشرعية تقاتل العدو تحت أي ذريعة أو مبرر، دم اليمني على اليمني حرام، ودم الإنسان على الإنسان حرام".
وبدا واضحاً من خلال استغاثة بن دغر بالدول العربية، كما لو أن السلطات الشرعية يئست من طلب المساعدة من قيادة التحالف، خصوصاً في ظلّ غموضها في التعامل مع الأحداث والحديث عن دور لها في الأزمة.
إلى ذلك، طلب هادي من قواته وقف إطلاق النار فوراً في عدن. وأفاد بيان رسمي صادر عن رئاسة الوزراء بأن طلب هادي يأتي بناء على محادثات أجراها مع قيادة التحالف العسكري في اليمن بقيادة السعودية. وجاء في البيان أن على "جميع الوحدات العسكرية وقف إطلاق النار فوراً، وأن تعود جميع القوات إلى ثكناتها، وإخلاء المواقع التي تمّت السيطرة عليها صباح اليوم (أمس) من جميع الأطراف بدون قيد أو شرط".
وفي المقابل، بدا الموقف السعودي الأكثر غموضاً، واعتبر سياسيون يمنيون أن السعودية، بوصفها الدولة التي تقول إنها تقود تحالفاً لدعم الشرعية، فإنها الخاسر الأكبر من التحركات المدعومة إماراتياً في عدن، خصوصاً بعد التحركات السعودية التي بدأت باتجاه عدن الشهر الحالي، والزيارة التي قام بها السفير السعودي، محمد آل جابر إلى المدينة، وما رافقها من تصريحات عن الإعلان عن مشاريع خدمية وتنموية سعودية، قادمة إلى اليمن الفترة المقبلة، فيما جاءت تطورات عدن لتقلب الأمر رأساً على عقب، من الصورة التي حاولت الرياض تقديمها من عدن إلى انقلاب ينادي بإسقاط الحكومة بدعم أبوظبي، الحليف المفترض الأبرز للرياض في حربها في اليمن.
في الأثناء، لم تغضّ وسائل إعلام سعودية الطرف عن تطورات عدن، بل قام بعضها بتغطيتها بوصفها تحركات لـ"الانفصاليين"، وهو وصف يسحب من تحركات أبوظبي غطاء المشروعية. ومع ذلك، لا يمكن فصل تطورات عدن، أمس، عن البيان المثير الذي أصدره التحالف، مساء السبت الماضي، وقال فيه إنه يدعو "المكونات السياسية والاجتماعية اليمنية كافة إلى التهدئة وضبط النفس، والتمسك بلغة الحوار الهادئ". لكن البيان، أقرّ، بصيغة غير مباشرة، وجود اختلالات في الأداء الحكومي، بما يمثّل اقتراباً من خطاب انقلاب "الانتقالي" في عدن. وأضاف التحالف في السياق أنه "يتابع مجمل الأحداث والمستجدات في العاصمة اليمنية المؤقتة وما يدور من سجال إعلامي في هذا الإطار حول بعض المطالَب الشعبية، إزاء تقويم بعض الاختلالات في القطاع الحكومي"، ما اعتبره بعضهم تأييداً ضمنياً من التحالف لمطالب تغيير الحكومة، بالإضافة إلى أن البيان لم يتضمّن التأكيد على دعمها بمواجهة التصعيد بصورة واضحة.
ويوم الأحد، شرعت السعودية في إجراء اتصالات مع مختلف الأطراف لاحتواء التصعيد في عدن، إذ أعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الاستجابة الكاملة لجهود ومساعي التحالف في حلّ الأزمة، ودعا إلى الالتزام بالسلمية والحوار البناء لغاية تصويب الاختلالات". كما أظهر المجلس، رسائل تهدئة وتجاوب مع الرياض والرئيس عبدربه منصور هادي، بالتأكيد على الالتزام بـ"النهج السلمي"، لتغيير الحكومة والوقوف على الاختلالات كافة، وعلى الالتزام الكامل في المواجهة مع ما وصفه بـ"العدو المشترك"، والمتمثل بالحوثيين. لكن خطاب المجلس، بالتهدئة مع الرئيس والتصعيد ضد الحكومة، لا ينقص من كون تحركاته لفرض الأمر الواقع، في عدن، عسكرياً، هي انقلاب مكتمل الأركان، لكن الفارق في أنه يقدّم نفسه حليفاً للتحالف بمواجهة الحوثيين، ويستمر بالاعتراف العلني بهادي. ومن المرجح أن يستجيب الأخير تحت ضغط التحالف وحديث حلّ الأزمة، لإجراء تعديل أو تغيير حكومي. وقال القيادي في "المجلس الانتقالي"، لطفي شطارة، في هذا الإطار، في تغريدة على حسابه في موقع "تويتر"، أمس، إن "السقف سيرتفع الآن... قلناها ولم يسمعوا"، وهو ما يعني أن الوضع في عدن، حتى مع نجاح أي حوار أو تهدئة، قد لا يعود إلى ما كان عليه قبل 28 يناير/ كانون الأول.
إلى ذلك، كان من اللافت، في أحداث عدن أمس، انفجارها على الرغم من الجهود التي قادها التحالف الأيام الماضية، لمنع أي تصعيد، بما في ذلك، الاجتماع الذي عقدته قيادات التحالف من القوات الإماراتية والسعودية، مع أحمد بن دغر، في المدينة، يوم السبت، وخرج بـ"إعلان الرفض القاطع للفوضى في عدن". لكن مضي الأمور نحو التصعيد يظهر كما لو أنها لم تكن تلقائية، بل جاءت على ما يبدو وفق توجّه يعطي الضوء الأخضر لحلفاء أبوظبي الانفصاليين بفرض الأمر الواقع في عدن، ما لم تظهر تطورات الأيام المقبلة معطيات مخالفة.