لم يكن أكثر الناس تشاؤماً، يتوقع أن تنتهي مفاوضات أديس أبابا بين الحكومة السودانية ومسلحي "الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال" إلى ما انتهت إليه من نتيجة صفرية بكل المقاييس. وكانت المفاوضات بين الطرفين، التي يرعاها الاتحاد الأفريقي، قد استؤنفت يوم الجمعة الماضي، بعد مسيرة جمود منذ أغسطس/ آب 2016. ولم يخف كثير من المراقبين، مع بداية الجولة الجديدة، تفاؤلهم بتحقيق نتائج إيجابية، خصوصاً في بندين اعتُبرا في غاية السهولة: الأول يتعلق بالتوافق والاتفاق على تقديم المساعدات الإنسانية لآلاف المدنيين الذين تضرروا من الحروب المندلعة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ العام 2011، أما الثاني فهو الاتفاق على وقف الأعمال العدائية، لا سيما أن الطرفين دخلا بمبادرات منهما في وقف لإطلاق النار طوال الأشهر الخمسة عشر الماضية.
غير أن المواقف تباعدت منذ انطلاق الجولة، ولم يجلس الطرفان وجهاً لوجه طوال الأيام الأربعة المحددة للتفاوض، باستثناء مرة واحدة في جلسة امتدت لنحو 9 ساعات، ولم يتوصلا لشيء سوى التوقيع على بيان مشترك شكلي، لم يتجاوز عدد كلماته الـ190 كلمة فقط. وأكد البيان وقف إطلاق النار المعلن من حكومة السودان و"الحركة الشعبية قطاع الشمال"، ووقف الأعمال العدائية. وجدد البيان التزام الطرفين بالوصول لسلام دائم وأن يحافظا على حسن النوايا. كما أعلنا التزامهما بالاستمرار في السعي لإيجاد السبل التي تقود إلى معالجة الخلافات القائمة ليتمكنا من إتمام التفاوض بينهما بصورة ناجحة. وعبّرا عن عميق تقديرهما للآلية الأفريقية رفيعة المستوى لجهودها، وأعلنا استمرارهما في التفاوض مع الآلية في البحث عن الحلول الدائمة.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن السبب الرئيس لانهيار المفاوضات يتعلق بتمسك الحكومة السودانية بموقفها الرافض لإدخال أي مساعدات إنسانية للمتضررين من الحرب إلى مناطق تسيطر عليها "الحركة الشعبية" من دون أن تتعرض لمراقبة وتفتيش السلطات الحكومية، واشتراطها أن تدخل المساعدات إلى البلاد عبر المطارات السودانية، دون سواها. بينما أصرت الحركة على إدخال 20 في المائة من المساعدات الإنسانية عبر مطارات في كينيا وإثيوبيا، وهو الأمر التي ترى فيه الخرطوم مساساً بسيادة البلاد.
وحال هذا الخلاف دون مناقشة بنود أخرى، مثل وقف إطلاق النار الدائم، إضافة إلى القضايا السياسية، فما كان أمام الوساطة التي يقودها الرئيس الجنوب أفريقي السابق، ثامبو أمبيكي، سوى تعليق العملية التفاوضية، من دون تحديد موعد جديد لاستئنافها.
ومن المتوقع أن تبدأ الوساطة في اجتماعات مع الطرفين في الخرطوم وعواصم أخرى لتقريب وجهات النظر قبل الدعوة لجولة جديدة، بينما يُتوقع أيضاً تدخّل أطراف دولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا في إجراء مشاورات للهدف نفسه، ولا يُستبعد تحديد موعد في نهاية مارس/ آذار المقبل لجولة مفاوضات جديدة.
وقال عبد الرؤوف طه، الصحافي الذي واكب المفاوضات في أديس أبابا، إن الجولة الأخيرة فاشلة بكل المقاييس ولم تحرز أي تقدّم يذكر، مشيراً إلى أن الخلاف حول المساعدات الإنسانية وإيصالها للمتضررين برز منذ العام 2011، وفشلت كل الجولات السابقة التي وصلت إلى 11 جولة، في إيجاد حل له.
كذلك أشار بعض المراقبين إلى أن البند الثاني المتعلق بوقف إطلاق النار، وعلى الرغم من عدم مناقشته في هذه الجولة، إلا أنه كان من الصعب الاتفاق عليه، في ظل إصرار "الحركة الشعبية" على الاحتفاظ بجيشها لأطول فترة ممكنة، وهذا ما ترفضه الحكومة تماماً وتريد إدماج بعضه في الجيش السوداني وتسريح الجزء الآخر. لكن عبد الرؤوف طه، قال بحسب متابعته للتفاوض، إن الطرفين كانا مستعدين للتوقيع على وقف لإطلاق النار ولكل طرف أسبابه. فالحكومة التي تعاني هذه الأيام من مشاكل اقتصادية، لا تريد إنهاك الموازنة العامة بمصاريف حرب جديدة، بينما تتريث "الحركة الشعبية" في الإقدام على عمليات عسكرية لأن صفوفها تعاني من انشقاق حصل في الأشهر الماضية.
اقــرأ أيضاً
وعلى الرغم من فشل التفاوض، إلا أن كل طرف تجنّب هذه المرة وعلى غير العادة تحميل مسؤولية الفشل للطرف الآخر، إذ اكتفى المتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي، السفير حسن حامد، بتكرار ما جاء في البيان المشترك.
ورفض وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، القول إن هذه الجولة فشلت، معتبراً أن هناك جملة مكاسب خرجت بها الجولة، أهمها تأكيد الطرفين في بيانهما المشترك على خيار السلام ونبذ الحرب للوصول لحلول سلمية، مشيراً إلى أن المكسب الثاني يتعلق بالتوافق على وقف إطلاق النار المعلن بينهما "وهو وقف استفاد منه الجميع، خصوصاً المواطنين في جنوب كردفان والنيل الأزرق طوال الأشهر الماضية".
وأوضح الوزير السوداني أن رفض الوفد الحكومي مقترح "الحركة الشعبية" حول نقل المساعدات الإنسانية عبر مطارات خارجية، لا يتعلق بالنسبة المئوية، "إنما يستند على مبدأ السيادة الوطنية التي لا يمكن معها السماح بدخول مساعدات لا تمر بالمطارات السودانية"، مشيراً إلى "تخوّف مشروع للحكومة من دخول أسلحة وإمدادات لجيش الحركة الشعبية عبر عمليات الإغاثة التي تأتي من الخارج، كما حدث في سنوات سابقة مع الحركة الشعبية قبل انفصال الجنوب".
وأكد الوزير وجود فرص عديدة للتغلب على الخلافات الحالية في الجولات المقبلة، وهو أمر يحتاج لمزيد من الثقة بين الطرفين، حسب قوله، معلناً استعداد الحكومة للقبول بالمساعدات الإنسانية من الخارج وتوجيهها إلى مناطق سيطرة الحركة، شرط مرورها بواحد من المطارات السودانية من أجل التفتيش ذهاباً وإياباً.
في المقابل، لا يتفق القيادي في "الحركة الشعبية"، عمر أبوروف، مع وزير الإعلام السوداني في قراءته للجولة، إذ اعتبر أن الجولة فشلت فشلاً متوقعاً ولم تخرج إلا ببيان يتيم. وعزا أبوروف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ذلك الفشل إلى حذر الحكومة من الطرف المفاوض الآخر الذي يقوده عبدالعزيز الحلو، والذي رفع مسبقاً شعار تقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وأشار إلى أن ذلك الموقف سيطيل المفاوضات أكثر وأكثر، متوقعاً فقط استمرار الهدنة الحالية بين الحكومة و"الحركة الشعبية" على صعيد الميدان العسكري، خصوصاً بعد التزامهما بها أمام الوساطة الأفريقية والتوقيع على ذلك.
إلا أن أبوروف لم يستبعد أن يقوم الفصيل الآخر لـ"الحركة الشعبية"، الذي يقوده مالك عقار، المُبعد من جولة التفاوض، بعمليات لإثبات وجوده وقوته العسكرية بعد أن قالت الوساطة الأفريقية والحكومة إن لا قوة له على أرض الواقع. وأضاف أن حديث الوفد الحكومي عن عدم الدخول في تفاوض مع فصيل عقار إلا إذا شكّل حزباً سياسياً "هو حديث مستفز وقد يقود إلى عواقب تجدد القتال".
لكن وزير الإعلام السوداني أوضح أن الحكومة مستعدة للتفاوض مع فصيل مالك عقار عندما يجد اعترافاً من الوساطة الأفريقية والمجتمع الدولي الذي بات يعطي الشرعية فقط لفصيل عبدالعزيز الحلو، مشيراً إلى أن فصيل الحلو هو الذي رفض مشاركة عقار في الجولة الحالية.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن السبب الرئيس لانهيار المفاوضات يتعلق بتمسك الحكومة السودانية بموقفها الرافض لإدخال أي مساعدات إنسانية للمتضررين من الحرب إلى مناطق تسيطر عليها "الحركة الشعبية" من دون أن تتعرض لمراقبة وتفتيش السلطات الحكومية، واشتراطها أن تدخل المساعدات إلى البلاد عبر المطارات السودانية، دون سواها. بينما أصرت الحركة على إدخال 20 في المائة من المساعدات الإنسانية عبر مطارات في كينيا وإثيوبيا، وهو الأمر التي ترى فيه الخرطوم مساساً بسيادة البلاد.
وحال هذا الخلاف دون مناقشة بنود أخرى، مثل وقف إطلاق النار الدائم، إضافة إلى القضايا السياسية، فما كان أمام الوساطة التي يقودها الرئيس الجنوب أفريقي السابق، ثامبو أمبيكي، سوى تعليق العملية التفاوضية، من دون تحديد موعد جديد لاستئنافها.
ومن المتوقع أن تبدأ الوساطة في اجتماعات مع الطرفين في الخرطوم وعواصم أخرى لتقريب وجهات النظر قبل الدعوة لجولة جديدة، بينما يُتوقع أيضاً تدخّل أطراف دولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا في إجراء مشاورات للهدف نفسه، ولا يُستبعد تحديد موعد في نهاية مارس/ آذار المقبل لجولة مفاوضات جديدة.
وقال عبد الرؤوف طه، الصحافي الذي واكب المفاوضات في أديس أبابا، إن الجولة الأخيرة فاشلة بكل المقاييس ولم تحرز أي تقدّم يذكر، مشيراً إلى أن الخلاف حول المساعدات الإنسانية وإيصالها للمتضررين برز منذ العام 2011، وفشلت كل الجولات السابقة التي وصلت إلى 11 جولة، في إيجاد حل له.
كذلك أشار بعض المراقبين إلى أن البند الثاني المتعلق بوقف إطلاق النار، وعلى الرغم من عدم مناقشته في هذه الجولة، إلا أنه كان من الصعب الاتفاق عليه، في ظل إصرار "الحركة الشعبية" على الاحتفاظ بجيشها لأطول فترة ممكنة، وهذا ما ترفضه الحكومة تماماً وتريد إدماج بعضه في الجيش السوداني وتسريح الجزء الآخر. لكن عبد الرؤوف طه، قال بحسب متابعته للتفاوض، إن الطرفين كانا مستعدين للتوقيع على وقف لإطلاق النار ولكل طرف أسبابه. فالحكومة التي تعاني هذه الأيام من مشاكل اقتصادية، لا تريد إنهاك الموازنة العامة بمصاريف حرب جديدة، بينما تتريث "الحركة الشعبية" في الإقدام على عمليات عسكرية لأن صفوفها تعاني من انشقاق حصل في الأشهر الماضية.
وعلى الرغم من فشل التفاوض، إلا أن كل طرف تجنّب هذه المرة وعلى غير العادة تحميل مسؤولية الفشل للطرف الآخر، إذ اكتفى المتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي، السفير حسن حامد، بتكرار ما جاء في البيان المشترك.
ورفض وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، القول إن هذه الجولة فشلت، معتبراً أن هناك جملة مكاسب خرجت بها الجولة، أهمها تأكيد الطرفين في بيانهما المشترك على خيار السلام ونبذ الحرب للوصول لحلول سلمية، مشيراً إلى أن المكسب الثاني يتعلق بالتوافق على وقف إطلاق النار المعلن بينهما "وهو وقف استفاد منه الجميع، خصوصاً المواطنين في جنوب كردفان والنيل الأزرق طوال الأشهر الماضية".
وأكد الوزير وجود فرص عديدة للتغلب على الخلافات الحالية في الجولات المقبلة، وهو أمر يحتاج لمزيد من الثقة بين الطرفين، حسب قوله، معلناً استعداد الحكومة للقبول بالمساعدات الإنسانية من الخارج وتوجيهها إلى مناطق سيطرة الحركة، شرط مرورها بواحد من المطارات السودانية من أجل التفتيش ذهاباً وإياباً.
في المقابل، لا يتفق القيادي في "الحركة الشعبية"، عمر أبوروف، مع وزير الإعلام السوداني في قراءته للجولة، إذ اعتبر أن الجولة فشلت فشلاً متوقعاً ولم تخرج إلا ببيان يتيم. وعزا أبوروف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ذلك الفشل إلى حذر الحكومة من الطرف المفاوض الآخر الذي يقوده عبدالعزيز الحلو، والذي رفع مسبقاً شعار تقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وأشار إلى أن ذلك الموقف سيطيل المفاوضات أكثر وأكثر، متوقعاً فقط استمرار الهدنة الحالية بين الحكومة و"الحركة الشعبية" على صعيد الميدان العسكري، خصوصاً بعد التزامهما بها أمام الوساطة الأفريقية والتوقيع على ذلك.
إلا أن أبوروف لم يستبعد أن يقوم الفصيل الآخر لـ"الحركة الشعبية"، الذي يقوده مالك عقار، المُبعد من جولة التفاوض، بعمليات لإثبات وجوده وقوته العسكرية بعد أن قالت الوساطة الأفريقية والحكومة إن لا قوة له على أرض الواقع. وأضاف أن حديث الوفد الحكومي عن عدم الدخول في تفاوض مع فصيل عقار إلا إذا شكّل حزباً سياسياً "هو حديث مستفز وقد يقود إلى عواقب تجدد القتال".
لكن وزير الإعلام السوداني أوضح أن الحكومة مستعدة للتفاوض مع فصيل مالك عقار عندما يجد اعترافاً من الوساطة الأفريقية والمجتمع الدولي الذي بات يعطي الشرعية فقط لفصيل عبدالعزيز الحلو، مشيراً إلى أن فصيل الحلو هو الذي رفض مشاركة عقار في الجولة الحالية.