08 يوليو 2019
بانكسي / ديل ناجا
لا يقتصر نشاط رسام الغرافيتي البريطاني بانكسي على ترك رسومات (ستانسل) على الجدران في مناسبات معينة: وجوده في أمكنة احتلال، أو اضطرابات اجتماعية، مواجهات شبابية مع البوليس، وما شابه، بل يبرمج عروضا لـ "فناني الشارع"، أو فناني الاحتجاج الاجتماعي، مثل التي أقيمت على شاطئ بريطاني مهجور، ولم يكن بين من دعاهم إلا برسوماته!
كان هناك عدد كبير من "فناني الشارع" والاحتجاج، بمن فيهم أسماء عربية. لكن على الرغم من "وجوده" في غير مكان، إلا أنه غير "موجود". كأنه شبح، على الرغم من آثاره المتروكة هنا وهناك. أعجبتني فكرة غياب الفنان. ألا تشبه قولة "موت المؤلف". فمن هو المهم الفنان/ المؤلف/ أم صنيعه؟ عند بانكسي الصنيع هو المهم. الشخص/ الوجه/ الإسم/ ليس له أهمية. ليس لأنه يخشى العواقب، كما يفعل فنانون في بلدانٍ تترصّد أشكال التعبير المعارضة، فيلجأون إلى الأسماء المستعارة لتفادي البطش أو العاقبة.
لا شيء من ذلك في تواري بانكسي، فهو لا ينتهك القانون (إلا ذلك الذي ينهى عن الرسم على الجدران!). هناك فكرة وراء التواري.إنها في التركيز على العمل نفسه، على "البيان" نفسه، وليس صاحب البيان، خصوصا إذا كان صاحب هذا "البيان" معروفاً أصلاً، أو لنقل مشهوراً ولا يحتاج إلى مزيد من الشهرة. كان بامكان بانكسي أن يترك خيطاً لتقصّي أثره. لكنه لم يفعل. لهذا نشطت التكهنات. من هو بانكسي الذي يمكن أن يظهر على جدران غزة، وسان فرانسيسكو في الوقت نفسه؟
قيل من قبل إنه قائد فرقة الغناء البريطانية المعروفة "ماسف أتاك" روبرت ديل ناجا. وجد الباحثون عن شخص بانكسي واسمه تشابها بين الفنانين. للأمر علاقة بمدينة بريستول البريطانية مرة، وبـ "آثار" بانكسي التي تظهر في أمكنةٍ تغنّي فيها هذه الفرقة. هذا فضلاً عن أن روبرت ديل ناجا رسام غرافيتي، إضافة إلى كونه موسيقياً.
أخيراً، انشغلت الصحافة البريطانية، مرة أخرى، بمن يكون بانكسي. كان هناك لقاء مع إلدي جي (غولدي) فأفلت لسانه دليلا على أن روبرت ديل ناجا هو بانكسي. قال (غولدي)، في معرض سخريةٍ ربما، لو أننا وضعنا فقاعةً على تي شيرت، وقلنا إنها من عمل بانكسي لتم شراؤه. ثم أردف، في نوعٍ من الاعتذار، أو تسريب الاسم، مع المعذرة لروبرت الذي لا أقلل من فنيته!
لكن من يعرف العلاقة بين غولدي وديل ناجا يتأكد أن اسم روبرت مقصودٌ به ديل ناجا نفسه، وليس أي روبرت آخر.
كان رد فعل ديل ناجا الإنكار طبعا، والتمني أن يكون بانكسي، فربما ليس هو، أو ربما في الأمر إمعانٌ في الطمس والتعمية على الاسم. لكن ثمّة من يقول إن بانكسي ليس شخصاً واحداً، ولا رسام غرافيتي واحداً بل حركة، أو لنقل مجموعة تهرِّب أعمالها الاحتجاجية إلى الجمهور تحت هذا الاسم المستعار. ثم إن الأمر لا يحتاج إلى ضبط بانكسي بـ "الجرم المشهود"، فمع "الستانسل" يمكن له، أو لمن هم معه، الطلب من أولادٍ أن يقوموا برش السبري على اللوحة المفرغة. يكفي بخاج سبري لفعل ذلك، وليس بالضرورة أن يكون موجودا، وإلا لكان رآه أحد، وهو يرسم على جدار الفصل العنصري مراتٍ عدة، أو على جدران غزة، المدينة المكتظة بالبشر طوال الوقت.
قد يتبدّد "سحر" بانكسي إن عرفنا من يكون. ربما سيصبح مجرد رسام غرافيتي آخر. وهكذا لن يكون لـ "هداياه" التي يراها المارة صباحاً على الجدران الوقع الذي يعطيه لها الاسم الحقيقي المحتجب للفنان.