ويقدم هؤلاء المراقبون أسباباً عدة تدفع تجاه توقعاتهم تجميد السعودية دعمها للنظام المصري، منها خلافات في المواقف السياسية بين القاهرة والرياض، وتعامل القاهرة مع عدد من الملفات العربية الحساسة بشكل لا يتواءم مع المواقف السعودية، وعلى رأسها ملفا سورية واليمن.
وقدمت السعودية والإمارات والكويت دعماً سخياً لنظام السيسي، بعد إطاحة الجيش بالرئيس، محمد مرسي، في الثالث من يوليو/تموز 2013، فقد قدمت بشكل علني نحو 23 مليار دولار، في صورة شحنات نفطية ومنح نقدية، وودائع تمت إضافتها للاحتياطي الأجنبي بالبنك المركزي خلال العامين ونصف العام الماضيين، في حين يقدر آخرون حجم المساعدات الخليجية المقدمة للانقلاب العسكري بأكثر من 50 مليار دولار، نصفها من الإمارات.
وتلقت مصر تعهدات قيمتها الإجمالية 12 مليار دولار من دول الخليج في مؤتمر استثماري عقد في منتجع شرم الشيخ في مارس/آذار 2015، حين حث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هذه الدول على مساعدة بلاده في التعافي من الاضطرابات، التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك.
وكانت هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية، "دويتشه فيله" DW " قد أكدت، في تقرير نشرته على موقعها على الإنترنت، وجود توقعات لدى عدد من المراقبين بقطع السعودية دعمها المالي عن مصر، وتساءل التقرير عقب قرار المملكة قطع الدعم المالي عن لبنان إن كان الدور القادم بقطع المساعدات سيطبق على مصر، التي تقف موقفا واضحا تجاه الملف السوري بعدم التدخل عسكريا وتعتبر أن الحل في سورية يجب أن يكون سياسيا فقط.
وحسب التقرير، فإن الدعم الخليجي لمصر لن يكون بلا نهاية، وبأن الموقف المصري تجاه الملف السوري ليس مشجعا بالنسبة للمملكة، التي تبدو غير راضية عن المواقف المصرية الرسمية، غير أنها لم تعبر عن ذلك بموقف رسمي صريح.
ونقل عن رئيس قسم الشؤون الدولية بالأهرام العربي، الكاتب الصحافي، أسامة الدليل، قوله إن "مصر تحاول نهج جبهات ساخنة وأخذ موقف مستقل تجاهها وعدم التورط.. هناك توجه للسعودية لتكوين حلف سني إسلامي، كل هذه الطموحات إما أن تحصل عليها السعودية كاملة وإما أن تفقد كل شيء فورا".
ولا يستبعد الدليل أن تقوم السعودية بالتلويح بقطع المساعدات عن مصر، لكنه يقول: "لا أتصور أن السعودية ستفقد تسعين مليون مواطن مصري.. وهو نفوذ فقدته الولايات المتحدة الأميركية وكسبته السعودية.. ولا أظنها تريد أن تفقده".
اقرأ أيضاً: السعودية تدعم مصر بـ 3.2 مليارات دولار
وأضاف: "مصر أعلنت دائما بوضوح أنها مع الحل السياسي، لا مع حل عسكري في سورية.. إنها ثوابت السياسة الخارجية المصرية في ما يتعلق بالملف السوري تحديدا".
ويقول الكاتب المصري إن "انتظار موقف محدد من مصر بقوتها العسكرية وتعداد سكانها، الذي يتجاوز التسعين مليوناً ليس أمرا هينا، فمصر تواجه بنفسها تحديات الإرهاب في سيناء والفوضى في ليبيا." ويضيف أن: "الملابسات التي تحيط بالدولة المصرية تحجمها حتى عن التدخل المباشر في ليبيا، رغم أن جارتها عبء استراتيجي واضح وقوي وخطير".
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وجه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بمساعدة مصر في تلبية احتياجاتها البترولية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وزيادة الاستثمارات السعودية هناك، لتصل إلى أكثر من 30 مليار ريال (8 مليارات دولار).
وتواجه مصر، والتي تعتمد اعتماداً كثيفاً على واردات الغذاء والطاقة، نقصاً في الدولار وضغوطاً متزايدة لتخفيض قيمة العملة.
وهوى احتياطي مصر من النقد الأجنبي من 36 مليار دولار في 2011 إلى حوالى 16.477 مليار دولار في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، مما يجعل من الصعب على البنك المركزي حماية قيمة الجنيه المصري.
ولا تتفق الآراء في السعودية على لوم مصر ونهجها لموقف واضح بعدم التدخل في سورية. ويقول الكاتب السعودي، عبد العزيز الخميس، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "يقولون إن مصر عدوة لأنها لم تقف معنا عسكريا ضد بشار، هذه ربيبتكم تركيا رفضت الدخول بريا، ولا تضرب جيش بشار بل الأكراد، فهل نعاديها؟".
ويضيف: "لذا علينا أن ندع مصر للمصريين وأن نقف معها فيما يخدم مصالحنا الوطنية، لا أن نكون مع حزب هناك ضد حزب آخر، أو مع مسؤول خليجي دم ضروسه مصر".
إلى ذلك نقلت الإذاعة الألمانية، DW، عن الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، قوله : "ينتظر السعوديون موقفا غير محايد من مصر تجاه ملفات المنطقة الساخنة.. كمراقب أرى أن مصر بحجمها وثقلها، تتمنى السعودية لو كان لها دور أكبر.. ولكن الحد الأدنى المتوفر في العلاقات السعودية المصرية يجعل مصر ضمن قائمة الأصدقاء".
ويستبعد خاشقجي طلبا سعوديا من مصر بالدخول بقوة في التحالفات التي تنشئها السعودية: "من غير اللائق في العلاقات طلب شيء مقابل شيء آخر.. ثم إن الموقف السعودي الذي أعلن أكثر من مرة عن خشيته وحرصه على مصر وعن أهميتها بالنسبة للسعودية.. وكما قلت فإن مصر لا تزال دولة صديقة للسعودية".
وأضاف: "لم يصدر عن أي مسؤول سعودي أي تعبير بشأن عدم الرضا أو المتطلبات"، لافتاً إلى أن "موقف المملكة تجاه لبنان مختلف عن موقفها تجاه مصر.. لا يوجد ربط بين هذا وذاك".
وذكر أن: "موقف لبنان حيال السعودية والقضية السورية يختلف تماما عن الموقف المصري. فالموقف المصري مستقل، بينما الموقف اللبناني غير مستقل بل محارب.. كما أن السعودية لم تعد تستطيع قبول تقديم مساعدة لبلد تنطلق منه سياسات عدائية تجاهها، قولا وفعلا"، حسبما يقول الكاتب السعودي.
اقرأ أيضاً:
لغز المساعدات السعودية الجديدة لمصر
مردود ضعيف لاستثمارات الخليج في مصر