وعليه، فإنّ أوروبا ليست على استعداد لتقويض مصالحها الخاصة والاستراتيجية أيضاً، خصوصاً إيطاليا وفرنسا، ناهيك عن أنّ الاتحاد الأوروبي ببساطة غير قادر على المنافسة لأنه لا يريد استخدام الوسائل العسكرية، في حين أنه من الواضح أنّ الآخرين مستعدون لذلك، وهو ما أشار إليه الخبير في سياسة الجوار في الاتحاد الأوروبي توبياس شوماخر في حديث لـ"دي تسايت".
وهناك سبب آخر للضعف الأوروبي، وهو الخلافات والصراعات بين دوله، وتباين آرائها، بشأن ليبيا وموقعها الجغرافي ومدى تأثير الوضع فيها على أوروبا. فإيطاليا مثلاً، القوة الاستعمارية السابقة، لها تأثير كبير في ليبيا إلى يومنا هذا، وشركة الطاقة الحكومية الإيطالية "آني" موجودة في هذا البلد منذ العام 1959. كما لديها خطوط أنابيب غاز بطول 520 كيلومتراً، وقد تدفّق من خلالها عام 2017 حوالي 4.8 مليارات متر مكعب من الغاز إلى إيطاليا. وكل ذلك بحكم الشراكة الوثيقة مع شركة النفط الوطنية الليبية التي تشير تقديرات إلى استفادتها بحوالي 5.4 مليارات دولار عام 2017.
أما فرنسا، فتعتبر ليبيا مهمة بحكم أنها "مصدّرة للإرهابيين"، ما دفعها لدعم حفتر في اعتقاد منها أنه سيصبح الرجل القوي بفعل تشدده تجاه الإسلاميين. وفي السياق، رأى الخبير في الشأن الليبي في "مؤسسة برلين للعلوم والتكنولوجيا"، فولفرام لاشر، في حديث لصحيفة "دي تسايت"، أنه "ربما يكون الفرنسيون قد أدركوا الآن أنه كان من الخطأ دعم حفتر"، مشيراً إلى "خوف باريس من إمكانية استخدام الأرض الشاسعة في ليبيا كمكان للتجنيد والتدريب، فضلاً عن مسألة المنافسة الاقتصادية بين شركة النفط الفرنسية توتال ونظيرتها الإيطالية آني". مع العلم أنه مع وصول الحكومة الجديدة في إيطاليا، وبعد مدة من اعتماد مسارين منفصلين، يبدو أن باريس وروما عادتا للعمل معاً لإيجاد حلّ للأزمة الليبية.
في هذا الإطار، أبرز الباحث السياسي راينر هارمان، في حديث لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" أخيراً، أنه و"للتغلب على الجمود، لا بد أن تتقارب الجهات الخارجية الفاعلة أولا، في ظلّ تشتت الأولويات، فإيطاليا تدعم السراج، وتركيا زودته بالأسلحة، فيما فرنسا قريبة من خليفة حفتر".
أما ألمانيا، التي كانت لا تكترث للوضع الليبي، فقد عادت لتتنبه إلى تداعيات الوضع في العاصمة طرابلس عقب الهجوم الذي شنه حفتر في إبريل/ نيسان الماضي، ليس لأنه بمثابة مشكلة على إيطاليا فحسب، وإنما بالنسبة لألمانيا وأوروبا بأكملها من خلال تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أراضيها. ومع ازدياد الوضع سوءاً، اقتنعت برلين أخيراً بأنّ المطلوب سياسة هجرة منسقة، وليبيا هي بلد أساسي في ذلك، ويجب العمل على حلول ملموسة بالاشتراك معها، عملاً بالتحذيرات من أنّ تصعيد الوضع الأمني يزعزع استقرار الدول الأخرى في أفريقيا، ولذلك آثار كبيرة على الاتحاد الأوروبي. وفي ظلّ الانطباعات بأنّ ليبيا "أرض خصبة لتصدير الإرهاب"، يوجد حوالي 800 ألف شخص يودون مغادرة هذا البلد عبر البحر المتوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، وفق تقارير، فضلاً عن تهريب المخدرات والأسلحة، ناهيك عن عنصر الطاقة المهم لأوروبا، إذ يتدفق الغاز والنفط من ليبيا إليها، وهو ما دفع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لتأكيد تصميم بلاده على انعقاد المؤتمر حول ليبيا، إنما بشروط أولها وقف إطلاق النار.
وحيال ذلك، رأى الخبير النمساوي في الشأن الليبي، فولفغانغ بوزتاي، في حديث لصحيفة "دي تسايت"، أنّ "خطة السلام التي وضعتها الأمم المتحدة تعاني من ضعف شديد، وهي تعتمد على الحكومة المركزية في طرابلس، لكن ليبيا تتميز بثلاث مناطق مختلفة على الأقل، وبالتالي فهي تحتاج إلى نهج لامركزي يركز بشكل أكبر على مصالحها، ويوزع الموارد الهائلة للبلد عليها". ولفت إلى أنّ "الاتحاد الأوروبي سيكون في وضع صعب لأنه وضع نفسه وراء خطة سلام الأمم المتحدة، وهو اختار الطريق الأسهل في هذه الفوضى الكبيرة، لأن من يدعم الأمم المتحدة لا يخاطر بفقدان سمعته، حتى ولو كان ذلك في النهاية يعني القليل من النجاح".