هل يصبح النفط السبب في تفتيت العراق وضرب السيادة الوطنية ؟.. أم يصبح الصراع على السيادة في العراق عائقاً أمام تطوير الصناعة النفطية؟.
السؤال المفتوح على كل الاحتمالات، تصاعدت مفاعيله مع بادرة تدويل النزاع وزعزعة السيادة، إذ رفع العراق دعوى قضائية ضد الحكومة التركية أمام غرفة التجارة الدولية في باريس.
ويعد تدويل هذا النزاع أول تهديد حقيقي للسيادة العراقية على إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي.
من جانبها، تقول حكومة الإقليم إن تهديدات بغداد لا تُرهبها، وإن محاولاتها لوقف تصدير النفط ستفشل. واتهمت حكومة الإقليم، وزارة النفط العراقية بانتهاك دستور البلاد والقانون العراقي والقوانين الدولية.
وفي اتصال هاتفي لـ"العربي الجديد" رفضت المتحدثة باسم غرفة التجارة الدولية في باريس هيلين فانليث، التعليق على النزاع أو حتى الإعلان عن الموعد الذي ستنظر فيه الغرفة في النزاع القضائي، بحجة أن "القوانين لا تسمح لها بذلك".
من جانبها، اعتبرت وكالة الطاقة الدولية التي يوجد مقرها في باريس، أن هنالك شقين للنزاع، أحدهما يخص حق التنقيب واستخراج النفط، والثاني يخص حقوق تصدير النفط من كردستان الى خارج العراق.
وحتى الآن، فإن الصراع بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان ينحصر في السيادة على الصناعة النفطية. حيث تسعى حكومة إقليم كردستان إلى الانفراد بتوقيع عقود الامتياز والكشوفات، وتطوير حقول النفط، ثم تصديره من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في بغداد.
فيما تصر الحومة المركزية في بغداد على أن الدستور العراقي لا يجيز للحكومة الفيدرالية في كردستان التصرف في الصناعة النفطية وموارد الهايدروكربونات عموماً.
وطبقاً لمحللين "تدخل في هذا الصراع مجموعة من العوامل ومصالح الدول القريبة من كردستان، خاصة تركيا التي باتت تستورد النفط الكردستاني من حكومة كردستان مباشرة من دون الرجوع إلى بغداد".
وحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر أخيراً، فان النزاع بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، هو نزاع حول السيادة، حيث تسعى حكومة إقليم كردستان إلى استخدام النفط لتأكيد سيادتها على الإقليم، وتعارض خطط الحكومة العراقية العراقية لزيادة إنتاج النفط من حقول كركوك، وتصر على أن خطط تطوير هذه الآبار يتطلب موافقة وتعاون السلطات الاقليمية في كردستان.
من جانب الحكومة العراقية، يصر وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني، على توقيع كل عقود الهيدروكربونات من قبل الحكومة المركزية في بغداد، وأن كل النفط المنتج في إقليم كردستان يجب أن يتم شحنه عبر شركة "سومو"، وهي الشركة المسؤولة عن تصدير النفط العراقي. ولكن حكومة كردستان تصر على التعاقد بشكل منفرد مع شركات النفط العالمية، حيث أجازت قوانينها الخاصة للعقود النفطية في العام 2007.
وفي العام 2011، تحدت حكومة كردستان الحكومة المركزية في بغداد، حينما وقعت على عقود واتفاقيات لتطوير وانتاج النفط مع مجموعة شركات دولية، من بينها عقد مع شركة "إكسون موبيل" الأميركية لتطوير ستة حقول في شمال العراق.
وتقع بعض هذه الحقول في مناطق حدودية متنازع عليها بين بغداد وكردستان. ثم واصلت توقيع عقود الشراكات النفطية مع كل من شركة "شيفرون" و"توتال" الفرنسية وشركة "غاز بروم" الروسية.
ولكن يلاحظ أن الحكومة المركزية في بغداد هددت بعض هذه الشركات بأنها ستفقد حقوقها في الحقول التي تملك فيها امتيازاً في العراق، إذا مضت قدماً في تنفيذ العقود التي وقعتها مع حكومة كردستان. وقد انسحبت شركة "اكسون موبيل" من العقود الكردستانية، حيث تملك عقد مشاركة في حقل القرنة -2 العملاق.
أما الشق الثاني من الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد وبين حكومة إقليم كردستان، فيتعلق بتصدير النفط المنتج من حقول كردستان.
ولقد بدأت حكومة كردستان بتصديرالنفط مباشرة إلى تركيا من دون موافقة بغداد. وبدأت الحكومة الكردية بتصدير 15 ألف برميل يومياً إلى تركيا عبر الشاحنات، ثم رفعت كمية الصادرات إلى 20 ألف برميل يومياً.
وفي ديسمبر/كانون الاول الماضي، قامت الحكومة الكردية بتشغيل خط أنابيب عراقي جديد بين كردستان وتركيا (جيهان).
ورغم أن الحكومة التركية لم توافق رسمياً على الخط، إلا أنها لم تعترض.
وتبلغ سعة الخط الجديد 420 ألف برميل يومياً، ويربط بين حقول شمال كردستان والحدود التركية. وتأمل حكومة كردستان أن تمد تركيا لاحقاً بالغاز الطبيعي.
ويأمل رئيس إقليم كردستان مسعود البرازاني أن تصل صادرات النفط الكردستاني إلى مليون برميل يومياً في العام المقبل، ومليوني برميل يومياً في العام 2019.
خلفية تاريخية
في ابريل/نيسان من العام 2012، أوقفت حكومة كردستان جميع إمدادات النفط الوطني العراقي. حدث ذلك بحجة أن بغداد لم تدفع كلف التشغيل إلى الشركات العاملة في إقليم كردستان.
وأدى ذلك إلى غضب المسؤوليين الأكراد من الحكومة المركزية في بغداد، لأنها لم تدفع مبالغ 1.5 مليار دولار، كمساهمة في ميزانية الإقليم.
وكردّ فعل على هذا الإجراء، قامت الحكومة الفدرالية في كردستان بخفض صادرات النفط من حقول كردستان بنسبة 50% إلى حوالى 50 ألف برميل يومياً. كما هددت لاحقاً بوقف مساهمتها في التصدير كلياً.
وفي المقابل، هدد وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني بمعاقبة الأكراد عبر خصم الفاقد من صادرات النفط الكردية من الميزانية السنوية التي تدفعها الحكومة المركزية لإقليم كردستان.
وحتى الآن لا يبدو كيف ستتم تسوية الخلاف بين الحكومة المركزية في بغداد وبين حكومة اقليم كردستان. ولكن من المؤكد أن الخلاف أجَّل الاستثمار الاجنبي في الصناعة النفطية العراقية.