22 نوفمبر 2024
بورصة الأعداء
باتت صناعة الأعداء بالنسبة لعدد من الدول العربية خاضعةً لمبدأ العرض والطلب، لم تعد هناك قواعد واضحة لتعريف من هو العدو، فبعدما كان من المتفق عليه أن إسرائيل هي العدو الأساس للعرب عموماً، أسقطت دول عربية عديدة، ومن دون أي اتفاقات سلام أو غيرها، دولة الاحتلال من اللائحة، لتضع بدلاً منها دولاً أخرى، بل حتى إنها أصبحت ضمنياً تصنف إسرائيل في دائرة الحلفاء.
هذا التحول في صناعة الأعداء عربياً بدأ قبل سنوات قليلة، مع المسعى السعودي - الإماراتي لوضع إيران على رأس قائمة الذين يشكلون خطراً على العرب. وسعى الثنائي جاهداً لتكريس ذلك على عموم الدول العربية، إلا أنه فشل، لكنه نجح في استقطاب بعضها لتشكيل محور متخصص في هذه الصناعة. وهو ما حصل لاحقاً مع قطر، مع فرض الحصار عليها قبل ثلاث سنوات، والحملة الممنهجة لتصويرها بأنها خارج الإجماع العربي، ورشوة دول عديدة للانضمام إلى هذه الحملة، وهو ما سقط سريعاً.
اليوم، يبدو أن هناك عدواً جديداً بالنسبة إلى هؤلاء، فإضافة إلى السابقين، تم حالياً إدخال تركيا إلى القائمة، لتتصدّر هذه البورصة، بعدما نجحت أنقرة في صد محاولات تمدّد هذا المحور في ليبيا، وأفشلت عملياً الحصار على قطر بفعل الجسر الجوي الذي تم تشكيله لرفد الدوحة بما يساعدها على تحدي الإغلاق المفروض.
لكن على عكس المحاولات السابقة في صناعة الأعداء، سواء بالنسبة إلى إيران أو قطر، دخل استعداء تركيا اليوم مرحلةً غير مسبوقة، عبر تصريحات وحملات وإعادة كتابة التاريخ، والتذكير بالإرث العثماني في الدول العربية، وهو ما تقوم به وسائل إعلام محسوبة على هذا المحور، في مسعى إلى تكوين رأي عام ينظر إلى تركيا أنها العدو الأبرز اليوم. على هذا الأساس، تم إنتاج مسلسل "ممالك النار" الذي عمد إلى تشويه التاريخ العثماني، وهو ما أجمع عليه مؤرخون عديدون.
من المؤكد أن التاريخ العثماني لم يكن مشرقاً، لكنّ استدعاءه اليوم وتسليط الضوء عليه تأتي في إطار تكريس العداوة الجديدة، فبالنسبة إلى هذا المحور باتت تركيا أخطر من إيران، وهو ما أعلنه قبل أيام الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، على شاشة إحدى المحطات الإماراتية، إذ رأى أن تركيا "أخطر على العالم العربي من إيران نظرا لقدراتها الاستراتيجية، كما أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولديها علاقة استراتيجية وضخمة مع الولايات المتحدة ومثلها مع روسيا، ولديها أيضا مصالح متشابكة مع الاتحاد الأوروبي".
واللافت في كلام موسى، والذي يبدو أنه يسير على النهج الذي وضعته دول المحور، هو إغفال إسرائيل من المعادلة، فالمقارنة كانت حصراً مع إيران، وهي التي باتت اليوم في المرتبة الثانية في "قائمة الأعداء". وهي قائمة ستظل مفتوحة لدخول مزيد من الدول وفق مبدأ "العرض والطلب"، والقياس على المصالح الضيقة لقادة هذا المحور. مصالح لا يمكن وضعها في أي إطار استراتيجي حقيقي، وخصوصاً أن الأطراف الأساسية في هذا المحور لا وزن استراتيجياً لها.
وعلى نهج صناعة الأعداء نفسه، والذي لا يمت بصلة لأي فرع من العلوم السياسية، يجري السير في إعداد "قائمة الحلفاء"، والتي يبدو أن إسرائيل تأتي في صدارتها، من دون فهم ما هي المكاسب التي قد يحصل عليها أعضاء هذا المحور، غير استنفاد مزيد من الأموال من الخزينة العامة، ولا سيما بالنسبة للإمارات والسعودية، تماماً كما سبق أن فعل "الحليف الثاني" دونالد ترامب، من دون أن يحصل قادة المحور على أي مكسب سياسي أو اقتصادي.
هي لعبة صبيانية بدون أي خلفيات ولا أبعاد ذات معنى سياسي، باستثناء أحقاد تتم على أساسها صياغة سياسات وصناعة أعداء، كان من الأفضل أن يكونوا حلفاء.
اليوم، يبدو أن هناك عدواً جديداً بالنسبة إلى هؤلاء، فإضافة إلى السابقين، تم حالياً إدخال تركيا إلى القائمة، لتتصدّر هذه البورصة، بعدما نجحت أنقرة في صد محاولات تمدّد هذا المحور في ليبيا، وأفشلت عملياً الحصار على قطر بفعل الجسر الجوي الذي تم تشكيله لرفد الدوحة بما يساعدها على تحدي الإغلاق المفروض.
لكن على عكس المحاولات السابقة في صناعة الأعداء، سواء بالنسبة إلى إيران أو قطر، دخل استعداء تركيا اليوم مرحلةً غير مسبوقة، عبر تصريحات وحملات وإعادة كتابة التاريخ، والتذكير بالإرث العثماني في الدول العربية، وهو ما تقوم به وسائل إعلام محسوبة على هذا المحور، في مسعى إلى تكوين رأي عام ينظر إلى تركيا أنها العدو الأبرز اليوم. على هذا الأساس، تم إنتاج مسلسل "ممالك النار" الذي عمد إلى تشويه التاريخ العثماني، وهو ما أجمع عليه مؤرخون عديدون.
من المؤكد أن التاريخ العثماني لم يكن مشرقاً، لكنّ استدعاءه اليوم وتسليط الضوء عليه تأتي في إطار تكريس العداوة الجديدة، فبالنسبة إلى هذا المحور باتت تركيا أخطر من إيران، وهو ما أعلنه قبل أيام الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، على شاشة إحدى المحطات الإماراتية، إذ رأى أن تركيا "أخطر على العالم العربي من إيران نظرا لقدراتها الاستراتيجية، كما أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولديها علاقة استراتيجية وضخمة مع الولايات المتحدة ومثلها مع روسيا، ولديها أيضا مصالح متشابكة مع الاتحاد الأوروبي".
واللافت في كلام موسى، والذي يبدو أنه يسير على النهج الذي وضعته دول المحور، هو إغفال إسرائيل من المعادلة، فالمقارنة كانت حصراً مع إيران، وهي التي باتت اليوم في المرتبة الثانية في "قائمة الأعداء". وهي قائمة ستظل مفتوحة لدخول مزيد من الدول وفق مبدأ "العرض والطلب"، والقياس على المصالح الضيقة لقادة هذا المحور. مصالح لا يمكن وضعها في أي إطار استراتيجي حقيقي، وخصوصاً أن الأطراف الأساسية في هذا المحور لا وزن استراتيجياً لها.
وعلى نهج صناعة الأعداء نفسه، والذي لا يمت بصلة لأي فرع من العلوم السياسية، يجري السير في إعداد "قائمة الحلفاء"، والتي يبدو أن إسرائيل تأتي في صدارتها، من دون فهم ما هي المكاسب التي قد يحصل عليها أعضاء هذا المحور، غير استنفاد مزيد من الأموال من الخزينة العامة، ولا سيما بالنسبة للإمارات والسعودية، تماماً كما سبق أن فعل "الحليف الثاني" دونالد ترامب، من دون أن يحصل قادة المحور على أي مكسب سياسي أو اقتصادي.
هي لعبة صبيانية بدون أي خلفيات ولا أبعاد ذات معنى سياسي، باستثناء أحقاد تتم على أساسها صياغة سياسات وصناعة أعداء، كان من الأفضل أن يكونوا حلفاء.