وعود ترامب… أي ثمن؟
انتهى الانتظار والترقّب، وسقطت كل الاستطلاعات التي تحدثت عن تقارب مرتقب في النتائج بين المرشّحيْن في انتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب وكامالا هاريس، ليكتسح الأول النتائج بفارق شاسع عن منافسته، سواء على مستوى أصوات المجمع الانتخابي أو في التصويت الشعبي، لنعود بالزمن إلى بداية ولايته الأولى قبل ثماني سنوات، ونترقّب ما ستحمله لنا ولاية "ترامب الثاني"، خصوصاً في ظل الحروب المستعرة في العالم، التي تحدّث الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية عن السعي إلى إنهائها، لكن بأي ثمن؟
ما يهمنا من كل هذه الحروب وبرامج ترامب للتعامل معها، العدوانان الإسرائيليان على قطاع غزّة ولبنان، اللذان لا يبدو أن هناك أفقاً لوقفهما قبل دخول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني المقبل. لكن من خلال التجربة التي عشناها مع ترامب خلال ولايته الأولى، فإن التدخّل الفعلي لوقف العدوانين لم يكن إلا في صالح إسرائيل ووفقاً للشروط التي تريد إملاءها على الأطراف في المنطقة.
التجربة مع ترامب في ما يخص إسرائيل والقضية الفلسطينية تحمل الكثير من المرارة، وهي تبدأ من "صفقة القرن" التي كان يروجها للقضاء على القضية الفلسطينية، واستطاع ضم بعض الدول العربية إلى تأييدها، قبل أن يرعى "اتفاق أبراهام" الذي فتح باب التطبيع العربي مع إسرائيل على مصراعيه. لم يكتف ترامب بذلك، بل أضاف إليه قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، ما يعني اعترافاً بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال. لم يتوقّف الرئيس المنتخب عند هذا الحد، بل زاد اعترافاً آخر بالضم الإسرائيلي الجولان المحتل.
كل هذه الخطوات قدّمها ترامب في ذلك الحين هدايا مجانية لدولة الاحتلال، إذ لم تكن إسرائيل تعيش حالة حرب على أكثر من جبهة كما هو الحال اليوم، ولم تكن بحاجة إلى مساعدة أو دعم، فكيف ستكون مواقف ترامب اليوم وإسرائيل ترفع شعار "تغيير خريطة الشرق الأوسط"، بحسب تعبير رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، وفي وقت تعتبر فيه إسرائيل أنها أمام فرصة تاريخية للقضاء على أعدائها، وترى أنها تحقق تقدماً كبيراً في تحقيق هذا الهدف؟
يمكن تخيل تعامل الرئيس المنتخب في تحقيق الأهداف الإسرائيلية بناءً على سلوك ولايته الأولى. لنأخذ العدوان على قطاع غزّة مثالاً والأهداف الإسرائيلية منه. الهدف الأول تفكيك قدرات حركة حماس العسكرية، بحيث لا تعود تشكل تهديداً لإسرائيل، ومن ثم إنهاء سيطرتها على قطاع غزّة. يمكن القول إن جزءاً كبيراً من الهدف الأول تحقّق. أما الهدف الثاني، فتحقيقه يتوقّف على من يتولى السيطرة الأمنية في القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي، عقب الاتفاق الذي جرى بين حركتي فتح وحماس في القاهرة قبل أيام على الهيئة التي ستكون مكلفة إدارة القطاع مدنياً. كان المقترح الأميركي، الذي وافقت عليه إسرائيل ضمناً، أن تنتشر قوات عربية في غزّة. غير أن دولاُ عربية كثيرة لم تكن متحمّسة للانخراط في هذا المقترح، وأبلغت إدارة الرئيس جو بايدن بذلك، إلا أن هذا الأمر لن يكون ممكناً في عهد ترامب، وهو الذي يحمل سلاح العقوبات ويرفعه في وجه أي دولة تعانده أو يرى فيها تهديداً.
الأمر نفسه بالنسبة إلى لبنان، فالشروط الإسرائيلية - الأميركية لوقف العدوان، التي رفضتها الأوساط اللبنانية ورأت فيها استسلاماً للبلاد ووضعها تحت الوصاية، ستعود إلى الواجهة مع ترامب، مرفقة بالضغط على لبنان اقتصادياً وسياسياً لتنفيذها، من دون استبعاد أيضاً التلويح بعقوبات لا يستطيع لبنان تحمّل تبعاتها، وهو المشرف على الإفلاس.
قد يكون ترامب فعلاً صادقاً في رغبته في إنهاء الحروب، لكن السؤال: كيف سيحقق ذلك، وبأي ثمن؟