لبنان: الوصاية أو الحرب

01 نوفمبر 2024

دخان يتصاعد في صور جنوبي لبنان بعد قصف إسرائيلي (28/10/2024 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

يمنّي لبنانيون كثيرون النفس بجولة المفاوضات المرتقبة التي يجريها المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتاين، لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. لا يوفّر المسؤولون اللبنانيون، الحكوميون تحديداً، لا  جهداً لإضفاء أجواء من الإيجابية على المباحثات التي أجروها وسيجرونها مع الزائر الأميركي. غير أنه من غير المحبذ الإفراط في التفاؤل بهذه المحادثات وما سينتج منها، خصوصاً بعد تسريباتٍ عن مسوّدة مقترح الاتفاق الذي أعدته الولايات المتحدة، ومن المفترض أن تعرضه على لبنان بعد التعديلات التي ستجريها إسرائيل عليه. مسوّدة لا توحي بنودها بأن حلاً يلوح في الأفق، إذ إنها مليئة بالفخاخ التي لا يمكن أن يقبل بها حزب الله، إضافة إلى تأثيرها على مستقبل لبنان وما تبقى من سيادته.

بدايةً، ما يجري الحديث عنه، سواء في المسوّدة أو تعديلاتها، هو نزع سلاح حزب الله شمالي نهر الليطاني خلال 60 يوماً، تمهيداً للنزع الكلي لهذا السلاح وفقاً لقرار مجلس الأمن 1701، والذي يندرج ضمنه القرار 1559 الخاص بتفكيك "سلاح المليشيات" على الأراضي اللبنانية. مثل هذا البند، وفي حال قبلت به الحكومة اللبنانية، سيكون مرفوضاً من حزب الله، إذ يمثل انصياعاً للشروط الإسرائيلية. ومن المؤكد أن الحكومة اللبنانية وقواتها العسكرية لن تكون قادرة على تنفيذ هذا البند بالقوة، فناهيك عن خطورة القيام بهذا الأمر على السلم الأهلي، لا تملك القوى الأمنية الإمكانات للقيام بذلك، حتى لو أرادت.

ولو افترضنا أن هذا البند جرى تنفيذه، أو أن حزب الله وافق على نزع سلاحه في الجنوب وباقي الأراضي اللبنانية، فإن البند الثاني يتحدّث عن ضمان منع إعادة بناء الحزب قدراته العسكرية، وذلك وفق آلية لا تزال غير واضحة. فما هو مذكور في مسوّدة الاتفاق المسرّب، والذي ذكر الإعلام الإسرائيلي أنها قديمة وجرى التعديل عليها، أن القوى الأمنية اللبنانية ستنتشر على الحدود مع فلسطين المحتلة وسورية لضمان عدم دخول سلاح إلى لبنان من دون معرفة الدولة، غير أن من المرجّح أن هذا البند تحديداً طاوله التعديل، في ظل عدم الثقة الغربية والإسرائيلية بقدرات الحكومة اللبنانية على تحقيق هذا الهدف.

الصيغة التي يجري الحديث عنها بديلاً لهذا البند نشر قوات متعدّدة الجنسيات، بمهام وصلاحيات أوسع من تلك الممنوحة لـ"يونيفل"، على غرار تلك التي انتشرت في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. ومن المفترض أن هذه القوات ستتولى مراقبة الحدود البحرية والبرّية والموانئ الجوية لضمان حماية أمن إسرائيل ومنع دخول سلاح "غير شرعي" إلى الأراضي اللبنانية.

تطبيق مثل هذا البند، في حال الموافقة عليه، سيعني فرض حصار ووصاية دولية على لبنان، إذ ستكون الحكومة اللبنانية مجرد سلطة تنفيذية داخلية، وعلاقاتها الخارجية ستكون محكومة بالموافقات الغربية.

وفي حال جرى قبول كل هذه البنود، فإن مسوّدة الاتفاق في فقرتها الأخيرة تتحدّث عن حقّ إسرائيل في استئناف الحرب في حال استشعارها بأي خطر أو أي خرق لما جرى الاتفاق عليه، ما يعني تحقيقاً ضمنياً للشرط الإسرائيلي السابق بحرّية العمل البرّي والجوي في الأراضي اللبنانية.

تطبيق هذا البند يعني أن إسرائيل يمكنها استخدام أي ذريعة لقصف أهداف داخل لبنان أو تنفيذ اغتيالات في أي وقت تراه مناسباً، خصوصاً أن الحرب الحالية أظهرت أن دولة الاحتلال يمكنها التصرّف من دون أي رادع، وبموافقاتٍ ضمنيةٍ من الدول الغربية، سواء كانت هناك ذرائع أو لم تكن.

على هذا الأساس، ستكون محصلة المفاوضات التي سيجريها هوكشتاين في لبنان ومسوّدة الاتفاق التي يحملها وضع اللبنانيين أمام خيارين: الرضوخ للوصاية الدولية والشروط الإسرائيلية أو تحمّل الحرب وتداعياتها.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".