10 نوفمبر 2024
بين "الإسلاموفيليا" و"الإسلاموفوبيا"
انتشرت في لغة الضاد مفردةٌ غير عربية، هي "الإسلاموفوبيا". ويعني بها مستخدموها حالة "الرُهاب من الإسلام" التي تنتشر غرباً وشرقاً، ففي الغرب، تعلو أصوات المحذّرين من "الغزو" الثقافي الجديد الذي يُهدّد الأصول الثقافية "المسيحية/ اليهودية" لهذا الغرب الذي يعتبره بعض العنصريين "نقياً"، ولم تُغنه المكونات المتنوعة. وامتطت صهوة الإسلاموفوبيا أحزاب اليمين المتطرف وبعض المجموعات المرتبطة بالكنيسة التقليدية التي تنفي تطرّفها، كما بعض مثقفي اليسار "العلمانوي" الذي اختار الانحراف باتجاه شعبويةٍ جاذبةٍ للأصوات الانتخابية على المدى القصير، لكنها تُغرق متبنيها في وحولٍ لزجة من مسار تفكيك أية آمال في الاندماج والغنى القائم على التنوّع.
وفي الشرق، جغرافياً وثقافياً، هناك إسلاموفوبيون كثر، يعتقد بعضهم أن تبنيهم لغة هذا الرهاب، دونما فهم عميق لحمولته، تجعلهم أكثر قرباً من "الحبيب" الغربي الليبرالي، سعياً للوصال. وبعض آخر مقتنع بأن الاسلام هو المشكلة، وبالتالي، معاداته، والتهكم على ممارساته كما ممارسيه، جزء أساسي من خيارٍ أيديولوجي هم غير قادرين معرفياً، على الأقل، على تبين مآلاته.
أما إسلاموفوبيو الغرب فهم منتشرون إعلامياً. خبراء بكل ما يمكن من الاستراتيجيات السياسية إلى التحليلات النفسية إلى الفلسفة التاريخية إلى مكافحة الإرهاب إلى الجماعات التكفيرية إلى وسائل الاتصال الاجتماعي، وإلى آخره من احتياجات الساعة إعلامياً. وقد صار لهم باعٌ في نشر الرُهاب وتأجيجه، بمساعدةٍ لم يتوقعوها، أتتهم من السماء، مع انتشار الإرهاب وبروز مسألة اللاجئين، فالإرهاب الذي تتبناه عصاباتٌ تقدّم نفسها حاملةً رسالةً دينية يعطي هؤلاء حججاً واسعةً، وحمّالة أوجه. أما مسألة اللجوء، فاستغلالها أصعب قليلاً لكنه ليس مستحيلاً على من تلوك ألسنتهم وعقولهم عباراتٌ ذات حمولة كاذبةٍ لظواهر طرفية منذ عشرات السنين، فصارت مسألة اللجوء، باستغلال كلاميٍّ هش المصدر الأساسي لظاهرة الإرهاب. علماً أن قليلاً من الوقت المسخّر للقراءة الجادة لأعمال باحثين غربيين، توضّح، بما لا لبس فيه، لمن يريد أن يعرف أولاً، ويفهم ثانياً، أنه لا توجد علاقة ترابطية بين مسألة اللجوء، وحتى الهجرة، وظاهرة انتشار الأعمال الإرهابية. أو على الأقل، هي ليست بهذه البساطة التسطيحية.
في المقابل، تُعتبر الإسلاموفيليا، وهي مفردةٌ قليلة التداول عربياً، الوجه الآخر لعملة الإسلاموفوبيا الرديئة، وتعني محبة الشيء والتماهي معه، وقد تصل، في الاستعمالات السوسيولوجية، إلى الوله بالشيء دونما محاكمة عقلية، ولا موقف نقدي. وبالطبع، من غير المقصود بهذا الموقف شديد الإيجابية موضوع العقيدة بحد ذاتها، بل المقصود ممارساتها ومظاهرها وممارسوها.
وكما الوجه الآخر المُشار إليه في أعلاه، فهذه الظاهرة منتشرة غرباً وشرقاً. مع أنها، كموقف
"مُحابي" تكثر أكثر غرباً من انتشارها شرقاً. ففي الشرق، المسلم على الأقل، محبة الدين والدفاع عنه بالمطلق من دون أية تحفظات أمر شبه مفروغ منه. وهو أيضاً، وأحياناً، من أحد أسباب رفض أية أفكار إصلاحية، أو محاولات تجديدية في مسارات فهم النص وتحليله. كما أنه هو أيضاً سببٌ أساسي في انحراف الممارسات والتطبيقات، الناجم عن التشدّد والمغالاة. فالإسلاموفيليا إذاً ليست في هذا الإطار، بل هي في محاولة إيجاد تبريراتٍ واهيةٍ ودائمة المدح والإعجاب لممارساتٍ وأقوالٍ لأشخاصٍ، أو لمجموعاتٍ ليست معنية حقاً بالتمثيل الإيجابي للعقيدة الدينية المعنية.
أما غرباً، فالدفاع المستميت عن ممارساتٍ يمكن أن يكون جزء منها سلبياً ومنافياً للعقيدة، أو للفهم المتطور والعقلاني لرسالتها، يُميّز فئات ثقافيةً تحمل، في طيّات إيجابيتها العمياء والاستعراضية، تناقضاتٍ تكاد تصل إلى تبني تملّق استشراقي الملامح.
وفي مواجهة الإسلاموفوبيا شديدة الانتشار، تفشل الإسلاموفيليا في تعديل كفة الميزان، إلا أنها تنجح في إضفاء شيءٍ من الهزالة على حجج من يسعى، فعلاً، إلى الدفاع عن العقيدة بعقلانيةٍ ومنطق. ويتنطح لهذا الدور الدفاعي/ الاستعراضي، غالباً، جموع من المثقفين اليساريين. وهم آتون، غالباً، أيضاً من حملات التعاطف والمناصرة للقضية الفلسطينية. وغالباً ما يكون توصيف مناصرتهم بمحاولة التميّز أو بالتأثر بعقائد بافلوفية/ سببية عموماً. كما يمكن اعتبار أنها تدخل في سجل "الموضة"، في أحيانٍ أخرى.
أما الأكثر ضرراً في هذا النمط من التملق المجاني فهو أنه يُحرّض على إنتاج ظاهرتين، تحملان تناقضاً ظاهرياً، لكنهما تصبّان في ساقية مياه السلبية الراكدة تجاه الإسلام والمسلمين. فمن جهة، يمكن اعتبار بعض حاملي هذه الراية مبررين مجانيين لكارهي الإسلام، عقيدةً وموقفاً أيدولوجياً. كما أنه يمكن اعتبارهم كمن يقوم بالتشجيع على الانتماء للمنظمات الراديكالية، لضحالة منطقهم وجهلهم العميق بما يهرفون.
يبقى المهتمون، فعلاً، بتقديم تصوّر واضح وصريح لإشكاليةٍ، تفرض نفسها اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، فلا سند لهم إلا إنتاجهم العلمي أو الكتابي. وفي زحمة الإعلام المتعطّش للإثارة، يميناً ويساراً، دينياً ومعادٍ للدين، لا يجد العاقل/ المجتهد/ المصلح له مطرحاً. وينكبّ غالباً على الاستمرار في التجديد، وفي الاجتهاد، وفي تقديم صورةٍ عقلانيةٍ معتمدةٍ على العلوم الإنسانية الحديثة في قراءة النص وتحليله، مع تأثير ضئيل ونخبوي.
وفي الشرق، جغرافياً وثقافياً، هناك إسلاموفوبيون كثر، يعتقد بعضهم أن تبنيهم لغة هذا الرهاب، دونما فهم عميق لحمولته، تجعلهم أكثر قرباً من "الحبيب" الغربي الليبرالي، سعياً للوصال. وبعض آخر مقتنع بأن الاسلام هو المشكلة، وبالتالي، معاداته، والتهكم على ممارساته كما ممارسيه، جزء أساسي من خيارٍ أيديولوجي هم غير قادرين معرفياً، على الأقل، على تبين مآلاته.
أما إسلاموفوبيو الغرب فهم منتشرون إعلامياً. خبراء بكل ما يمكن من الاستراتيجيات السياسية إلى التحليلات النفسية إلى الفلسفة التاريخية إلى مكافحة الإرهاب إلى الجماعات التكفيرية إلى وسائل الاتصال الاجتماعي، وإلى آخره من احتياجات الساعة إعلامياً. وقد صار لهم باعٌ في نشر الرُهاب وتأجيجه، بمساعدةٍ لم يتوقعوها، أتتهم من السماء، مع انتشار الإرهاب وبروز مسألة اللاجئين، فالإرهاب الذي تتبناه عصاباتٌ تقدّم نفسها حاملةً رسالةً دينية يعطي هؤلاء حججاً واسعةً، وحمّالة أوجه. أما مسألة اللجوء، فاستغلالها أصعب قليلاً لكنه ليس مستحيلاً على من تلوك ألسنتهم وعقولهم عباراتٌ ذات حمولة كاذبةٍ لظواهر طرفية منذ عشرات السنين، فصارت مسألة اللجوء، باستغلال كلاميٍّ هش المصدر الأساسي لظاهرة الإرهاب. علماً أن قليلاً من الوقت المسخّر للقراءة الجادة لأعمال باحثين غربيين، توضّح، بما لا لبس فيه، لمن يريد أن يعرف أولاً، ويفهم ثانياً، أنه لا توجد علاقة ترابطية بين مسألة اللجوء، وحتى الهجرة، وظاهرة انتشار الأعمال الإرهابية. أو على الأقل، هي ليست بهذه البساطة التسطيحية.
في المقابل، تُعتبر الإسلاموفيليا، وهي مفردةٌ قليلة التداول عربياً، الوجه الآخر لعملة الإسلاموفوبيا الرديئة، وتعني محبة الشيء والتماهي معه، وقد تصل، في الاستعمالات السوسيولوجية، إلى الوله بالشيء دونما محاكمة عقلية، ولا موقف نقدي. وبالطبع، من غير المقصود بهذا الموقف شديد الإيجابية موضوع العقيدة بحد ذاتها، بل المقصود ممارساتها ومظاهرها وممارسوها.
وكما الوجه الآخر المُشار إليه في أعلاه، فهذه الظاهرة منتشرة غرباً وشرقاً. مع أنها، كموقف
أما غرباً، فالدفاع المستميت عن ممارساتٍ يمكن أن يكون جزء منها سلبياً ومنافياً للعقيدة، أو للفهم المتطور والعقلاني لرسالتها، يُميّز فئات ثقافيةً تحمل، في طيّات إيجابيتها العمياء والاستعراضية، تناقضاتٍ تكاد تصل إلى تبني تملّق استشراقي الملامح.
وفي مواجهة الإسلاموفوبيا شديدة الانتشار، تفشل الإسلاموفيليا في تعديل كفة الميزان، إلا أنها تنجح في إضفاء شيءٍ من الهزالة على حجج من يسعى، فعلاً، إلى الدفاع عن العقيدة بعقلانيةٍ ومنطق. ويتنطح لهذا الدور الدفاعي/ الاستعراضي، غالباً، جموع من المثقفين اليساريين. وهم آتون، غالباً، أيضاً من حملات التعاطف والمناصرة للقضية الفلسطينية. وغالباً ما يكون توصيف مناصرتهم بمحاولة التميّز أو بالتأثر بعقائد بافلوفية/ سببية عموماً. كما يمكن اعتبار أنها تدخل في سجل "الموضة"، في أحيانٍ أخرى.
أما الأكثر ضرراً في هذا النمط من التملق المجاني فهو أنه يُحرّض على إنتاج ظاهرتين، تحملان تناقضاً ظاهرياً، لكنهما تصبّان في ساقية مياه السلبية الراكدة تجاه الإسلام والمسلمين. فمن جهة، يمكن اعتبار بعض حاملي هذه الراية مبررين مجانيين لكارهي الإسلام، عقيدةً وموقفاً أيدولوجياً. كما أنه يمكن اعتبارهم كمن يقوم بالتشجيع على الانتماء للمنظمات الراديكالية، لضحالة منطقهم وجهلهم العميق بما يهرفون.
يبقى المهتمون، فعلاً، بتقديم تصوّر واضح وصريح لإشكاليةٍ، تفرض نفسها اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، فلا سند لهم إلا إنتاجهم العلمي أو الكتابي. وفي زحمة الإعلام المتعطّش للإثارة، يميناً ويساراً، دينياً ومعادٍ للدين، لا يجد العاقل/ المجتهد/ المصلح له مطرحاً. وينكبّ غالباً على الاستمرار في التجديد، وفي الاجتهاد، وفي تقديم صورةٍ عقلانيةٍ معتمدةٍ على العلوم الإنسانية الحديثة في قراءة النص وتحليله، مع تأثير ضئيل ونخبوي.