أعلنت مدرّسة اللغة الروسية، تاتيانا غارتمان، حرباً بلا هوادة على "الجاهلين" بقواعد النحو والنطق باللغة الروسية من مراسلي ومذيعي ومقدمي البرامج في قنوات التلفزة الروسية. وطاولت الانتقادات، حول الاستخدامات الخاطئة لبعض الأفعال وحروف الجر المناسبة وطريقة النطق، السياسيين وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. رغم أنه يظهر حرصاً واضحاً على التحدث من دون أي أخطاء لغوية، وإظهار جمال اللغة الروسية. المدرّسة الحائزة على ديبلوم في التعليم، إضافة إلى إجازة جامعية في الصحافة، قررت منذ نهاية 2017 إنشاء مدونة خاصة على "يوتيوب" تحت اسم "المدرّس ضد التلفزيون". ورغم أن عدد متابعيها ليس كبيراً بالمقاييس الروسية (65 ألف متابع)، فإن غارتمان، المتحدّرة من مدينة نيجني نوفغراد جنوب شرقي موسكو، اكتسبت شهرة كبيرة، وأصبحت ضيفة دائمة على محطات التلفزة والإذاعة الفيدرالية والمحلية. وحصلت على عمل في إذاعة "ماياك" واسعة الانتشار. وتشارك في تقديم برنامج للرّد على تساؤلات الروس حول القواعد النحوية وقواعد اللفظ واشتقاق الكلمات وأصولها.
ومنذ بداية نشر مقاطع الفيديو التي كشفت أخطاء "نجوم" محطات التلفزة و"صانعي الرأي العام" عبر برامجهم السياسية والاجتماعية، تعرضت "حارسة اللغة الروسية" لهجوم من قبل بعض الصحافيين. ورأى فلاديمير سلافيوف صاحب برنامج "المساء مع فلاديمير سلافيوف" اليومي على قناة "روسيا 1" الحكومية، وبرنامج "موسكو، الكرملين، بوتين" الأسبوعي، أن "المشكلة ليست في الصحافيين الجاهلين، بل في وجود عدد كبير من المدونين في الإنترنت"، وخلص إلى أنه "وراء كل صحافي تلفزيوني جاهل، هناك معلم للّغة الروسية، يبدو أنه لم يدرّس جيداً صحافيي المستقبل". ومع إقرارها بوجود أساتذة جيدين وآخرين سيئين، كما في أي مهنة، رفضت غارتمان تحميل مدرّسي اللغة الروسية المسؤولية. وحضّت سلافيوف على عدم التذرع بتفسيرات بسيطة غير صحيحة، مشددة على ضرورة البحث عن الأسباب الحقيقية للمشكلة. وزادت بسخرية: "حسب هذا المنطق، فإن المسؤولية عن وضع تشخيص مرضي صحيح تقع على عاتق معلم الطبيب، وليس على الطبيب ذاته". ومع تشديدها على أهمية عدم استخدام الكلمات المسيئة في البرامج التلفزيونية، واختيار مواضيع لا تخدش الحياء العام، ترفض غارتمان لعب دور الرقيب على المحتوى. وتؤكد أنَّ هدفها الأساسي يكمن في المحافظة على لغة روسية سليمة.
وفي هذا الإطار، تشير المعلمة إلى أنها تعمل حالياً في إطار مشروع في مدينة "نيجني نوفوغراد" لتنمية قدرات الأطفال ما بين 11 و16 عاماً في مجال التعبير والإبداع، وتعلُّم قواعد اللغة الروسية الصحيحة للراغبين بالعمل في مجال الصحافة أو الابداع الفني. وكشفت غارتمان أنَّها تلقّت عروضاً من إدارة مدينتها لتنظيم دورات سريعة مكثفة لتعليم قيادات المدينة أصول اللفظ والقواعد باللغة الروسية. سهام نقد المدرّسة الحريصة على اللغة الروسية، لم تفرق بين السلطة والمعارضة، واستطاعت في إحدى حلقاتها الجمع بين بوتين وأشرس معارضيه ألكسي نفالني عبر التركيز على خطأ مشترك بأصول النطق باللغة الروسية.
وفي المقابل، فقد امتدحت بوتين عدة مرات، وأشارت إلى فطنته واستخدامه معرفته بتطور مشتقات اللغة عبر التاريخ في قضية سياسية حساسة. ففي إحدى الحلقات، أثنت غارتمان على استعانة بوتين باللغة من أجل تفسير عدم وجود شعب أوكراني. وأن الأوكرانيين هم الروس الذين سكنوا أطراف الإمبراطورية الروسية، في الغرب والجنوب على وجه الخصوص، وهو ما يتضح من تحليل كلمة "أوكرانيا" (عند الطرف) والتي تغير لفظها عبر الزمن. ومعلوم أن الشعب الروسي ينظر إلى لغته على أنها الأغنى والأجمل في العالم، ويزداد اهتمام السلطات باللغة الروسية في شكل واضح، وأعلن بوتين 2007 عاما للاحتفال باللغة الروسية ونُظم عدد واسع من الفعاليات للاهتمام بأصول اللغة.