يوم الخميس الماضي، افتتح معرض فني بعنوان "الحاجة إلى الأرشيف – إعادة زيارة الذاكرة" في مركز "ستيشن" في بيروت، بمشاركة عدد من الفنانين السوريين، وحضور أعمال عالمية، قام باختيارها الفنان السوري، خالد بركة. والمعرض هو نتيجة لتعاون مشترك بين مؤسستي "دولتي" و"فهرس سوريا الثقافي" كجزء من برنامج "أرشيف تاريخ سورية الشفهي".
والتقت "العربي الجديد" بأحمد صالح من فريق "دولتي"، ليشرح لنا عن فكرة المعرض والهدف منه، وقال: "المعرض جاءت فكرته نتيجةً لتعاوننا مع الأستاذ خالد بركة، والهدف من المعرض هو الاستثمار الفني لأرشيف "دولتي". إذ جرت العادة أن نقدم الأرشيف للباحثين والناشطين، وكنا نواجه مشكلة، وهي كيف يمكننا إيصال هذا الأرشيف إلى أكبر عدد ممكن من الناس الذين يتكلمون بلغة أخرى. فمعظم الناس لا يهتمون بقراءة التقارير، ومن هنا نبعت فكرة التعاون بيننا وبين فنانين ممن لديهم القدرة على خلق أعمال فنية تستطيع الوصول إلى عدد كبير من الناس. فالفن هو لغة يستطيع كل البشر التواصل بها، وتلك الأعمال تعيش لمدة طويلة في الذاكرة، ومن الممكن أن تكون مفكرة حاملة لذاكرة فعالة. ومن هنا جاءت فكرة التعاون من فنانين نتعلم منهم، ونمهد الطريق لتعاون مع فنانين آخرين بالمستقبل". وأضاف صالح: "بدأنا بمسابقة لأربع جوائز، تقدم إلى تلك المسابقة حوالي 15 شخصا، وتم اختيار أربعة أشخاص منهم، قدمنا لهم أجزاء من الأرشيف، وهم من قاموا ببناء أربعة أعمال فنية في هذا المعرض، وهم: آنّا بنوت، فادي جبور، محمد عمران ورندا مداح.
وبالإضافة لهذه الأعمال، يحتوي المعرض على أعمال فنية لفنانين عالميين، معروفين أكثر، اخترنا لهم أعمالا فنية متعلقة بالصراع وحفظ الذاكرة والأرشيف. وترتكز فكرة المعرض الأساسية على الأرشيف، ولماذا نحن بحاجة للأرشيف والذاكرة؟ وكيف يمكن استخدامها؟ واعتمدنا بالعمل الفني على أرشيف للنساء والشباب ممن لديهم أقرباء مختفون ومعتقلون. واختار الفنانون من حكايتهم نقطة معينة أو جملة معينة أو تفصيلا لطرح عمل فني يحاكي ذلك التفصيل. وسيعقب المعرض ورشة عمل صغيرة مع الفنانين السوريين الموجودين حالياً في بيروت، نعمل فيها على موضوع الصراع القائم حالياً في سورية، لنناقش حساسية العمل عن طريق الفن، وطريقة طرح الموضوع، والحد بين الموضوعية والذاتية في الأعمال".
ومن بين الفنانين المشاركين بالمعرض، التقت "العربي الجديد" بالنحات، فادي جبور، الذي تحدث عن تجربته قائلاً: "كانت هناك صعوبة بإنجاز العمل، لأن الموضوع المختار له علاقة بالأرشفة. ولم يكن لدي تجربة سابقة مع الأرشفة. غالباً ما يقوم العمل الفني على جزء من تاريخنا وذاتيتنا، ولكن هنا كان الوضع مختلفاً، فهناك قصة حقيقة لناس آخرين، يوجد بها الكثير من المعطيات والقصص. كقصة الضربة الكيميائية على الغوطة الشرقية، التي قمت بالعمل عليها، وكان هناك صعوبة، فكيف لي أن أقوم بعمل فني واحد أجمع به كل تلك القصص والمصائب التي حلت بهؤلاء الناس! وبالنهاية اخترت جملة من القصة التي سمعتها، حيث كانت الراوية تتحدث عن عمتها، وكانت تلك الجملة تلخص الحالة المأسوية والجو العام الذي يعيش به هؤلاء الناس. إذْ إن عمتها توفيت إثر الهجوم الكيميائي، وكانت تتمنى دائماً أن تموت قطعة واحدة، من دون أن تنزف أو يتقطع جسدها، أن تموت ميتة محترمة بلباسها الكامل. وعندما علم أهلها أنها توفيت بالهجوم الكيميائي أدرك أقرباؤها أن أمنيتها بالموت تحققت. وهنا نرى كيف أصبح المنطق مختلاً عن منطق الحياة العادية في ظل هذه الظروف، فالموت الطبيعي أصبح نوعاً من أنواع الرفاهية! وأحببت أن أبين هذه الفكرة بعملي. فكان هناك مزيج بين الكوميك والقصص الخيالية في عملي على منحوتتي، التي أطلقت عليها اسم "المكأفاة الأخيرة".
ومن الفنانين المشاركين بالمعرض أيضاً، الفنانة البولونية – السورية، آنا بنوت، وفي حديثها لـ"العربي الجديد" قالت: "بعد أن اطلعت على أرشيف التاريخ الشفوي الخاص بـ"دولتي"، سمعت الكثير من القصص المختلفة والشخصية. والأمر الذي لفت انتباهي هو المكان الذي تحدث فيه هذه القصص، خصوصاً أن الإعلام لم يسلط الضوء على هذه التفاصيل من قبل، فنحن لا نسمع بالإعلام سوى عن قصص اللاجئين التراجيدية والكوارث، ولا تصل إلينا سوى الحكايات المحزنة، في حين أنه لا يتم تسليط الضوء أبداً على تفاصيل حياة اللاجئين التي توضح بأنهم أشخاص طبيعيون لهم أحلامهم وطموحاتهم. وبالنسبة لي، هو أمر بغاية الأهمية أن أعرض هذه التفاصيل للجمهور. وفي هذا المشروع قمت بالتركيز على قصص النساء، لأنني استمعْت لعدة قصص من النساء اللاجئات التي تظهر قوّتهن العظيمة بالتعامل مع كل ما مروا به. فهناك نساء مررن بظروف صعبة جداً، منهن من غادرن وحيدات ومنهن من أظهرن قدرة خاصة على تخطي المشاكل. بالتأكيد هنالك جانب سياسي في القصص، لأنها قصص يرويها اللاجئون عموما. ولكن هناك جوانب من القصص لا يتم التركيز عليها عادةً، ولاسيما الجوانب العاطفية، التي هي موجودة لديهن بالتأكيد، فهن ما زلن قادرات على الحياة والضحك والحب. بالطبع لمست أيضاً الظروف الصعبة التي يعشنها، ولكنني فضلت أن أركز بعملي الفني على الجانب العاطفي والحياتي لدى اللاجئات واللاجئين، الذي يبعدهم عن الصورة النمطية التي تحدهم. أرغب بعملي أن أجعل الناس يرون أننا نفكر بنفس الطريقة، ونضحك بنفس الطريقة، وأن هذه الظروف لم تفقدهم الأمل ولم تقض على أحلامهم، وأنهم لايزالون على قيد الحياة. ومن هنا اخترت عنوان "لايزالون أحياء" كعنوان للصور التي شاركت بها في المعرض".