بات التراجع المتواصل لسعر الدينار مقابل عملتي اليورو والدولار، حاجزا أمام رغبة شريحة مهمة من التونسيين في السفر، الذي زادت كلفته بنحو 30% خلال العامين الماضيين، بحسب وكالات أسفار.
وفي موسم الصيف يقبل آلاف التونسيين على السفر لقضاء عطلتهم في البلدان الأوروبية أو تركيا، حيث تمثل هذه الوجهات السياحية الأكثر تحبيذا بالنسبة إليهم نظرا لتناسب أسعار الرحلات مع مقدرتهم الشرائية، غير أن الهبوط المتواصل لسعر الصرف أصبح يشكل حاجزا حقيقياً.
تقول سامية الشواشي، التي تعمل موظفة في القطاع الحكومي، إنها دأبت على السفر سنويا لقضاء جزء من عطلتها الصيفية بما توفره من مدخرات طوال السنة، غير أن الوضع الاقتصاد الصعب وزيادة كلفة المعيشة قد يحولان هذا العام دون تحقيق رغبتها في السفر نحو اليونان.
وتضيف سامية في حديث لـ"العربي الجديد" إنها كانت تدخر سنويا ما بين 2000 و3000 آلاف دينار (ما بين 770 و1100 دولار) لتنفيذ خطة السفر، حيث غالبا ما تختار وجهة سياحية بكلفة لا تتعدى هذا المبلغ، الذي تخصصه لمصاريف السفر مع الاستفادة من العروض التجارية التي تقدمها وكالات السفر بتقسيط سعر الرحلة الجوية والإقامة في النزل (الإقامة).
وتتابع أن المبلغ الذي تدخره لا يتيح لها الآن قضاء عطلة مريحة في إحدى الدول الأوروبية، مشيرة إلى أن معدل الإنفاق في يوم واحد خلال رحلة سفر تدوم أسبوعا يقارب الـ 150 دولارا، وهو ما قد يجبرها على التقشف خلال فترة الإجازة التي كان يفترض أن تخصص للراحة والاستجمام.
وتقول: " نتبع سياسة تقشفية على مدار السنة لتوفير نفقات السفر، وهو ما يضعنا تحت ضغط نفسي وإجهاد كبيرين، واليوم نجد أنفسنا أيضا مجبرين على التقشف حتى في فترة الإجازة وأثناء السفر في الوقت الذي كان يفترض أن تخصص هذه المساحة الزمنية للاستجمام والهرب من كل مسببات الضغط النفسي".
وتشير إلى أن كلفة السفر لقضاء إجازة بأسبوع للفرد الواحد باعتبار التذكرة ورسوم التأشيرة تناهز الخمسة آلاف دينار (1900 دولار) وهو مبلغ غير متاح لشريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة في تونس.
من جانبه، يقول ظافر لطيف كاتب عام وكالات السفر لـ"العربي الجديد" إن التقديرات تشير إلى أن من يسافرون لقضاء الإجازات بالخارج يبلغ عددهم نحو 50 ألف شخص سنويا، إضافة إلى نحو 95 ألفا يسافرون في رحلات السياحة الدينية لأداء مناسك الحج والعمرة.
ويؤثر تراجع سعر الدينار بشكل كبير على معيشة التونسيين. وتعود رحلة هبوط الدينار التونسي مقابل الدولار واليورو وفق سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي إلى سنة 2011، حين كان الدينار في حدود 1.26 مقابل الدولار و1.81 مقابل اليورو، قبل أن يتدحرج إلى 1.42 مقابل الدولار و1.93 مقابل اليورو في 2012.
وواصل الدينار الهبوط، حيث شهد العام الماضي 2017 تفاقم الأزمة بتراجعه إلى 2.49 مقابل الدولار و2.95 مقابل اليورو، ويسجل أدنى مستوياته التاريخية خلال العام الجاري ببلوغه 2.6 مقابل الدولار و3.1 مقابل اليورو.
يقول منعم الغرايري، صاحب وكالة سفر إن وكالته سجلت هذا العام تراجعا يتراوح ما بين 30% و40% في حجوزات سفر التونسيين للخارج في إطار الرحلات المنظمة التي دأبت الوكالة على تنظيمها نحو وجهات أوروبية وتركيا.
ويضيف الغرايري لـ"العربي الجديد" أن الإشكال بالنسبة للتونسيين يكمن في توفير مخصصات السفر، لافتا إلى أن أغلب الوكالات توفر عروضا وتسهيلات دفع كبيرة فيما يقف سعر الصرف حاجزا كبيرا أمام المسافرين.
ويتابع أن الوجهة التركية تبقى الأكثر إقبالا من التونسيين، الذين استفادوا من تراجع سعر الليرة التركية هذه الفترة، لكنه توقع أن يواصل التونسيون عزوفهم عن السفر إلى حين تعافي الوضع الاقتصادي.
ورغم الضغوط المعيشية يحاول التونسيون تخصيص جانب من ميزانيتهم للترفيه، ولكن الوتيرة تبقى نسبيا منخفضة بحسب دراسة لمعهد الاستهلاك الحكومي. ويعتبر الموسم الصيفي، وفترة المهرجانات الكبرى، أبرز الأوقات التي يخصص فيها المستهلك التونسي الوقت والمال للترفيه والثقافة.
وبحسب بيانات صادرة حديثا عن المعهد الوطني للإحصاء، يخصص التونسي 6.69% من ميزانيته للترفيه والثقافة، غير أن هذه النسبة تشهد تراجعا منذ سنوات، حيث كانت في مستوى 8.9% من الميزانية عام 1985.